نشرت صحيفة “الغارديان” تقريراً لمراسلها في واشنطن جوليان بورغر قال فيه إن السعوديين يدفعون بخطة “ب” تستبعد الإسرائيليين من صفقة مهمة مع الولايات المتحدة.
وأضاف أن الرياض تسعى لتحقيق صفقة متواضعة مع واشنطن، في غياب وقف إطلاق النار في غزة، ورفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للدولة الفلسطينية، مضيفاً أن الولايات المتحدة والسعودية أعدّتا مسودات اتفاقيات تتعلق بالأمن ومشاركة التكنولوجيا، والمرتبطة بتسوية أوسع في الشرق الأوسط بين الإسرائيليين والفلسطينيين. إلا أنه وفي غياب اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، ومعارضة نتنياهو لإقامة دولة فلسطينية، والتصميم على دخول رفح في جنوبي غزة، فإن السعوديين يدفعون باتجاه خطة بديلة تستثني الإسرائيليين.
وسيقوم الأمريكيون والسعوديون، بناءً على هذه الخطة، بتوقيع سلسلة اتفاقيات بشأن معاهدة دفاع ثنائية، تساعد فيها الولايات المتحدة السعودية على بناء مفاعل نووي للأغراض المدنية، وتشارك واسع في الذكاء الاصطناعي، وغير ذلك من التكنولوجيا الناشئة.
وسيتم تقديم عرض لإسرائيل بالتطبيع الدبلوماسي مع الرياض، مقابل قبول حل الدولتين، وإنهاء النزاع الذي مضى عليه 76 عاماً.
إلا أن خطة الرياض البديلة “ب” لن تكون معتمدة على موافقة من حكومة نتنياهو. ونقلت الصحيفة عن فراس مقصد، مدير التواصل الإستراتيجي بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن قوله: “سيكون هناك مجال لنموذج الأقل مقابل الأقل، ولهذا يجب ألا تكون العلاقات مع الولايات المتحدة رهينة لأهواء الساسة الإسرائيليين، أو حكومة نتنياهو”.
وبموجب هذه الخطة، لن تحصل إدارة بايدن على التسوية التاريخية الإقليمية الناشئة من أنقاض غزة، على الأقل مباشرة، لكنها ستقوي الشراكة الإستراتيجية مع السعودية، وتوقف التمدد الصيني والروسي بالمنطقة. وليس من الواضح قبول الإدارة، علاوة على الكونغرس، نموذج الأقل مقابل الأقل.
وفي تصريحاته، يوم الإثنين، بالسعودية، ربط وزير الخارجية أنطوني بلينكن التقدم في محاولات التطبيع السعودي- الإسرائيلي بالمضي نحو حل الدولتين.
وقال، في كلمة بالمنتدى الاقتصادي العالمي: “العمل الذي تقوم به السعودية والولايات المتحدة معاً، وفي ما يتعلق باتفاقياتنا، من المحتمل أنه قارب على الاكتمال كما اعتقد”، مستدركاً: “ويتطلب التحرك نحو التطبيع أمرين: الهدوء في غزة، وطريقاً موثوقاً نحو الدولة الفلسطينية”.
وقالت الصحيفة إن تغيراً حصل في معسكر بايدن، فالمسؤولون الذين كانوا مصرّين، الأسبوع الماضي، على الترابط الذي لا ينفصم بين الاتفاقيات الأمريكية- السعودية والتطبيع السعودي- الإسرائيلي وحل الدولتين، أصبحوا غير ملتزمين بالموضوع في الأيام الأخيرة.
وكان من بين أهداف رحلة بلينكن إلى الرياض استكمال الاتفاقيات الأمريكية- السعودية، والتي يصفها مسؤولو الإدارة بالمكتملة تقريباً، إلا أنهم وضّحوا أنهم لم يحققوا اختراقاً نهائياً.
وقال مقصد، الذي كان في الرياض: “نحن قريبون، لكنهم لم يحققوا التقدم الذي يضعنا قريباً من خط النهاية، والذي كان يأمله السعوديون عند حضور بلينكن”.
وفي البداية، على الأقل، سيتم التوافق على الصفقة الأمريكية- السعودية بشكل مستقل عن التطورات في إسرائيل والأراضي المحتلة، مع أن عرضاً رسمياً سيقدم لإسرائيل بالتطبيع مع السعودية بتحركات لا عودة عنها نحو إنشاء الدولة الفلسطينية في غزة والضفة الغربية.
وتأمل الولايات المتحدة بتحوّل العرض إلى مسألة في السياسة الإسرائيلية، وخاصة بعد الانتخابات التي ستتبع انهيار حكومة نتنياهو.
وبحسب مصادر مطلعة، فإن الجزء النووي من الصفقة الأمريكية- السعودية سيسمح للرياض بمحطة يتم من خلالها تحويل مسحوق اليورانيوم المكرر إلى غاز، وبدون السماح للسعودية بداية تخصيب غاز اليورانيوم على أراضيها، وهو ضابط مهم على إنتاج القنبلة النووية، مع أن ولي العهد السعودية طرح في الماضي فكرة انتشار الأسلحة النووية، وأن السعودية ستسعى لتطوير السلاح النووي حالة امتلكت إيران القنبلة.
وستحتوي الاتفاقيات على نص منفصل لمعاهدة دفاعية بين البلدين. وقال مقصد: “في الحد الأدنى، ما سيطلب من الجانب السعودي شبيه بما تشترك فيه الولايات المتحدة مع كوريا الجنوبية، وبدون المادة 5 [بند الدفاع المشترك في الناتو]، ولكن التزاماً قوياً ورسمياً بالدفاع عن أراضي المملكة”.
ويشتمل الجزء الثالث من الاتفاقيات على تخفيف الولايات المتحدة قيود التصدير المفروضة على رقائق الكمبيوتر المستخدمة في تطوير أدوات الذكاء الاصطناعي، وهي عنصر مهم في طموحات السعودية للتحول إلى مركز تكنولوجي للمنطقة.
وتحتوي الأجزاء الثلاثة في مسودة الصفقة على دعم للأمن السعودي.
وبدلاً من التقدم على مسار السلام الإسرائيلي- الفلسطيني، تقدم السعودية الاتفاقيات على أنها نصر للولايات المتحدة في حربها ضد التوسع الإيراني، وفي “لعبة التنافس الكبرى”، ومع الصين تحديداً.
وتعمل السعودية، وبشكل مطرد، على زيادة الأسلحة التي تشتريها من الصين، حيث حاولت الحفاظ على خياراتها في السنوات الأخيرة. وفوجئت الولايات المتحدة عندما أعلن عن عودة العلاقات السعودية- الإيرانية برعاية صينية. وتخلت إدارة بايدن عن سياسة عدم التواصل مع السعودية، على خلفية مقتل الصحافي جمال خاشقجي، عام 2018، حيث توج التقارب في زيارة بايدن لجدة، في عام 2022.
ويرى كريستين فونتينروز، المدير السابق لشؤون الخليج في مجلس الأمن القومي، أن الصفقات النووية والذكاء الاصطناعي هي “أول منجزات زيارة بايدن للمملكة”. وقال إنه تمت صياغة الصفقات على أمل أن يضع السعوديون ملف التطبيع على الطاولة، و”لكن الإسرائيليين يولون أهمية لمنع قيام الدولة الفلسطينية، وأكثر من التطبيع مع السعوديين، وهذا هو سبب مناقشة الصفقة بشكل ثنائي”.
ويبدو البيت الأبيض متردداً في تقديم المزيد، بغياب صفقة التطبيع التي يرى أنها قد تحول طبيعة النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، وستكون المعارضة قوية لأي صفقة مع السعودية، بسبب سجلها الفقير في حقوق الإنسان.
ويقول فونتينروز: “لو لم تشتمل الصفقة على تعهدات من السعوديين بشأن الصين وإيران، مقابل الضمانات الأمنية، فسيسأل الكونغرس: ما الذي ستسفيده أمريكا من هذا؟”.
ويرى مقصد أن بند “تنافس القوى الكبرى” يجب أن يكون كافياً لإدارة بايدن “فلو استطعت حرف السعودية باتجاه التحالف الإستراتيجي الأمريكي في هذا الجزء من العالم، وبطريقة تهمش روسيا والصين، فسيكون هذا انتصاراً مهماً للإدارة”، و”هو ما سيعزز الشرق الأوسط، وفي المستقبل القريب، كجزء من المجال الأمريكي”.
وحتى لو كان هذا كافياً للبيت الأبيض، فلن يكون كافياً لمجلس الشيوخ، وبدون موافقته فأيّ اتفاقيات حول الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا النووية ستظل قصيرة الأمد.
ويرى مات داس، مستشار المرشح الرئاسي السابق بيرني ساندرز للشون الخارجية، ويشغل الآن نائب مدير المجلس التنفيذي لمركز السياسات الدولية: “بدون موافقة مجلس الشيوخ لن يكون موفقاً. وبدون القطعة الإسرائيلية فيه لن يكون موفقاً”.
وعبّر عن حيرته عن هوس الإدارة الأمريكية بهذه الصفقة، وهي ليست مع السعودية، ولكن مع شخص ولي العهد.