في الذكرى السنوية الأولى لأخي الشهيد الحي
الـــدم الممهـــور … برســم الأقصــــى
• بقلم : د. جميل جمعة سلامة رئيس مركز القسطاس للدراسات
” تم تصفية الشيخ يوسف سلامة المحرض الأول في المسجد الاقصى والقدس”، هكذا نشر موقع جيش الاحتلال الاسرائيلي على شبكه الانترنت خبر اغتيال أخي الشهيد في صبيحه يوم 31/12/ 2023 م، وفي الشهر الثالث من طوفان الأقصى، وفي ختام عام ميلادي وبدايه عام جديد، شارف اخي فيه على اكمال عقده السابع من عمره الذي افناه في خدمه دينه ووطنه.
الحادثه لم تكن عابرة وعفويه بل جريمه حرب غادره مكتمله الاركان مع سبق الاصرار والترصد بالمفهوم القانوني والقضائي، والامر ببساطه كان تصفيه حساب جسدي ومعنوي مع ايقونه الاقصى والقدس ابن غزه الذي ارتبط بحبل سري مع القدس الشريف ودرتها المسجد الاقصى المبارك، والذي لطالما صدح من على منبرها وزيرا لاوقافها وخطيبا لمسجدها اولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى رسولنا محمد ومعراجه الى السماء وهمزه الوصل بين السماوات والاراضين. ومؤلفا للكتب والأبحاث عنها مؤكدا على اسلاميتها ومكانتها ومركزيتها ووقفيتها الأبدية للامه. مفصلا بدليل شامل مكونات مسجدها ابوابا وقبابا ومآذنا ومصاطبا ومساحه وتاريخا، فكانت القصه ببساطه قصه عشق بين اخي والقدس المقدسه ولؤلؤتها الاقصى الشريف. وكأني به ينصت لشاعر العراق والامه مظفر النواب وهو يستصرخنا ” القدس عروس عروبتكم فلماذا أدخلتم ….” مدركاً أن للعروس مهر… واي عروس؟ وهو الذي دوما يدعو لشد الرحال اليها ويحرض شعبه وامته على ذلك. هي القدس واي مهر تقبله هذه الطاهره الجميله؟ فكان المهر الغالي بل الاغلى الدم .. فيزف اليها شهيد عشقها الابدي مع زوجه في الارض ليقترن بسبعين زوجه اخرى من الحور العين في السماوات العلا.
القدس يا اخي التي لطالما استمعت لك صغيرا و كبيرا وأنت تسهب في ترديد الحديث النبوي ” عن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا نبي الله أفتنا في بيت المقدس فقال: ” أرض المنشر، والمحشر ائتوه فصلوا فيه فإن الصلاة فيه كألف صلاة فيما سواه ” قالت: أرأيت من لم يطق أن يتحمل إليه أو يأتيه قال: ” فليهد إليه زيتا يسرج في قناديله ، فإن من أهدى له زيتاً كان كمن زاره ” ، و لم نكن نعلم أنك ستسرج دمك الطاهر في قناديلها وفي أقصاها ومسراها ليجبل بترابها المقدس ويزهر شهادة ورفعة وحياة جديدة ” ورفعنا ك ذكرك” .
يا أخي وشهيدنا الكبير لست اول من تقدم لخطبتها (الملكة القدس) في خلية نحل الوطن الأم، فقد سبقك القسام وعبد القادر الحسيني و خليل الوزير وياسر عرفات والياسين والشقاقي ابو علي مصطفى وهنيه …. واخرون في انتظار حفل زفافها الكبير على فارس التحرير لينفض عنها غبار الذل والهوان ويكسر القيد عن جنباتها ليصدح باذان التحرير والتكبير ليؤمها افواج المؤمنين من كل اصقاع الارض ليدخلوا المسجد كما دخلوه اول مره وليتبروا ما علوا تتبيرا.
قصه العشق بين اخي الشهيد والقدس والاقصى دون فصولها في سلسله كتب ابرزها اسلاميه فلسطين، دليل المسجد الأقصى، فلسطين المكان والمكانه… وغيرها لتكون شاهدة وشهيدة على هذه القصة الخالدة وعلم ينتفع به عن روحه الى ان يرث الله الأرض ومن عليها.
الناس تتنوع يا أبا اياد في مرادها وفلسفة حياتها، فمنهم من يسعى ليملأ بطنه ومنهم ليملأ جيبه ومنهم لمنفعته ومصلحته الخاصة والفئوية… وأنت اخترت لتملأ الوطن والتاريخ بمواقفك المشرفه وعطائك اللامحدود وكأني بك تجسد قوله تعالى ” يؤثرون على أنفسهم و لو كان بهم خصاصا” ، وأنهيت مسيرتك بختام الشهادة المسك ورحلت كأجمل ما يرحل الرجال الرجال ولسان حالك ” وعجلت اليك ربي لترضى” رضوان الله عليك.
تتوالى الرؤى العديده بعد شهادتك من اخوانك ومريديك وزملائك من الشيخ فؤاد ابو سعيد للدكتور محمود حمدان واخرين، واخرهم رفيقك د. نضال عيسى الذي اخبرني برؤيا مع صديق له انه رآك مبتسما وانت تؤكد له بلغ السلام لاحبائي وانني ظفرت بالفردوس الأعلى، واخرهم الصديق الشيخ الداعيه خالد الدعالسه الذي حدثني برؤيتك في المنام غداة صلاه الفجر حيث اخبرني انه رآك مرتدياً ثوبا ابيضاً انيقاً كعادتك واضعاً تاجاً كبيرا على راسك، فخاطبك يا شيخ يوسف الم تستشهد؟ فأجبته مبتسماً ابتسامه عريضه قائلا فضل كبير من الله والحمد لله ومضيت.
فهي بشائر الحصاد الاخروى الجميل لك الذي يتمناه ويتوق له كل موحد في هذه المعموره، فكنت مشهودا في الدنيا والاخره وهي من بركات الله لعباده الصادقين المخلصين وثمرة ما قدمت يداك من الخير للبلاد والعباد.
كنت وفيا للدعاة والعلماء من رفاقك وللحفاظ لكتاب الله من اصحابك وجسدت ذلك صدقة جارية عن روحهم و روحك من خلال سلسلة من الاصدارات عنهم الأولى سلسلة علماء من أرض الاسراء والثانية سلسلة قراء من أرض الاسراء فكنت عنوانا للوفاء لمشايخك واخوانك حيث كنت تردد دائما الحديث الشريف ” العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، إنَّما ورَّثوا العلم، فمن أخذَه أخذ بحظٍّ وافر” فكان لك نصيبا من هذا الحظ الوفير.
عام كامل مر على رحيلك المر يا أخي الحبيب… يا أعز الناس واشرف الناس واكرم الناس، عام كامل بأشهره وايامه وساعاته ودقائقه كأنه الدهر، نفتقد حضورك الطاغي في كل تفاصيل حياتنا العامه والخاصه ويفتقدك معنا اسرتك الكبيره في شتى انحاء الوطن الذي احببته واحبك. لم تكن شخصا عابرا او عاديا في مسيرتنا، ولكنك كنت عمود خيمتنا وكبيرنا وحكيمنا وسندنا وتاج رؤوسنا، فطبت حيا وطبت شهيدا وطبت الى يوم نلقاك.
عائلتنا من بعدك يا ابا اياد أضحت عائله الشهداء فقد زففنا بعدك خمسةَ عشرَ شهيدا من عصبتك وعمومتك شهيدا تلو الشهيد واخرهم ابن اخيك محمد ” يوسف” فبدأنا بيوسف وانتهينا بيوسف وكأن يوسف ابن سيدنا يعقوب ومن يحمل اسمه استمرار لرحلة الابتلاء والاصطفاء في كل زمان ومكان، فأنتم السابقون ونحن بكم باذن الله لاحقون.
أمك الصابره. قاعده وجامعة العائله اكثر المفجعوين برحيلك المفاجئ وأصدق الناحين عليك والباكين لفراقك تهديك السلام وتفتقد دخلتك البهيه عليها وبرك بها الذي أعدك بضمه لبري ليبقى الأجر موصولاَ اليك وطيفك أمامها.
تفتقدك عشيرتك الكبيرة ( أبو عواد ) يا أبا اياد الذي استقبلت العزاء ( التهنئه ) في الديوان بعمان في الاردن على مدار ايام يستقبلون العزاء باستشهاد ابنهم البار زرافات وفردانا فخورون باستشهادك وبمسيرتك الاسلاميه والوطنيه المشرفه وهم يتوقون لزياره قريبه منك اليهم كما اخبرتك في زيارتي الأخيرة لهم.
بلغ سلامنا يا أبا اياد لاصل وجودنا على هذه الارض أبي العابد الزاهد. عليه من الله شآبيب رحمته ورضوانه ولعلك التقيت بولدي فلذة كبدي جمعه الذي غادرنا مبكرا والذى خرج لهذه الحياة وانا غائب في لندن لاعود اشيعه عند عودتي بقليل في مشهد عميق الألم لن أنساه ما حييت.
بلغ سلامنا يا أبا اياد الى ابن اخيك عادل اول شهيد من عائلتنا و بلغ سلامنا الى ابن عمك خضر وابنائه وزوجه و بلغ سلامنا الى ابناء اختك وعمومتك عبد الرحمن ومحمد وابنائهم، بلغ سلامنا الى جميع الشهداء الذين يذبحون يومياُ على يد أبناء جالوت المدعين زورا الانتماء لداود وطالوت عليهما السلام .
هنيئا لك الشهاده يا أبا اياد مسك الختام لحياتك ومسيرتك فهي لا تليق الا بك وبأمثالك، وعهدا لك يا أخي أن نحفظ العهد والوصية وأن نصون الأمانة وان نسير على دربك و نرفع رايتك ونقتفي نهجك و اثرك الى أن نلقاك، و الحمد لله على كل حال وفي كل حين، وانا لله وانا اليه راجعون.