جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
الفقر ظاهرة عالمية قائمة ومعترف بها كواقع، والفقراء موجودون في كل الدول الفقيرة منها والغنية، ولكن الفارق بين دولة وأخرى يظهر في أمرين:
الأمر الأول: نسبة الفقر مقارنة بعدد السكان.
الأمر الثاني: مدى قدرة الدولة على التدخل، وتقديم حلول تساعد على تغيير هذا الواقع للأفضل وخفض معدلات الفقر بين مواطنيها.
وفي الأمرين الكثير من التفاصيل التي يمكن الحديث عنها والنقاش حولها، وفيها يتنافس المتنافسون، وتتباين الرؤى والأفكار، وتوضع الخطط والبرامج، وترسم النظريات.
إذن الفقر بهذه الصورة ليس عيبا، كما أن الحديث عنه، أو التركيز عليه ليس عيبا ايضا، بل على العكس تماما فالسكوت عنه ومحاولة دفن الرؤوس في الرمال هو العيب الذي يرقى لمستوى الجريمة.
وماذا عن مصر ؟
في الأمر الأول المتعلق بمعدلات الفقر سنجد وفق آخر تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فإن نسبة الفقر بلغت ٢٩.٧ ٪ في عام 2019-2020 بعدما كانت 32.5 في عام 2017-2018
كما أن نسبة الفقر المدقع ( من لا يستطيعون تأمين احتياجاتهم الأساسية ) تراجعت إلى 4.5 % في 2019-2020 مقارنة بـ 6.2 % عام 2017-2018.
هذه المعدلات للوهلة الأولى تبدو كبيرة، وهذا حقيقي، ولكنها ليست كارثية خاصة اذا أعدنا النظر إلى بعض الحقائق الأخرى التي قد تفسر أسبابها من نوعية :
أولا: هذا المعدل من الفقر جاء في نهاية عشر سنوات من التحديات الكبيرة سياسيا واقتصاديا، تخللهم ثورتان وحرب ضروس لمواجهة الإرهاب. فقد شهدت هذه الفترة تراجعا كبيرا في الاستثمار الخاص، بل والاستثمار الحكومي في السنوات الأربع الأولى منها.
ثانيا: هذه النسبة ترجع في جزء منها إلى تطبيق برنامج الاصلاح الاقتصادي بما له من أثار سلبية مباشرة وسريعة على شرائح من المجتمع، فمثل هذه البرامج تظهر آثارها الايجابية على المستويين المتوسط والبعيد.
ثالثا: قد يخفف من حدة هذه الأرقام مقارنتها بمعدلات الفقر في السنوات العشرة السابقة عليا من 2000-2010 حيث كان معدل الفقر يرتفع بمعدل ١٪ سنويا، فبينما في 2000 بلغ 16 % تقريبا، ارتفع إلى 26 % تقريبا في 2010.
وهذا الزيادة للفقر والفقراء حدثت في السنوات التي كان نظام مبارك يتغنى فيها بتحقيق معدل نمو 7 % سنويا، باعتباره الأعلى في تاريخ مصر، وهي حقيقة، ولكن الحقيقة الأخرى والأهم أن هذه الزيادة كشفت زيف وفشل السياسات الاقتصادية لهذه الفترة، وأوضحت الفارق بين النمو والتنمية.
أما عن الأمر الثاني المتعلق بدور الدولة، وقدرتها على التدخل وعلاج الأزمات، ففيه أيضا الكثير، وأول خطوة كانت الاعتراف بالمشكلة وإعلان الحقيقة على المواطنين كما هي، بأننا دولة شبه عاجزة، واقتصادها متدهور، والبطالة والفقر متوحشان في الناس.
وانطلاقا من هذا الاعتراف شرعت الدولة في اتخاذ خطوات جذرية لعلاج الأزمة الاقتصادية عمودها الفقري كان برنامج الاصلاح الاقتصادي.
ولأن المردود الايجابي لبرامج الاصلاحات الاقتصادية في اي مكان يظهر على المدى المتوسط والطويل، ولأنها توقع في طريقها ضحايا جدد في براثن الفقر، نفذت الدولة خطوات علاجية عاجلة وقصيرة المدى، كان على رأسها الاستثمارات الحكومية المباشرة في الآلاف من المشروعات القومية الكبرى، فهي إلى جانب أنها إعادة تأسيس للبنية التحتية للدولة، فإنها مشروعات تستوعب أعدادا كبيرة من العمالة وفرت ملايين فرص العمل.
كما قامت الدولة برفع الحد الأدنى للأجور أكثر من مرة، ورفعت نصيب الفرد في السلع التموينية.
هذا إلى جانب حزمة سياسات اجتماعية كبيرة، ساعدت في تقليل هذه الأثار السلبية للمرحلة، وأبطأت وتيرة الفقر، مثل ” تكافل وكرامة ” ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ومبادرات أصغر تنفذها الوزارات، فضلا عن دعم قطاعات صناعية مهمة مثل السياحة والتطوير العقاري وغيرهما.