في الأيام القليلة الماضية تزداد في إسرائيل حدة التحذيرات من قبل المستشارين القضائيين لجهازي الموساد والشاباك، والمدعية العامة العسكرية في الجيش الإسرائيلي، وكبار المسؤولين في وزارة القضاء المختصين في القانون الدولي، الذين أوضحوا أن المحكمة الجنائية الدولية، التي تعمل وفقًا للمبدأ الذي ينص على أن الدعاوى بشأن ارتكاب جرائم حرب، لا يتم النظر فيها إلا في حالة رفض دولة معينة التحقيق مع رعاياها. وأن خطة إضعاف المحكمة العليا والقضاء سيتيح محاكمة ضباط وسياسيين إسرائيليين في أوروبا، واحتمال تصاعد عمليات الملاحقة القضائية للمسؤولين العسكريين والسياسيين الإسرائيليين، في المحاكم الأوروبية.
وتنص المادة 18 من نظام روما الأساسي الذي يحدد نظام عمل المحكمة الجنائية الدولية، على أن المدعي العام للمحكمة لن يحقق في شبهات بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية أو جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب أو جريمة العدوان، إذا ما كان في الدول المعنية جهاز قضائي مستقل ومهني، قادر على ممارسة الرقابة الفعالة على السلطتين التنفيذية والتشريعية.
ووفقًا لهذا المبدأ، فبمجرد الإضرار باستقلال المحكمة العليا والإضرار بسمعتها المهنية دوليا، عبر الخطة القضائية للحكومة التي يرى المعارضة أنها تقوض استقلال القضاء، ستتمكن المحكمة الجنائية الدولية من إقامة دعاوى قضائية ضد الضباط والجنود والمسؤولين الإسرائيليين المتورطين أو الضالعين في جرائم حرب.
وحتى الآن تم رفض مثل هذه الدعاوى القضائية المقدمة ضد إسرائيليين في أوروبا، بناء على ادعاءات الجيش الإسرائيلي الدي يحقق مع نفسه في كل جريمة أو اعتداء يسفر عن وفيات، وأنه يخضع لرقابة قضائية من قبل المحكمة العليا المعترف بها دوليا كهيئة مستقلة، بأنها درع واقي للجيش الإسرائيلي ضد التدخل الخارجي. وحسب هؤلاء وفي هذه الحالة اذا نجحت الحكومة في خطتها للاصلاح القضائي، فإن قادة الجيش سيتركون دون حماية قانونية، ويواجهون تهماً جنائية في المحاكم الأوروبية.
وبحسب المستشارين القضائيين في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، فإنه من الصعب الإشارة إلى قانون معين ضمن تشريعات خطة إضعاف جهاز القضاء، وتحديد أنه قد يؤدي إلى إضعاف حماية المحكمة العليا للضباط والمسؤولين الإسرائيليين.
وأن الصورة العامة للتشريعات الحكومية تعكس صورة الإضرار بمكانة المستشار القضائي والمحكمة العليا،و إن ذلك قد يؤدي إلى الإضرار بالنطاق العملياتي للجيش الإسرائيلي والشاباك.
في ظل هذه التحذيرات والقلق الإسرائيلي وتعمق الأزمة الإسرائيلية، اقدمت السلطة الفلسطينية على الموافقة على سحب التصويت في مجلس الأمن على مسودة قرار إدانة الاستيطان الإسرائيلي، وتم استبداله ببيان هزيل يعتبر الاستيطان بانه عقبة في طريق السلام، ومطالبة السلطة بمقاومة “الإرهاب”.
وما لبثت أن نفذت إسرائيل مجزرة في نابلس استشهد خلالها 11 فلسطينياً، واصيب اكثر من 100 فلسطيني، وبدلا من أن تتخذ السلطة قرارات جادة ضد إسرائيل وتباشر في فتح حوار وطني جاد كخطوة لإنهاء الانقسام، أصدرت نداء استغاثة وطلب الحماية من الأمم المتحدة، ومطالبة الولايات المتحدة الضغط على إسرائيل لوقف عدوانها.
ويبدو أن السلطة مستمرة في اتصالاتها في القنوات الخلفية مع إسرائيل برغم المجزرة، وتريد العنب ولا تريد أن نقاتل الناطور، وستحضر القمة الأمنية الطارئة في العقبة التي تضم إسرائيل والأردن ومصر، بقيادة الولايات المتحدة لمحاولة منع تدهور الأوضاع قبل شهر رمضان.
وحسب وسائل اعلام إسرائيلية أن السلطة هددت بالانسحاب من حضورها، بعد المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال في نابلس.
وستعقد القمة لإضفاء الطابع الرسمي على التفاهمات التي تم التوصل اليها مع إسرائيل.
ولم تأخذ بالاعتبار الدم النازف والغضب الفلسطيني ونكث إسرائيل بما تم الاتفاق معها حول وقف الجرايم في الضفة والقتل وهدم البيوت.
وما زالت تثق بالولايات المتحدة المتخصصة بنكث الوعود والعهود واستخدام الفيتو في وجه الفلسطينيين وتجربتهم القاسية معها والتنكر للحقوق الفلسطينية.
الجرح الفلسطيني غائر والدم يسيل والبناء الاستيطاني مستمر، والسلطة تطالب الولايات المتحدة بتأكيدات وضمانات بوقف جميع الإجراءات أحادية الجانب، ووقف الاقتحامات من قبل قوات الاحتلال وهدم المنازل وبناء المستوطنات.
تجربة الفلسطينيين مع السلطة الفلسطينية قاسية، ولم تتعلم من الدروس المستفادة، وهي مستمرة في الرهان على الموقف الأمريكي، والوثوق به أكثر من الوثوق بالشعب الفلسطيني وطاقته الجبارة وصموده في وجه الاحتلال.
الفكرة لم تصل للفلسطينيين عموماً والسلطة الفلسطينية صاحبة الشرعية الدولية خصوصاً، وهي أنه لا يجب الاعتماد على العالم وكيف يكون ذلك عندما تكون زعيمة هذا العالم والداعم الرئيس لإسرائيل هي الولايات المتحدة.
ينتقد الاتحاد الأوروبي بشدة الاستيطان، لكنه لم يفعل الكثير من الناحية العملية لانصاف الفلسطينيين ومواقفه هي عبارة عن تصريحات صحافية ومجرد كلام.
حتى الدعم المالي الكبير الذي قدمه الاتحاد الاوروبي خلال السنوات الماضية. النقد الدولي مهم، في الحالة الفلسطينية، لكنه ليس كل شيء ونهاية كل شيء، هناك حاجة لحركة فلسطينية داخلية، والاستثمار في طاقة الشعب الفلسطيني.
والحاجة إلى دعم وتمكين الشعب الفلسطيني واشاعة الحريات واحترام حقوق الانسان وسيادة القانون.
و لا ينبغي استبعاد مكونات الشعب الفلسطيني وفصائله في ممارسة الحق في الانتخابات واعادة ترتيب البيت الفلسطيني. وبات من الضروري تقليص حالة الاستقطاب والانقسام بين مكونات الشعب وخلق الأمل، وسيكون من الأفضل تغيير الوضع القائم، وعدم اليأس والإحباط، حتى لو أصبح الطريق طويلاً لانهاء الانقسام ومقاومة الاحتلال، وعدم العيش في فقاعة الدعم الخارجي في مواجهة اسرائيل.
الشعب الفلسطيني لن يغفر للسلطة عن قراراها بالتراجع عن عن التصويت على القرار في مجلس الأمن، وستكون الطامة الكبرى بمشاركة السلطة في قمة العقبة، والمطلوب منها الاستمرار في القيام بدورها الوظيفي كوكيل أمني ومساعدة إسرائيل من الخروج من أزمتها التي تتخذ شكل الاستعصاء.