الفلسطينيون يرسون معادلة جديدة مع الاحتلال: “الرّد بحجم الفعل”

” أرسى الفلسطينيون معادلة جديدة مع دولة الاحتلال، بشأن أحداث مدينة القدس والمسجد الأقصى، وتحديدا “مسيرة الأعلام” الاستيطانية، تستند إلى جعل “ردّ الفعل” بحجم الهجوم، وهو ما دفع سلطات الاحتلال إلى استنفار كل قواتها العسكرية، ونشر البطاريات المضادة للصواريخ، خشية من موجة الغضب الشعبي العارم.

معادلة الرّد

واستند الفلسطينيون في هذا العام إلى تصعيد الفعل الشعبي، لمواجهة مخططات سلطات الاحتلال والمستوطنين تجاه مدينة القدس، وتحديدا للتعامل مع “مسيرة الأعلام”، فيما وقفت المقاومة المسلحة متأهبة لأي تطور قد يحدث على الأرض، على غرار العام الماضي.

ولم تمنع القوات الأمنية الكبيرة التي نشرتها دولة الاحتلال في مدينة القدس وتحديدا عند منطقة باب العامود والحي الإسلامي، وعلى بوابات الأقصى، بما في ذلك الحواجز العسكرية، من وصول أعداد كبيرة من الفلسطينيين إلى باحات المسجد، تلبية لدعوات “النفير العام والرباط”، لحماية الأقصى من الهجمات الإسرائيلية.
وحولت سلطات الاحتلال بموجب الخطة التي وضعتها للتعامل مع الأحداث و”مسيرة الأعلام”، مدينة القدس إلى ثكنة عسكرية”، بعد أن دفعت بثلاثة آلاف رجل شرطة نظامي، علاوة على فرق من الاحتياط، وقوات من الجيش.

جاء ذلك بعد أن قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، صباح اليوم، بشكل نهائي، عدم تغيير مسار “مسيرة الأعلام”، وذلك بعد أن أجرى تقييما أمنيا مع وزير الجيش بيني غانتس ووزير الخارجية يائير لابيد إلى جانب رؤساء الأجهزة الأمنية. وذكرت إذاعة الاحتلال أن بينيت اتخذ قرارا نهائيًا بعدم تغيير مسار “مسيرة الأعلام” في القدس حتى لو على حساب التصعيد الأمني.

لكن رغم ذلك وصلت حشود كبيرة من الفلسطينيين القاطنين في المناطق المحتلة عام 1948، ومن القدس والضفة الغربية إلى القدس المحتلة، في إطار خطة الدفاع التي تبناها الفلسطينيون هذا العام.

وبدأ الفلسطينيون رفع الأعلام قبل يوم من انطلاق “مسيرة الأعلام” في المناطق القريبة التي ستمر منها المسيرة، كما رفعوا العلم خلال اقتحامات المستوطنين في المسجد الأقصى، وعلى منازلهم في بلدات وأحياء القدس المحتلة، إضافة إلى رفع العلم في ساحات المدارس، بناء على قرار من وزارة التربية والتعليم، التي خصصت الإذاعة المدرسية للحديث عن مكانة العلم ورمزيته.

ورفعت الأعلام الفلسطينية في ميادين قطاع غزة الرئيسية، كرد على مسيرة الأعلام، فيما كانت المقاومة المسلحة تراقب المشهد، لتحدد كلمتها النهائية، التي ربطتها بحجم الهجوم الإسرائيلي، وبقدرة المرابطين على التصدي لتلك الهجمات.

المقاومة تتخذ الاستعدادات

واتخذت المقاومة في غزة التي أعلنت حالة “التأهب القصوى” في صفوف أفرادها، كل الاحتياطات لاندلاع مواجهة عسكرية، وأدخلت ناشطيها في حالة الاستعداد للرد عسكريا على هجمات الاحتلال، بعد أن أرسلت رسائل ساخنة لإسرائيل عبر الوسطاء.

ووفق مصادر مطلعة فإن فصائل المقاومة في غزة، بدأت بخطتها العسكرية للتعامل مع الأحداث، ليل أمس السبت، ولوحظ انتشار نشطاء مسلحين في العديد من المناطق، بما فيها مناطق الحدود الفاصلة.

وقبيل المسيرة الاستفزازية واقتحامات الأقصى، أطلقت المقاومة في غزة صواريخ تجرييبة تجاه البحر، وفهمت العملية على أنها إنذار للاحتلال من توجيه تلك الصواريخ صوب عمق إسرائيل، في حال حدثت تطورات في القدس.

وقال القيادي في حركة حماس مروان أبو راس، وهو عضو في المجلس التشريعي “المنحل”، “المقاومة يدها على الزناد ولن تتخلى عن المسجد الأقصى”.

وأكد في مؤتمر صحافي أن تدنيس الأقصى يعد “جريمة صهيونية يتحمل الاحتلال مسؤوليتها وتبعاتها، وأن كل الطرق متاحة لشعبنا من أجل الدفاع عن المسجد الأقصى”.
وأعلنت كتائب الناصر صلاح الدين، الجناح العسكري، أحد الأذرع المسلحة في غزة، “حالة التعبئة العامة ورفع الجهوزية الميدانية واستنفار المقاتلين” للتصدي لممارسات الاحتلال والمستوطنين بحق المسجد الأقصى، وقالت في بيان أصدرته “لن نقف مكتوفي الأيدي ونحن نشاهد مسجدنا الأقصى تدنسه قطعان المستوطنين والمتطرفين الصهاينة، وستظل أيدينا ضاغطة على الزناد استعدادًا لأي طارئ”، مؤكدة أن الشعب الفلسطيني سيبقى “الدرع والسيف الذي يقطع دابر الأعداء وأعوانهم”. وقالت “لن يغمض لنا جفن أو تلين لنا قناة ونحن ندافع عن مسرى رسول الله” .

ودفع ذلك قوات الاحتلال إلى تعزيز منظومة القبة الحديدية حول قطاع غزة بشكل أكبر، ودفعت بالطائرات العسكرية للتحليق فوق القطاع بشكل مكثف.

وترافق كل ذلك مع العديد من الاتصالات الجديدة التي أجراها الوسطاء المعنيون بالتهدئة مع كل من غزة وتل أبيب، بهدف عدم انجراف الأمور إلى مربع التصعيد.
وقال مصدر فصائلي لـ “القدس العربي”، إن الوسطاء نشطوا بشكل أكبر الاتصالات منذ يوم السبت، وإن العديد من الاتصالات الهاتفية أجريت مع مسؤولين كبار في الفصائل الفلسطينية الرئيسية.

ودعا المنسق الأممي الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط تور وينسلاند، الفلسطينيين والإسرائيليين لـ”ممارسة أقصى درجات ضبط النفس واتخاذ قرارات حكيمة لتجنب صراع عنيف آخر لن يؤدي إلا إلى إزهاق المزيد من الأرواح”، وعبر عن قلقه بشأن “دوامة العنف المتصاعدة”، لافتا إلى أنه على اتصال مع جميع الأطراف المعنية، وحثّ قادتهم على الاستجابة لهذه الدعوة.

وقبل انطلاق المسيرة، قال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، “لدينا خيارات عديدة لمواجهة مسيرة الأعلام ومحاولات تدنيس المسجد الأقصى”. وأضاف في تصريح صحافي “لدينا ثلاثية متأهبة للتعامل مع تطورات الموقف (الأمة والشعب والمقاومة) وجاهزون لكل السيناريوهات، ونعتبر أن رأس الحربة هم أهلنا في القدس الذين لم يترددوا يوما في الدفاع عن الأقصى والضفة والـ48 وستظل غزة الدرع والسيف”.

وأشار إلى أن الشعب الفلسطيني يتعامل مع “احتلال طال زمانه وحان زواله”. وقال “الفعل المقاوم انطلق مبكرًا وما زال لتحقيق الحرية والعودة وإعلان القدس عاصمة لكل فلسطين بل ومهوى قلوب الأمة جمعاء”.

وأكد أن الاحتلال يريد أن يجعل من “مسيرة الأعلام” محطةً لتخطي منجزات معركة “سيف القدس” وتجاوز البيئة التي أعقبت هذه المعركة. وأضاف “لكننا نقول بوضوح إن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء، والمسجد الاقصى حق لنا وملك أيدينا”.

وقال الناطق باسم حركة حماس فوزي برهوم، معلقا على الأحداث “معركتنا من أجل القدس والأقصى مقدسة، ومفتوحة مع الاحتلال لن تتوقف إلا بتحقيق أهداف شعبنا بالتحرير والعودة وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس”.، لافتا إلى أن هناك صمودًا متواصلاً وبطولات مستمرة يسطرها الشباب المقدسي والمرابطون والمرابطات في القدس المحتلة وداخل باحات المسجد الأقصى المبارك وعلى بواباته.

وأكد أن المواقف الثابتة للمقاومة، ورسائلها للاحتلال والتضحيات العظيمة للشعب الفلسطيني وأهل القدس التي تتجسد في باحات المسجد الأقصى وعلى بواباته “تمثل استعداد وجهوزية شعبنا ومن خلفه المقاومة للدفاع عن المسجد المبارك، ودفع ثمن تطهيره من دنس الاحتلال”.

يشار إلى أن رئيس الدائرة السياسية في حركة الجهاد الإسلامي، الدكتور محمد الهندي، قال إن الشعب الفلسطيني سيواجه كل مخططات الاحتلال، لافتاً إلى أن كل الاحتمالات مطروحة على الطاولة. وأضاف منذرا “الاحتلال يستهين بقدرات المقاومة، وهذه الاستهانة ستكون حسرة عليه وعلى مستوطنيه”، وأكد أن إسرائيل “لا تزال تعيش حسرة ارتدادات معركة سيف القدس، وفي هذا العام ستزيد حسرتها أكثر من العام الماضي”.

وحين تطرق إلى الوساطات التي تبذل لمنع التصعيد في الأراضي الفلسطينية، قال الهندي إن دولة الاحتلال “لا تقيم اعتبارا للوساطات وتقيم فقط حسابات للشأن الداخلي لها وللموقف الأمريكي”.

وأشادت الجبهة الشعبية بـ “بسالة المحتشدين في شوارع مدينة القدس والمسجد الأقصى الذين تصدوا لاستفزازات المستوطنين في ساحات المسجد، وأكدت في الوقت ذاته جهوزيتنا للدفاع عن المقدسات والشعب الفلسطيني بكل الطرق والوسائل”، ودعت إلى تصعيد المواجهة الشاملة مع الاحتلال ردًا على الاقتحامات الاستفزازية، وأكدت على ضرورة مواجهة هذه الاقتحامات بـ “تفجير الغضب الفلسطيني والعربي في وجه الاحتلال”.

دعوات لفضح الاحتلال

وفي السياق، دعت نقابة الصحافيين إلى تكثيف التغطية الإعلامية ومواصلة فضح الاحتلال ومحاولات مساسه بالقدس ومقدساتها، واعتبرت تصريحات المتحدث باسم شرطة الاحتلال، التي طلب فيها من الصحافيين ارتداء سترات الصحافة وإبراز البطاقات التعريفية خلال “مسيرة الأعلام”، أنها” توطئة لاعتداءات جديدة، ومحاولة خائبة لتخويف الصحافيين وثنيهم عن القيام بواجباتهم المهنية والوطنية” .