“مساء الخير من القدس، الساعة السادسة إليكم أهم أخبار اليوم من جيروزاليم 24″… بهذه المقدمة تبدأ مراسلة الإذاعة الفلسطينية “القدس 24” ريما مصطفى النشرة الإخبارية باللغة العبرية في محاولة لـ “اختراق” الشارع الإسرائيلي ومخاطبته “بلغة يفهمها”.
من استوديو صغير مجهز بأحدث التقنيات ومكاتب بتصاميم داخلية حديثة يغلب عليها اللونان الأحمر والأسود وتتوسطها لوحة كبيرة لباب العامود، أحد أبرز معالم القدس الشرقية المحتلة، تبث إذاعة “القدس 24” من رام الله في الضفة الغربية المحتلة على الموجة 106,1 باللغتين الإنكليزية والعبرية.
بدأت مصطفى العمل في الإذاعة قبل ثلاثة أشهر، وتتناول في نشرتها العبرية أهم المواضيع على الساحتين الإسرائيلية والفلسطينية، بالإضافة إلى قصص إنسانية.
وتعتقد المراسلة الصحافية أن “الجمهور الإسرائيلي يسمع الإعلام الموجه له”.
وتقول مديرة تحرير الإذاعة مي أبو عصب من مكتبها ذي الواجهة الزجاجية والمزين بأحواض من النباتات، من جهتها “العالم يجب أن يفهم… كل الأجانب يحصلون على أخبارنا من الجانب الإسرائيلي”.
وتضيف السيدة ذات الشعر الأشقر القصير “نحن شعب موجود… نريد تعبئة الفراغ حول ما يحصل في القدس والمناطق المهمشة”، متابعة “في القدس، هناك تطهير عرقي وتهجير قسري… والعالم لا يسمع”.
عرف الفلسطينيون النشرات العبرية في الإذاعة منذ العام 1936 مع تأسيس إذاعة “هنا القدس” إبان الانتداب البريطاني والتي كانت تبث بثلاث لغات هي العربية والإنكليزية والعبرية. وقدّمت إذاعات فلسطينية لاحقا نشرات إخبارية عبرية لم تكتب لها الاستمرارية.
وبرزت فكرة إنشاء محطة بلغات غير عربية في الأراضي الفلسطينية “بعد أحداث العام 2015 وموجة عمليات الطعن في القدس وقتل الأطفال بادعاء حملهم سكاكين”، وفق أبو عصب.
وبدأت “جيروزاليم 24” بثها التجريبي في أيار/مايو الماضي.
وتقول مديرة تحرير الإذاعة إنها “الإذاعة الفلسطينية الوحيدة الناطقة بالإنكليزية بالكامل على مستوى المنطقة”.
كذلك، هي الإذاعة الفلسطينية الوحيدة اليوم التي تبث محتوى عبريا.
ومنذ انطلاقها، تبث المحطة عشرة مواجز إذاعية باللغة الإنكليزية وموجزا وتقريرا واحدا بالعبرية، بالإضافة إلى برنامج صباحي إخباري وبرنامج “ذيس إز جيروزاليم” الذي يركز على جغرافية المدينة وشخصياتها المؤثرة في شتى المجالات.
وتبث الإذاعة التي لا يزيد عدد طاقمها عن ستة أيضا برنامجا ثقافيا منوعا وومضات إذاعية حول القضايا “الساخنة” في البلد.
واحتلت إسرائيل القدس الشرقية في العام 1967 وضمتها لاحقا في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي.
واعترف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في أواخر العام 2017 بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل في خطوة أثارت غضب الفلسطينيين الذين يرون في الجزء الشرقي من المدينة، عاصمة لدولتهم المستقبلية.
وتمنع إسرائيل أي تواجد سيادي للسلطة الفلسطينية في القدس، وهذا يفسر تواجد أبراج بث الإذاعة ومكاتبها في مدينة رام الله لا في القدس.
ورغم بثها محتوى باللغة العبرية، إلا أن “سياسة التحرير في الإذاعة تتماشى مع الموقف الوطني الفلسطيني الذي يحرم التواصل مع الجانب الإسرائيلي”، وفق أبو عصب.
وتضيف “لا نتواصل بشكل مباشر مع أي شخص إسرائيلي، يمكن أن نترجم ما هو منشور أو نحصل على تسجيل صوتي من وسيلة أخرى”.
وترى مسؤولة الإذاعة أن هذا لا يتعارض مع تمويل الإذاعة المقدّم من “المعونات الكنسية الدنماركية” ضمن برنامج لإعلاء صوت الشباب، طالما “لا يوجد تحريض وطالما نقدّم عملا صحافيا احترافيا”.
ويؤكد محمد حمايل، أحد المذيعين الرئيسين في المحطة، على ذلك، فيقول “ننتقد السلطة وإسرائيل، لكننا ملتزمون بمهنية العمل الصحافي”.
ويشير حمايل “حتى في تناولنا للشؤون الإسرائيلية، نطالع وسائل إعلام إسرائيلية عدة ولا نكتفي بمصدر واحد”.
وتستعد الإذاعة الى إطلاق موقع الكتروني بالعبرية، بينما يعتمد موقعها الإلكتروني حاليا على اللغة الإنكليزية إلى جانب جزء بسيط بالعبرية.
في تل أبيب، يقول المدرّب الأمني الإسرائيلي ديفيد هليفا إنه يستمع الى الإذاعة منذ انطلاق بثها التجريبي.
ويجول هليفا بسيارته بين ناطحات السحاب بواجهاتها الزجاجية، متفاعلا مع أغنية بالانكليزية تبثها إذاعة “القدس 24”. ويروي لفرانس برس “لفتت الإذاعة انتباهي، أحب التنوع الموسيقي… يجعلوني أتذكر طفولتي والكثير من الأمور الجيدة”.
ويرى المدرب أن الموجز الإخباري العبري “محترف”، معربا عن اعتقاده بأن “الإسرائيليين لا يعرفون المجتمع الفلسطيني”، مضيفا “حتى أنا لم أكن أعرف الكثير من الأمور”.
ويضيف “هناك فراغ كبير بين ما نعرفه وبين ما يقدم”.
وينسب هليفا للمحطة الفضل في معرفته أن “هناك أمورا مشتركة بيننا (بين الفلسطينيين والإسرائيليين)، هناك نقص في العقارات والسكن وتصاريح البناء”.
لكنه يريد أن يرى “وجهي العملة” عند تقديم مواجز الأخبار الإنكليزية، وأن “تكون هناك دعوة (من المحطة) لنبذ العنف”.
ولم يرقه استخدام مذيعة “جيروزاليم 24” مصطلح “الاحتلال”.
ويقول “أنا لم أحصل على شيء ليس من حقي، أنا استأجر منزلا مثلهم (الفلسطينيون)، ليقولوا الحكومة (محتلة) لكن لا يجب أن يعمموا”.
في استوديو الإذاعة الحديث، علقت لافتة كتب عليها “صوت الناس”.
وتقول أبو عصب إن الإذاعة تتوجه أيضا الى شرائح أخرى ومجتمعات أخرى.
وتضيف “هناك فئة كبيرة تحبّ أن تسمع وتقرأ بالإنكليزية خصوصا مثلا المراهقين… نقدم لهم ما يناسبهم ولكن يضمن أيضا الحفاظ على هويتهم”.