صدح (الغويد) من قِمم مرتفعات الحِلّة، فردّدت أصداء صوته الشجي جبال الحجاز، وفاضت بنمير قوله أودية بلاد الجنوب، وسالت أنهار شِعْرِه العذب إلى سهول تهامة، وعزف بأوزانه على أوتار القلوب لحن البحر الطويل، ففاض الحنين بالرعاة والفِلاحيين، وهم يرددون مع سيّد الشجن (وش حدّني ع السفر من ديرته وش لي آنا) فأسر قلوب البدو والحضر، ودسّ في مشاعر الطفولة حدس التقاط الجَمال، وفنّ التعبير عن المُدهش والمختلف، وبنى لقصائد العرضة الجنوبية بناءً محكم الاتزان والالتزام بالجوهري من المعاني، عبر نبرة صوت مثّلت بصمة خاصة لنغم لا يعتريه وإن طال الزمن النشاز.
انتصر للوطن على كل شانئيه بالمشاعر النقيّة (مملكتنا الحبيبة في تقدم وللمشروع أراضي، في تقدم حضارتنا ونهضة مشاريع أرضنا، والمواطن يقول العدل والأمن تحظى به بلادي، في عدالة قيادتنا وتحكيم شرع بلادنا). وتغنّى بالكون (لنّ بعض العرب مثل النجوم الزواهر في سماها، تنعرف عند مبداها وفقدانها عند الغروب)، واعتنى بحقوق كبار السِّن (يا شباب اليوم لا حدْ يقول الشيب لاش، لن راعي الشيب سيدي وراعي الشيب لي، وان رشده زايد ما يعود في دناوي، وانت لا تنسى جوابه ولا تيّس منه). وامتدح الكرم (مرحبا واهلين يا جملة الضيفان، ما يضيق الصدر لو يقصف الميدان، النظم والشعر والقول والقيفان، شجرةٍ مربوعة الجذر والاغصاني، العرب وانته وانا تحت ظلّها). واعتنى بشِعر الحكمة (والذي يرمي بروحه في القبس يوم انتهى مشكلها، لا يعاتبنا على رشده وتصريفه وش اكلفناه) وعبّر عن الجمال، والحُبِّ الفطري (أوزيتني يا حبيب الروح بالموزياتي، ما شاقني غيركم في بدو غامد وزهران، ما ريته إلا مع الطاقة وشبّك بدايه، أراقبه من ورا البيبان والشبك تلّه). بالأمس وارت العقيق شاعرها في حضنها، لتحلّق الذكريات بالمحبين لشاعر أخلص للتجربة فتعلّقت به ربوع المملكة.