الكويت وسورية تاريخ لا يتقبل القطيعة..كمال خلف

زار وفد من دولة الكويت يضم شخصيات دبلوماسية وسياسية العاصمة السورية دمشق لبحث إعادة فتح السفارة الكويتية هناك، بعد 12 عاما من القطيعة الدبلوماسية بين البلدين. ووجد الوفد ترحيبا سوريا على المستوى الشعبي والرسمي. السوريون بطبعهم يرحبون بحرارة لافتة بإخوتهم العرب بشكل عام، وفي سورية لا يشعر العربي بانه مغترب او ضيف، لكن يظل للكويت مكانتها الخاصة عند عموم السوريين. لم تكن الخطوة الكويتية متوقعة نظرا لحسابات داخلية كويتية مرتبطة بتوازنات تدخل فيها عوامل السلفية والاخوانية والتيارات السياسية والفكرية الفاعلة في المجتمع الكويتي إضافة للحسابات الكويتية الدولية والإقليمية. ولم يكن موقف الكويت خلال العام الماضي يرسل أي مؤشرات تتعلق بمراجعة العلاقة مع سورية. لم تكن الكويت من الدول التي شجعت عودة سورية الى الجامعة العربية، رغم عدم عرقلتها قرار الاجماع العربي، تماما كما فعلت قطر حينها والمغرب. كما ان وزير الخارجية السابق الشيخ ” سالم عبد الله الجابر الصباح ” كان قد اعلن بشكل واضح ان بلاده ليس لديها خطط للتطبيع مع النظام في سورية كما فعلت بعض الدول العربية في اعقاب الزلزال الذي ضرب شمال سورية في شباط فبراير من العام 2023. الموقف كان يبدو متشددا في ذاك الحين، رغم ان الكويت قطعت العلاقات مع سورية في العام 2012 تنفيذا لقرار مجلس التعاون الخليجي ولم يكن قرار منفردا من جانبها. رغم القطيعة ظلت السفارة السورية في الكويت تعمل، وظلت حركة الطيران بين الكويت ودمشق دون انقطاع، وساهم رجال اعمال سوريون في الكويت في دعم بلادهم دون ان يتعرضوا لمضايقات، اذ يبلغ عدد السوريين المقيمين في الكويت حوالي 146 الفا كامل هذا العدد موجود في الكويت قبل الحرب في سورية عام 2011. ومع عودة العلاقات بشكل كامل من المتوقع ان يرتفع هذا العدد، اذ تعتبر الكويت من الوجهات المفضلة لدى السوريين للعمل والاستثمار.

في العام 2022 احتفى السوريون بمقالة الكاتب الكويتي ” فخري هاشم السيد رجب ” في صحيفة القبس الكويتية، كان الكاتب مثل من رمى حجرا في مياه راكدة ففي الوقت الذي كانت فيه الكويت رسميا ترفض أي شكل من التقارب مع دمشق نشرت صحيفة القبس الكويتية مطالعة السيد رجب التي جاء فيها “
“”لو عدنا إلى سنة 1990 وكنت حينها مصادفة في زيارة لهذا البلد الشقيق حين حصلت الكارثة وحصل الغزو الذي حمل معه الخراب والدمار والجراح للكويتيين وكل بناهم التحتية وحتى السكنية.. عام كامل ولم تتوان الجمهورية العربية السورية عن تقديم كل الخدمات لنا ككويتيين.. علاج ومدارس وتعليم بالمجان لمدة سبعة أشهر كاملة وكل ذلك كان ممزوجاً بالود والحب وعدم المساس بمشاعرنا.. هذا على المستوى الشخصي أما سياسياً وميدانياً فلم تتأخر سورية ولا للحظة عن مؤازرة الكويت بقيادة الراحل حافظ الأسد الذي أثبت قولاً وفعلاً أنه بجانب الحق العربي فكان الجيش السوري في المقدمة ولا أظن الكويتيين قد نسوا ذلك””.
اذكر في ذاك العام ان وكالة الانباء السورية الرسمية ” سانا ” اعادت نشر مقال الكاتب. وباعتقادي ان حجم العلاقة التي تربط الشعبين اثبتت انها اقوى من القرارات السياسية، لذلك أُحدث في جدار القطيعة خلال السنوات الماضية الكثير من الثغرات ولم تخلو مناسبة الا و خرق فيها الطرفان القطيعة بشكل او باخر، وقد زار دمشق العديد من الشخصيات الكويتية بصفة شخصية ومنهم من اجرى لقاءات وتلقوا معاملة خاصة من الجهات الرسمية السورية. وللتاريخ موقف سورية من غزو الكويت عام ٩٠ لم يكن موقفا عابرا او لحظة يمكن ان تمحى من تاريخ العلاقات بين الشعبين، وما قامت به الكويت لاحقا من دعم واسناد لسورية اقتصاديا وسياسيا دون منة او تفضل لا ينسى.
صحيح ان في الكويت تيارات وأحزاب متعددة المشارب الفكرية والايديلوجية نختلف مع بعضها، لكن يظل النبض القومي العروبي هو القاسم المشترك السائد في ضمير الشعب الكويتي والنخب الكويتية السياسية والفكرية والأدبية والثقافية وحتى في الفن والاعلام. ولعل موقف الشعب الكويتي في مناصرة الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية تاريخيا كما بالوقت الراهن الدليل الأهم على بوصلة الكويت وموقعها العربي الذي لم يتأثر رغم العوامل الخارجية المحيطة والإقليمية.
القرار الكويتي في انهاء القطيعة مع دمشق جاء بعد استلام الأمير “مشعل الأحمد الجابر الصباح” قيادة البلاد في ديسمبر/كانون الأول 2023، وتزكية الشيخ “صباح خالد الحمد الصباح” وليا للعهد في الأول من حزيران الماضي.
وتولي الشيخ ” أحمد العبد الله الأحمد الصباح” رئاسة حكومة جديدة في أيار مايو الماضي. هي اول حكومة بعد قرار امير البلاد حل مجلس الامة وتعطيل بعض مواد الدستور الكويتي لمدة لا تزيد عن اربع سنوات. أي ان الكويت اليوم تشهد تركيبة جديدة في قيادة البلاد لديها رؤيتها المستقبلة بعيدا عن القيود والعراقيل والتجاذبات السياسية التي عطلت الكثير من القرارات، وشلت تفاعل الكويت مع التطورات السياسية الحاصلة في الإقليم. ولا خوف على التجربة الديمقراطية الكويتية، وكل ما يطرح او يكتب حول انتكاسة في هذه التجربة فيه قصور في تشخيص عمق وتجذر التجربة الكويتية. فالديمقراطية والحريات السياسية والتفاعل الاجتماعي معها ليس طارئا او مستحدثا في الكويت، انما نشأ مع نشوء الدولة وتركيبتها. ميزة الكويتيين انهم يعلون من شأن المواطنة وهي الأولوية لديهم وفوق أي اعتبارات طائفية او مذهبية او ايديلوجية.
والكويتيون يعرفون جيدا كيف يديرون ازماتهم دون ضجيج او فوضى او اخلال بالنظام السياسي للدولة والقواعد الثابتة التي قامت عليها.
ميزة الكويت لدى الدول العربية انها تتبنى تمويل مشروعات التنمية في قطاعات حيوية دون ان يكون ذلك مصحوبا باجندة سياسية، او استعراض اعلامي، وهذا ما جعلها عونا لكثير من دول المنطقة وموضع احترام وتقدير عند الشعوب العربية.
لم اخف رغبتي في زيارة هذا البلد العربي، وقد سنحت لي فرصة خلال هذا العام لفعل ذلك لتغطية الانتخابات التشريعية، لكن حالت الظروف في لبنان والمنطقة دون هذه الخطوة. اكثر ما يشدني في الكويت هو فضاء الفن وتحديدا ” المسرح والدراما ” لديهم كم هائل من الإنتاج القديم والحديث يستحق المتابعة والمشاهدة، وهذه ميزة يتشاركون فيها مع اقرانهم السوريين. نتوقع ان تعود العلاقات بقوة وسرعة وهذا فيه مصلحة للبلدين والمنطقة، الأحقاد والضغائن لا تخدم الا أعداء امتنا.
كاتب واعلامي