“الماضويون” .. لماذا ينشئ بايدن حسابا على “ثريدز” ؟!

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

الماضوية ليست فقط رؤية أيديولوجية ذات مرجعية تمجد الماضي وبعض عناصره وفتراته وتعيش داخلها، بل ربما هى أيضا تعبير عن ذهنية قد تكون حاضرة لدى بعض من أكثر الشخصيات التى ترى نفسها وقد يراها البعض عصرية ومتطورة، فالماضوية طريقا يمكن أن تغلق رأس من يحملها على بنية ذهنية ليست فقط ترتد فى رؤيتها ومدركاتها إلى الماضي كما عهد البنى الماضوية المذهبية بل يمكن أن تتسع لتكون مصادرة للجديد ومقللة من قيمة المستحدث، تقف منه عداء يختزل مختلف أبعاده المتنوعة فى منظور أحادى مغلق.

وبعض من ذلك وبعض من هؤلاء ربما يتجسدون فى قطاع عناصره لا يرون الدور الفعال والمستمر والمتجدد الذى تضلع به تاريخيا منصات الشوشيال ميديا وعموم المنصات الرقمية، فالماضوية هنا وفى هذه الحالة يصح توصيفها بأنها ماضوية اتصالية بل وإعلامية، وهذا ما يبدو من متابعة بعض الكتابات بشأن التقليل من قوة وتأثير وانتشار منصات التواصل فى عالمنا المعاصر، إذ يقتطع هؤلاء من كل المشهد فكرة غياب معايير ضبط، أو يطلقون قولا مأثورا بأنها “مفتوحة على البحري”، أو لكونها لا يمكن أن تلتزم بالمعايير “المبرمجة” لوسائل الإعلام التقليدية، وهنا تكون الأسئلة ولماذ تسارع وتتهافت وسائل الإعلام التقليدية على بناء منصات وحضور لها عليها بل وتمعن فى ذلك؟، ثم ومن قال إنها وسائل إعلام تقليدية بمنظومتها وحوائجها واشتراطاتها التقليدية ولو كنت كذلك فهل كانت لتنمو بهذه المعدلات والدور؟! ثم أيضا وهل التزمت دوما الوسائل التقليدية بكل تلك المعايير ومثل ذلك إطارا مهيمنا ومنظما للآداء؟!

إن تسفيه كل الحضور الكونى المتزايد والمؤثر على منصات السوشيال ميديا من أجل التأكيد على غياب معيارية، إنما يتجاهل أنها تعبيرات فردية وليست مؤسسية تتلاقى على فضاء تلك المنصات، وأنها تتنوع وتتباين بل وتتعارض دوما، بل نمد القول بالتأكيد إن حداثة وتطور المجتمعات ونخبها هو بحق فى مدى قدرتها على التكيف والتعامل وإدارة الحوار وصناعة الحضور الذاتى والثقافى وبناء المكانة على هذه المنصات، وخاصة لدى القطاعات الشابة فى مجتمعاتها وخارجها وهى القطاعات التى تشكل أغلبية السكان وتنمو معها ثقافتها باضطراد.

أتفهم أن يتم الدعوة لبناء ثقافة اجتماعية تنظم التعبير على السوشيال ميديا يتم تعريف الأجيال الناشئة والشابة بها، وهو جزء مؤسسى بل وأراه محوريا ولازما من أدوار ومهام وزارت التربية والتعليم فى عالمنا العربى، لتحصين وترشيد ممارسات النشء على هذه المنصات، وهكذا يكون استثمار الفرص ويمكن تلافى المخاطر، وحيث أنه قد صار فعلا وواقعا أن منصات السوشيال ميديا هى جزء محورى من أسلوب الحياة المعاصرة، وساحة الأجيال الشابة ومجال بناء مساحة كبيرة من مدركاتهم وثقافتهم التى تنمو معهم بل وتنتقل إلى الأكبر منهم لتشكل مجالا عاما مهيمنا يظلل الجميع.

بعض ما يمنح ما نقوله هنا أهمية هى ملاحظة توضح مكانة ودور تلك المنصات كونيا، تبين فيما ما صنعته منصة “X” تويتر سابقا من دور فى إتاحة مساحات تنوع فى أزمة غزة مكنت من نشر لم يحتكره طرف فى الصراع أو منع طرفا ومناصريه من التعبير، عملت منصة Xذلك فى تباين مع قيود فرضتها منصتا فيس بوك وتيك توك وسواهما، فقد عمل مالكها إيلون ماسك على أن تكون متاحة للجميع ولا نقول مستقلة، ولكنه جزء من سياسات التموضع والتسويق والانتشار فى أسواق جديدة ولدى قطاعات جماهيرية أوسع.

ثم نجد أنه ومنذ يومين يعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكى بايدن ونائبته دشنا حسابات على منصة “ثريدز” المنافسة لمنصة “X” والمملوكة لشركة ميتا، وهى المنصة التى سعت لتقليل حصة منصة تويتر سوقيا وجماهيريا بإطلاق هذه المنصة المنافسة، وأظهرت احصاءات نموها الحالية تقلص قدرتها على المنافسة مع X، فلماذا يتدخل البيت الأبيض بإنشاء حسسابات على ثريدز تالية مباشرة لموقفه الناقد لدور مالك منصةX ؟ وحيث سبق ذلك توجيه انتقادات صريحة لماسك تتعلق بآداء المنصة ومحتوى ما تنشره، وبما أضر بالموقف الأمريكي الرسمى ووضعه فى حرج أمام الرأى العام العالمى، الإجابة لمن شاء لذلك سبيلا إنه إعلان ضيق فى ظاهره من منصة X ، وتعبير دال لا يخطئ فى جوهره عن قوة وحضور ونفاذ تأثير المنصات ومدى ويسر انتشارها كونيا، وكونها مجالا لم يعد هناك إمكانية للاستغناء عنه لدى الساسة والدول وما يرتبط بهما من عمليات نشر الأفكار وتبرير السياسات، حيث تحلق حضورا وتتوسع انتشارا وتتمكن نفاذا مع مساحات توغل المنصات لدى غالبية البشر كونيا، وهو ما لم يتحقق من قبل فى تاريخ منظومة الاتصال البشرى.