المرء، المجتمع و فلسفة القانون ..مفهوم تشارلس لويس دو سيكوندات، مونتيسكو

روح القانون ضد نصه:-

معظم مشكلات المجتمعات البشرية و الفساد المالي و السياسي المتفشي بها اليوم يمكن تجنبها بشكل كبير لو حاول كل مرء، على الصعيد الفردي، أن يفهم و يطبق روح القانون و ليس فقط بالضرورة تطبيق النص القانوني لوحده. إذ حاول الكثير من القضاة عبر التاريخ على تنظيم الأنظمة القانونية و كتابتها بحيث أن لا تكون هناك فجوة قانونية في نصوص الشرائع. إذ يجب أن يكون هناك نص قانوني يشرّع ما هو مقبول أم لا لأي معضلة سواء جنائية أو أخرى. و لكن هذا لم يحدث بالطبع لأن كل القوانين التي كتبها الإنسان لا تكفي لحكم و تنظيم حياة البشر المعقدة جداً و التي تخلق مواقف جديدة كل يوم لا تغطيها نصوص قانونية بشكل واضح أو مباشر.

خلقت هذه الحالة من الغموض القانوني مساحة قانونية يتم استغلالها بشكل خبيث لتبرير أعمال و أفعال ذات نيّة خبيثة و لكن لم يغطيها القانون بنصوص واضحة لكي يعاقبها. تم استغلال حالة الغموض هذه من قبل الكثير من الشركات الكبيرة و البنوك و المؤسسات و الأفراد و حتى المحاميين أنفسهم لتبرير أفعالهم بأنها قانونية من خلال الالتزام الحرفي جداً لنصوص القانون، و غض الطرف بشكل كامل عن الروح و النيّة التي كتبت تلك النصوص.
 
إحدى أهم المبادئ في التحليل القانوني و الأخلاقي، أن يتصرف المرء بنية حسنة و أن يترجم أيضاً نصوص القانون بنية حسنة بأفضل ما في وسعه و أن لا يلتزم بشكل حرفي أو بنية خبيثة بالنصوص المكتوبة و أن يترجمها بمنطق يبرر أفعاله كما يحلو له. 

فعلى سبيل المثال، استغل الكثير من رجل الأعماء فاحشي الثراء مثلاً قوانين و شروط الإبلاغ المالي و الضرائب و التفوا حولها و التزموا حرفياً بنصوص قانونية لا تغطي كل السياق و برروا أفعالهم بها و تأقلموا مع سياق قانوني جعلوه مساهم فعال في زيادة ثرواتهم الفردية فقط، دون أي عائد إيجابي على الآخرين. 

أصبح القانون فقط مجرد كتاب قواعد، و جعل النظرة تجاه المجتمع كأنه لعبة فقط و أن على المرء الإلتزام فقط بالقواعد المكتوبة بشكل صارم و أن ما هو غير أخلاقي ليس بالضرورة غير قانوني. بنظري، إحدى أكبر مسببات حالة اليأس و التعاسة التي أصابت مجتمعاتنا اليوم هو أن على الرغم من التغير التكنولوجي الرهيب الذي شهدناه و التقدم الحضاري في العديد من المجالات، أصبحت الفجوة بين ما هو أخلاقي و قانوني أكبر و أكبر و تتوسع في دائرة تكرر ذاتها. 

لو كل مرء على الصعيد الفردي تصرف بنية حسنة، لتخلصنا من الكثير من المشاكل و سنوات من الثرثرة غير المجدية في المحاكم.