أرسل مرصد السياسات الاجتماعية والاقتصادية اليوم مذكرة “مراجعة نقدية لمشروع قرار بقانون القيمة المضافة” إلى رئاسة مجلس الوزراء، ووزارة المالية؛ منوهاً فيها إلى وجود 18 ملاحظة على مواد القانون البالغة 156 مادة في مسودة القرار بقانون، يجب أخذها بعين الاعتبار قبل المصادقة على مشروع القرار بقانون. يأتي هذا إسهاماً في تطوير منظومة القوانين المالية والاقتصادية بحيث لا تقتصر فقط على الجباية بمعزل عن التبعات الاقتصادية والمالية والاجتماعية؛ حيث أن التركيز على الجباية –السمة الأساس لمشروع قرار بقانون الضريبة المضافة الحالي- من شأنه أن يؤدي إلى زيادة الأعباء على الناس، الذين لم يتجاوزا بعد أعباء جائحة كوفيد 19.
ويرى المرصد أن مشروع القرار بقانون يؤكد في طياته على تبعية الاقتصاد الفلسطيني لاقتصاد الاحتلال؛ وذلك عبر تضمين النسب المتفق عليها ضريبياً وجمركياً مع الاحتلال في مشروع أول قانون فلسطيني لضريبة الدخل. كما أنه يولي التصدير اهتماماً كبيراً في مقابل عدم الالتفات نحو تعزيز دور وحصة المنتج المحلي داخل السوق الفلسطينية. في ذات السياق؛ يأتي المشروع هذا ليزيد من الممارسات الاقتصادية والمالية هائلة السلبية لصالح جباية غير متوازنة، فضلاً عن افتقادها أسس العدالة الضريبية والاجتماعية.
يؤكد مرصد السياسات على الملاحظات والنقاط التالية:
أولاً: يجب فرض تمايز في نسب ضريبة القيمة المضافة على السلع والخدمات التي يتم بيعها أو تزويدها للمستهلك النهائي؛ بدءاً من نسب صفرية على السلع والخدمات الأساسية مثل السكر والطحين والأرز والحليب، على أن تتصاعد على بقية السلع والخدمات حسب درجة كماليتها، وهذا ما فشل القرار بقانون في معالجته.
ثانياً: يجب فرض إعفاءات ضريبية على المنتوجات المحلية في القطاعات الاقتصادية الحيوية من قبيل قطاع الزراعة، وقطاع الصناعات الغذائية؛ الأمر الذي من شأنه زيادة تنافسية هذه المنتوجات في السوق المحلي أمام منتجات الاحتلال، وأن تخلق عوائد اقتصادية واجتماعية.
ثالثاً: إن فرض ضريبة قيمة مضافة على الأجور يعني التخلي التام عن مشروع الضمان الاجتماعي مستقبلاً؛ إذ أن المؤسسات الأهلية، والمنشآت الاقتصادية ستواجه صعوبة هائلة في دفع مساهمة بنسبة 9% من الأجور للضمان الاجتماعي في ظل دفعهم لضريبة دخل، وضريبة قيمة مضافة جديدة ومستحدثة.
رابعاً: فرض القرار بقانون ضريبة ثانية على الأجور، والتي لا يجب أن تخضع لها، وذلك من خلال فرض ضريبة القيمة المضافة على مجمل أجور المؤسسات الأهلية والمالية، وهذا يخالف مبادئ ومعايير العدالة الضريبية.
خامساً: فرض الضريبة على المنح والتبرعات عدا المنح التي تقدمها الحكومة؛ سوف يمس بشكل كبير من قدرة الجمعيات والمؤسسات الأهلية على العمل، كما سيرفع من تكلفة المصاريف الإدارية لتلك المنح على حساب المنتفعين/ات من تلك الخدمات، وسيؤثر سلباً على برامج المسؤولية الاجتماعية التي تقدمها العديد من مؤسسات القطاع الخاص.
سادساً: جاء في المادة 12 من مشروع القرار بقانون أن التعويضات المتعلقة بالقضايا الآتية تُعفى من ضريبة القيمة المضافة: حوادث السير، أو السرقة، أو الحريق، أو الغرق، أو الكوارث الطبيعية، وهذا يثير المخاوف من عدم تطرق القرار بقانون إلى توفيرات وتعويضات نهاية الخدمة، وتعتبر هذه المحاولة الثالثة من نوعها للمس بتعويضات نهاية الخدمة.
سابعاً: يواجه الاسترداد الضريبي في القطاع الحيواني تفسيرات مخالفة لقانـون ضريبـة الدخـل رقم (17) لسنة 2004؛ على سبيل المثال ينص فحوى القرار بقانون على أن الزيادات الضريبية هي على مدخلات الانتاج الحيواني، بينما تدعي وزارة المالية أن الاسترداد هو على المنشآت. هذا أيضاً لم يتم معالجته بمشروع القرار بقانون لضريبة القيمة المضافة.
ثامناً: إذا ما طبق هذا القانون على رواتب وأجور العاملين في المؤسسات الأهلية، وعلى التبرعات؛ فإن الايرادات الاضافية التي قد تجمع جراء ذلك لن تكون كافية لتغطية الاعباء الاقتصادية والاجتماعية لهذا القانون.
تاسعاً: فرض ضريبة قيمة مضافة على مجمل أجور المؤسسات الأهلية بنسبة مساوية لتلك المفروضة في المؤسسات المالية يؤشر لاختلال ميزان العدالة، وتحديداً عند وضع مؤسسات لا تسعى للربح بنفس مكانة مؤسسات تحقق أرباحاً طائلة، ويمس بدور المؤسسات الأهلية في خدمة المجتمع.
عاشراً: حافظ مشروع القانون على فرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 16% كما هي موحدة وبدون تغيير على جميع الأنشطة التجارية، وجميع السلع بغض النظر عن أهميتها وحيويتها للمستهلكين. أي أن هذا المشروع لا يميز بين مجموعات السلع والخدمات تبعاً لحاجة وظروف معيشة المستهلكين الاقتصادية والاجتماعية، كما أنه يكرس الأمر العسكري والاتفاقيات الاقتصادية المجحفة الموقعة مع الاحتلال، دون التفكير بالخلاص منها ومن تبعاتها.
حادي عشر: لم يقدم مشروع القانون أية حوافز أو اعفاءات ضريبية للقطاعات الاقتصادية الانتاجية الحيوية، بل تعامل معها كلها تقريباً بنفس المنطق والمنهج. وهناك بعض الاستثناءات لهذه القاعدة تتمثل في إعفاء بعض الأنشطة مثل مبيعات الحجر والرخام الخام، وأنشطة التطوير العقاري والانتاج الزراعي النباتي. ولا يختلف مشروع القانون كثيراً عن النظام النافذ حالياً بهذا الشأن، وهذا ما يؤكد ما ورد في النقطة السابقة من تكريس لنظام اقتصادي تابع.
ثاني عشر: أدخل هذا المشروع تغييراً على تصنيف المكلفين بحيث اختصرهم في مجموعتيْن؛ هما: المشتغل المرخص، والمشتغل المعفى من الضريبة؛ أي الذي يُصدر فواتير صفرية. وحدد المشتغل المعفى بالذي لا يتجاوز حجم نشاطه التجاري السنوي 12000 دينار أردني مقارنة بـ 44000 شيكل في النظام القائم.
ثالث عشر: وفًر مشروع القانون آلية ملائمة لتسوية الملفات الضريبية وفض المنازعات، ووضع إطاراً تنظيمياً وفنياً معقولاً في إدارة ضريبة القيمة المضافة.
رابع عشر: يتناول مشروع القانون النشاط الزراعي باهتمام وتركيز، وتعامل معه بشكل متساوي مع غيره من الأنشطة الاقتصادية. إلا أنه لم يرد ذكر هذه الأنشطة بشكل مباشر إلا في مادة واحدة نصت على إعفاء النشاط الزراعي النباتي من ضريبة القيمة المضافة، وهذا التجاهل لخصوصية القطاع الزراعي يتشابه مع إدامة الوضع القائم حالياً من تهميش القطاع الزراعي.
خامس عشر: أبقى مشروع القانون النشاط الزراعي الحيواني خاضعاً لضريبة القيمة المضافة؛ وهذا لا يختلف عن النظام القائم.
سادس عشر: نؤكد على ضرورة إعفاء جميع الأنشطة الزراعية من ضريبة القيمة المضافة، أو فرض نسبة ضريبة منخفضة في أحسن الأحوال، إضافة لإعفاء المشتغلين في هذه الأنشطة من فواتير عمليات البيع والشراء مع الاكتفاء بطلب تقارير وكشوفات مالية معززة بمستندات قدر الإمكان.
سابع عشر: يجب وضع آليات واضحة جداً بخصوص الزيادات أو الإرجاعات الضريبية للمشتغلين في القطاع الزراعي، وتقصير الفترة الزمنية المطلوبة لتنفيذها؛ كأن تكون مثلا شهراً من تاريخ تقديم المطالبات المالية بالاسترداد الضريبي. وذلك لكي تتحقق العدالة الضريبية ويستفيد جميع المزارعين المستحقين لهذه الإرجاعات، لا أن تكون محط استفادة الكبار منهم فقط.
ثامن عشر: يعفي القانون أنشطة التطوير العقاري من ضريبة القيمة المضافة بينما يفرضها على الصفقات العقارية؛ سواء المتكررة أو الاستثنائية. فيُحمّل البائع هذه الضريبة على الصفقة العقارية التي يقوم بها من موقعه كتاجر، بينما يتحملها المشتري في حالة بيع عقار أو أرض بشكل شخصي. ويعد هذا اسهاماً في رفع أسعار العقارات، المرتفعة أساساً، بما لا يناسب فئات الدخل المتوسط والمحدود. وهذا يعني فرض ضريبة القيمة المضافة على كل عملية بيع، وهي سابقة خطيرة.
يذكر أن هذه المذكرة جاءت في سياق نقاش مسودة مشروع قرار بقانون القيمة المضافة التي انتهت من إعدادها مؤخراً وزارة المالية خلال عام 2021، وأن هذه الملاحظات من ضمن مجموعة ملاحظات أخرى ستورد مستقبلاً، يطرحها المرصد بهدف المساهمة في الوصول لصيغة متوازنة وعادلة للقانون قبل إصداره بقرار رئاسي. ويؤكد المرصد على ضرورة فتح حوار شامل مع المتضررين من هذا القرار بقانون، كما مع الجهات ذات علاقة من قبيل القطاعات الاقتصادية المختلفة؛ مثل قطاع الزراعة، وقطاع الإنتاج الحيواني، والتجار، وممثلي مؤسسات المجتمع المدني والأهلي، وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، والعاملين لحسابهم/ن.