المستوطنة المخرّبة إلى أين؟ –

متى يبلغُ البنيانُ يوماً تمامَهُ.. إذا كان شعبنا يبني والاحتلال يهدم؟

لا تطيق المستوطنة – الدولة أن ترى عمراناً آخر في فلسطين ليس لمستوطنيها. لذلك، فليس قتل الناس وتخريب ممتلكاتهم وتدمير البنية التحتية في قطاع غزة وجنين وطولكرم هو الطريق إلى نفي شعبنا ودفعنا للاستسلام.
وأصل البيت: «متى يبلغُ البنيانُ يوماً تمامَهُ.. إذا كنتَ تبنيه وغيـرُكَ يَهدم»، وهو ينسب لصالح عبد القدوس، كما ينسب لبشار بن برد، وثمة فرق بين زمنيهما، لكن ناظم المعنى أمر عابر للأزمان.
كنا قد كتبنا عن هدم البيوت، ولم نعرف أن الاحتلال سيهدم مدناً، فكيف سوّلت له فعلاً هدم ما بناه الشعب الفلسطيني على مدار عقود، بل وقرون؟ كيف لبشر أن يدمر البيوت والشوارع إلا إذا كان في وعيه أن بقاء أصحابها، مجرد البقاء، هو الخطر الأكبر على الاحتلال.
إنها الحرب القذرة على شعب فلسطين: المكان والأزمنة. إنها العقوبات الجماعية، وإنها أكبر زراعة للحقد الإنساني. إن الاحتلال ليس خطراً على مستقبل فلسطين فقط ولا على دول الطوق، بل على الأمة العربية، والبشرية. إنها حرب على القيم والحضارة؛ فسيصعب اليوم على أي شعب أن يشعر بالأمان.
من الطبيعي حدوث الحروب في كل مكان وزمان، وهكذا فقد قطعت البشرية مرحلة متقدمة في وضع قواعد لحماية المدنيين في ظل الحروب. لكن ما تفعله دولة الاحتلال أنها تحارب المدنيين. والمفارقة أن دول العالم الكبرى تصمت، وتتفهم خروج الاحتلال عن الشرعة الدولية.
– لن نباد!
– ؟
– ولن نبيد؟
المستوطنون القدامى يحتمون بأحدث الأسلحة الثقيلة، متنوعة المنشأ، طائرات ودبابات وصواريخ.
المستوطنون الجدد يحتمون بالأسلحة الخفيفة، التي زاد عددها حتى لم يعد فتى أو فتاة إلا حاملاً سلاحه؛ فقد صار المستوطنون مسلحين تماماً على ضوء ابتسامات بن غفير.
المستوطنة قلعة مسلحة محاطة بالجدر والأسلاك الشائكة. تنتشر الأسلحة في بيوت المستوطنة ومؤسساتها، والدولة المستوطنة ازدادت سلاحاً وجدراناً وأسلاك.
هكذا كان المستوطن يوماً: سرقة الأرض بقوة السلاح.
في الضفة الغربية لنهر الأردن، كل أرض تصبح مطمعاً، تغري الدولة المستوطنة مستوطنين جدداً، كأنها دون مالك، مؤكدة على أن فلسطين وطن دون شعب. أما جيش الدولة المستوطنة فيتصرف كأنه ليس له علم، ولسان حاله يقول تلك مشكلة صراع على الأرض بين الناس، مساوياً بين الفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين، والمستوطنين. في حين تكون نتيجة اللجوء إلى القضاء خاسرة، فهو قضاء يتبع الدولة المستوطنة.
في فلسطين 1948، وعلى مدار 76 عاماً، بدءاً بالحكم العسكري الذي استمر حتى العام 1966، مروراً بمصادرة الأراضي في سياق يوم الأرض المجيد العام 1976، وليس انتهاء بما تفعله المستوطنة الآن، كان المنطق دوماً مصادرة الأرض.
«دولة إسرائيل» مستوطنة عسكرية كبيرة، يصطحب العسكريون أسرهم، وحين يكبر الأطفال يصيرون جنود احتلال، فما الذي نراه في هذه الدولة التي غزت البلاد، لتسرق وتضمن سرقة الدول الكبرى سرقة ممتلكات الشعوب؟
لم تتغير إسرائيل، ولا يبدو أنها ستتغير، كما لم تتغير الولايات المتحدة، ولم تتغير دول كبرى تتقاسم عمليات نهب مواردنا.
من النيل إلى الفرات، ليس شعاراً صهيونياً رومانسياً، بل هو ما تطبقه المستوطنة المسلحة، فحين يكون إرهابها مخيفاً لبلادنا، فمعنى ذلك أنها هنا وهناك بقوة السلاح. إنه ليس إرهاباً لفلسطينيي الضفة الغربية وغزة، بل إرهاب للدول العربية القريبة والبعيدة.
وهم كبير تعيشه دولة المستوطنة، ويعيشه المستوطنون، وهو وهم مؤقت لا يدوم، فلا يبدو أن أصحاب الأرض استسلموا للمستوطنين.
قويّ السلاح وفتاك، وهو سلاح تقليدي وغير تقليدي، بل ونووي يشكل ردعاً بل إرهاباً لكل من لا يستسلم للمستوطنة.
حرب قاتلة مدمرة، استمرت عقوداً، نتيجتها المهمة استمرار وجود الشعب الفلسطيني على أرضه؛ فإذا استطاع السلاح حسم الوجود بشكل قوي، فإن الحسم سيظل نسبياً. ولما كانت الأمور بخواتمها، فإن النصر المؤقت للسلاح على أرض فلسطين لن يكون طويلاً، في ظل منطق معاقبة المجرم ولو بعد حين.
لن يدوم القتل ولا القتلة، ستتغير قواعد اللعبة:
– لم يستسلم الفلسطينيون ولا العرب كلهم.
– خفت الحاجة الغربية للدولة المستوطنة التي لم تثبت كفاءتها، فلا بد من بحث عن بدائل لدى الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة.
– سيصعب احتكار دولة المستوطنة للسلاح وتكنولوجيا القتل.
– تغير بنيوي يحدث في الكثير من الأماكن في ظل خوف الشعوب أن تتعرض لهكذا إيذاء.
– عدم تقبل انتهاكات حقوق الإنسان التي تصل إلى مستوى إرهاب الدولة.
هي سنوات، وتنتصر الشعوب لا النظم مهما كانت نظم بطش، ولا النظم الاستيطانية حتى لو تسلحت كثيراً.
عام من غزو المستوطنين لغزة والضفة، عام يؤكد أن المستوطنة خائفة قلقة متوترة، متشظية، هرب فيها مستوطنو الغلاف ومستوطنو الشمال.
وهم في ظل جرائمهم الفردية وجرائم الدولة، سيدفعون أهل المكان الأصليين للاستمرار بالمقاومة، التي ستجد دوماً طرقاً للنضال.
انقلاب السحر على الساحر، فكل ما هدفت له المستوطنة بإصرار السلاح يصير مجالاً كي يخترقه المقاومون.
مشهد مستوطني تلال الضفة الغربية ببنادقهم الموجهة للقرويين المدنيين، هو نفسه مشهد جنود الاحتلال المدججين بالسلاح، وهم يغزون فلسطين ولبنان واليمن والعراق بالطائرات والمسيّرات.
والآن في ظل السلاح الثقيل الكثير، إلام سيستمر الحال؟
لا حياة هنا، لا لبن ولا عسل، بل مستوطنون مسخرون لخدمة الغرب الاستعماري.
[email protected]