حذّر المكتب الوطني للدفاع عن الارض ومقاومة الاستيطان من تداعيات تعزيز المستوطنين وحاخاماتهم لمواقعهم في جيش الاحتلال واكلاء سياساتهم في الضفة الغربية.
واشار في هذا المضمار الى انه وفي سابقة غير مألوفة، فقد قال نائب رئيس الموساد الأسبق والقائد السابق لقيادة المنطقة الشمالية في جيش الاحتلال، اللواء عميرام ليفين، في تصريح صحفي، إن الجيش الإسرائيلي شريك في جرائم حرب من خلال تحولات عميقة تجري في صفوفه تذكّر بتحولات حدثت في ألمانيا النازية. وكان ليفين يقصد بذلك تزايد أعداد المستوطنين في الجيش الإسرائيلي وتحول قادتهم إلى وزراء مركزيين في الحكومة الحالية.
أقوال، عميرام ليفين، هذه جاءت تفتح أبوابا على المكانة، التي بات يحتلها المستوطنون في جيش الاحتلال، خاصة بعد الأحداث التي شهدتها بشكل خاص بلدات حوارة، ترمسعيا، أم صفا وبرقه في محافظتي نابلس ورام الله – البيرة في الاسابيع القليلة الماضية، من أعمال بلطجة وحرق للممتلكات واستيلاء على اراضي المواطنين الفلسطينيين من خلال نشر البؤر الاستيطانية وما يسمى بالمستوطنات الرعوية وتهجير للتجمعات البدوية من مناطقها، وهي أحداث باتت تؤشر على طبيعة العلاقة بين هؤلاء المستوطنين وجيش الاحتلال، حيث بات واضحا أن الجيش يأتمر وظيفيا بهيئة الاركان وما يسمى قيادة المنطقة الوسطى، ولكنه في التنفيذ العملي لمهماته يخضع وفق كثير من التقديرات الاسرائيلية للمستوطنين وحاخاماتهم بفعل التحاق أعداد كبيرة من المستوطنين بجيش الاحتلال ونفوذهم المتزايد في اجهزة أمنية لم تعد كما السابق تخضع لقيادة الجيش. فمن جهة هناك الجيش النظامي وقيادة المنطقة الوسطى، التي تتبع بشكل مباشر الى هيئة الأركان العامة وهناك من جهة أخرى ما يسمى “الجيش الشرطي” الذي يتكون من عدة أجهزة أمنية تعمل بشكل مواز، منفرد ومتكامل في الوقت نفسه داخل الضفة الغربية ويضم الشرطة وحرس الحدود وقوات الحماية المسؤولة عن محيط المستوطنات. وهي قوات موجودة على مستوى المستوطنة، أو المجلس الاستيطاني، ولا تتبع مباشرة للجيش، وإنما الى مجلس المستوطنة.
على أن أخطر التشكيلات العاملة في الضفة الغربية هي فرقة “يهودا والسامرة”، التي تأسست في العام 1988 لقمع انتفاضة الحجارة، التي انطلقت نهاية العام 1987 و”لواء كفير” الذي تأسس في العام 2005. عديدهما يصل الى 13 كتيبة تعمل مع كتائب احتياط أخرى في الضفة الغربية بمهمات مزدوجة ، قمع وحشي للفلسطينيين وتوفير الحماية للمستوطنين. فرقة “يهودا والسامرة” التي يقودها العميد، آفي بلوت، هي التشكيلة التي تدير معظم النشاطات العسكرية في الضفة الغربية. هذه الفرقة، وفق تقديرات اسرائيلية متخصصة تتحول رويداً رويداً إلى فرقة للمستوطنين، الذين يصفون بلوت بأنه واحد من جماعتهم. كيف لا وقد ترعرع في مستوطنة “نفيه تسوف” الى الشمال من مدينة رام الله وتعلم في المدرسة الدينية “عيلي” الى الجنوب من مدينة نابلس ويكثر من الربط بين أفكاره حول قصص التوراة وبين العماليق، الذين يجب ابادتهم. الفلسطينيون هنا هم عماليق أساطير أسفار التوراة.
لواء كفير هو الآخر قريب للغاية للمستوطنين، هو لواء في الجيش يضم في صفوفه ست كتائب تتوزع على مختلف محافظات الضفة الغربية. نظريا يتبع هذا اللواء لقيادة الجيش وهيئة الأركان، ولكن عمليا الأمور أكثر تعقيدا بحكم العلاقات المتداخلة بين اللواء والمستوطنين بحيث أن تأثير المستوطنين أكبر بكثير من تأثير هيئة الأركان، خاصة وأن معظم قواعد اللواء منتشرة إما داخل المستوطنات أو في محيطها، وبالتالي يقوم الجنود والضباط بالتفاعل اليومي مع المستوطنين ، يسهرون معهم ويحتفلون بمناسباتهم ، كما تؤكد أوساط اسرائيلية واسعة. إلور عزاريا، الذي أطلق النار عام 2016 على المواطن الفلسطيني عبد الفتاح الشريف وهو جريح ملقى على الأرض هو احد افراد هذا اللواء.
تشكيلات شبه عسكرية
وتتداخل تشكيلات شبه عسكرية (ميليشيات) تابعة للمستوطنين مع لواء كفير، كما هو الحال مع ما يسمى “صف الجهوزية الاستيطاني”، وهو عبارة عن مجموعة عسكرية مكونة من سكان كل مستوطنة، وظيفته بناء خلايا عسكرية شبه نظامية تتولى القيام بأعمال الجيش في الفترة الزمنية التي تقع بين حصول حدث أمني في محيط المستوطنة ووصول قوات الجيش النظامي إلى المكان. فضلا عن ذلك فإن معظم جنود وضباط لواء كفير العاملين في الضفة الغربية هم خريجو كليات عسكرية تحضيرية تعمل في المستوطنات، أو أنهم انضموا إلى الجيش بعد حملات تجنيد قامت بها المستوطنات لرفد الجيش بجنود من مجتمع المستوطنين. وفعلا وبتوجيه من مجتمع المستوطنين ومن حاخاماتهم يتزايد اقبال المستوطنين على الانخراط في صفوف الجيش، فمن بين كل خمس بلدات كان لديها أعلى معدلات تجنيد في الوحدات القتالية كانت ثلاث في الضفة الغربية. كان المركز الأول لبيت إيل في محافظة رام الله والبيرة، حيث 86% من الرجال الذين ولدوا سنة 1991 خدموا في وحدات قتالية. وكان المركز الثالث من نصيب إفراتا في غوش عتصيون في محافظة بيت لحم، حيث كانت النسبة 81% من الرجال مواليد 1991 قد انضموا للوحدات القتالية. فيما كان المركز الرابع من نصيب المجلس الإقليمي لجبل الخليل بنسبة 78.4%. وكانت أريئيل في محافظة سلفيت والتي تعتبر مستوطنة علمانية ومشكوك في يهودية سكانها واحدة من بين أربع مدن فاقت فيها نسبة المجندين الـ 90%.
مرجعيات سياسية واخرى روحية
ولهؤلاء المستوطنين مرجعيات سياسية يتقدمها زعماء الصهيونية الدينية المشبعون بروح أيدولوجية توراتية متطرفة أمثال بتسلئيل سموتريتش وايمار بن غفير وغيرهما من أعضاء الحكومة والكنيست، الذين يشكلون نحو 12 بالمئة من مجمل أعضائه وعددم 120 عضوا. والى جانب المرجعيات السياسية هناك أيضا مرجعيات روحية، بعدد غير قليل من قادة الحاخامات، أبرزهم الحاخام حاييم دروكمان، أحد أبرز المرجعيات الدينية والروحية (توفي في كانون اول 2022)، والحاخام دوف ليئور، الحاخام الأكبر لمستوطنة كريات اربع، الذي منحه المجلس الإقليمي للمستوطنات في جنوب محافظة الخليل شهادة تقديرية لمواقفه المتطرفة والحاخام إسحاق غيزنبيرغ، الذي يدير مدرسة “عود يوسيف حاي” في مستوطنة “يتسهار، والحاخام زلمان ملميد- من كبار حاخامات الصهيونية الدينية- الذي حرض طلابه في مستوطنة “كرنيه شمرون” على سرقة محصول الزيتون من الفلسطينيين. وأفتى بجواز تسميم الآبار التي يشرب منها الفلسطينيون. وغيرهم من الحاخامات، أمثال إليعازر رابينوفيتش وشلومو أفينير والحاخام الأكبر للسامرة إلياكيم ليفانون، الذين يجيزون لزعران “شبيبة التلال”و”تدفيع الثمن” الارهابيتين انتهاك حرمة السبت واحتلال مفترقات الطرق وممارسة أعمال العربدة والاعتداء على المواطنين الفلسطينيين.
تأثير هؤلاء الحاخامات واضح؛. فقد كشفت دراسة أعدها قسم العلوم الاجتماعية في جامعة “بار آيلان” الإسرائيلية، المعروفة بتوجهاتها الدينية، حول مدى انصياع المجندين المتدينين لأوامر الحاخامات، حيث أن أكثر من 90% ممن يصفون أنفسهم بأنهم متدينون، يرون أنه لو تعارضت الخطوات التي تتخذها الحكومة الإسرائيلية مع رأي الحاخامات، فإن الأولى هو تطبيق رأي الحاخامات، وأكد أكثر من 95% من الجنود المتدينين أنه لا يمكنهم الانصياع لأوامر عسكرية تصدر لهم، دون أن تكون متسقة مع الفتاوي الدينية التي يصدرها الحاخامات والسلطات الدينية.