المعايير الفاضحة ..ميساء جيوسي –

لست أعلم ما هي الحالة التي تنتابني الآن وأنا اتابع على شاشات العالم بلا استثناء تعاطف “الشعوب الغربية المتحضرة” مع الشعب الاوكراني في الأزمة الحالية . في البدء لا يقلل هذا من تعاطفي مع المظلمومين والمقهورين أيا كان مكانهم، ديانتهم، إو إنتمائهم. لكن ما يشعرني بالغضب حد الغثيان بأنني ودون رغبة مني عدت لعام 1987 عندما كانت الإنتفاضة الأولى للشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي وكنت حينها طفلة صغيرة حفرت مشاهد الإنتفاضة في عقلي ووجداني. لازال أنفي يذكر رائحة الغاز، حرفية معرفة نوع الرصاص في المظاهرات. القدرة على تمييز نوع المركبة العسكرية القادمة. القدرة على سرعة الإحتماء بشجرة هنا أو صخرة هناك إن إفرغ جندي ساخط على ضحيته نارا من كل حدب وصوب. ولازالت في الذاكرة أحدى أيام الدراسة الصعبة وفي ذات اليوم اللذي لن انساه ما حييت دخل الجنود بعدتهم وعتادهم شارع المدرسة الإبتدائية التي كنت أرتادها، وبدأو بإلقاء القنابل الغازية المسيلة للدموع داخل المدرسة من الخارج. لازال مشهد الهروب الكبير للطالبات من فصل لآخر في عقلي لا يغيب، ومشهد إغماء مدرسة الرياضيات التي تكور بطنها في شهره السادس على الأرض، وهلع الطالبات، وصخب الجنود يصرخون بلغة عربية اغتصبوها كما اغتصبو الأرض ” يلا روخ من هون”؟ لم إستيقظ يومها سوا على صوت سيارة الإسعاف التي نقلتني لمستشفى المدينة حيث تم إسعافي ومجموعة كبيرة من زميلاتي ومر اليوم بعدد من الشهداء والجرحى لم يلتفت لهم أحد، لم يتعاطف معهم أحد، لم تحرك دموع أمهاتهم وأطفالهم أحد، ولم يهب لنجدتهم أحد ونعت الفلسطيني بالإرهابي ونعت المحتل بالديمقراطي الذي يستحق كل الدعم من المجتمع الغربي المتحضر. اليوم وبعد ايام من الحرب على أوكرانيا يقف العالم غاضبًا متسائلا عن الحق والخير والعدالة ودموعهم تسيل للاجئين “البيض، اصحاب العيون الملونة” على حد تعبير الصحافة الغربية، بينما في فلسطين ومنذ عقود طال عددها لا زالت البيوت تسقط على رؤوس الأطفال وألعابهم المحطمة في القدس وجنين وخان يونس ولا زال المحتل يسرح ويمرح على أجساد الأطفال ويقهقه على صرخات الثكالى ولا زال الشتات يلتهم ملايين اللاجئين في بقاع الأرض … كثيرة هي المشاهد التي تطفوا على سطح الذاكرة المنهك، لكن لا صفحات تتسع لمعاناة الأطفال في مقارعة الظلم وإزدواجية المعايير التي كانت واضحة ولكنها أصبحت فاضحة.