فيما أكد الأديب والمؤرخ السيد عدنان السيد باقر العوامي، أن المنطقة الشرقية قد تعرفت على الصحافة العربية قبل دخولها في حكم الدولة السعودية، مع بيان مكانة المنطقة الشرقية في الفكر والأدب والعلم، وصلة أدبائها، وشعرائها ومفكريها بالصحافة من خلال كتاباتهم المبكرة في صحافة البلدان العربية المجاورة.
جاء ذلك خلال أمسية تاريخ الصحافة في المنطقة الشرقية التي نظمتها جمعية الثقافة والفنون بالدمام، وشهدت حضورًا متنوعًا من المثقفين، والإعلاميين، والمهتمين.
في زمن العثمانيين
ذكر العوامي «من خلال التتبع وجدت أن تعرف مثقفي المنطقة إلى الصحافة العربية قديم، نسبيًّا؛ إذ يعود إلى ما قبل الدور الحالي للدولة السعودية، ولا أقصد بهذا صدور صحف في المنطقة في تلك الحقبة، وإنما قصدت وصول صحف كانت تصدر في أصقاع بعيدة بمقياس ذلك الزمن؛ كالقاهرة ولندن إلى القطيف، وربما غيرها من مدن المنطقة الشرقية».
واستشهد برسالة من الطبيب الأمريكي بولس هاريسن، مؤرخة في 12 يونيو 1913م، موجّهة لعلي بن منصور إخوان، وكان يرأس بلدية القطيف في العهد العثماني، آنذاك، تشير إلى أن برفقتها: «قطع (عدد) من المقطم واحد، ومن الهلال، وأيضًا كتاب واحد إلى الأمير، وهو هدية من البليوز…». وتختتم الرسالة بالإشارة إلى أن صديقًا لهاریسن اسمه «دايكستري»، تعهد بأن يوالي إيصال الصحف إلى ابن إخوان في القطيف أثناء غيابه في سفره إلى الدباي. (دبي)
بين حقبتين
أضاف «كما توالت الإشارات المفيدة بأن شخصيات أدبية أخرى في القطيف كالشيخ حسن بن علي ابن عبدالله آل أبي السعود، والد الوجيه والأديب علي بن حسن أبي السعود كانت تصله الصحف المصرية عن طريق البحرين، ومنها المقتطف والبعكوكة».
مشيرًا إلى أن الشيخ حسن هذا شهد نهاية الدولة العثمانية وبزوغ الدولة السعودية الحالية، حسبما وجد من مساجلات شعرية بينه وبين الشيخ سليمان المسلم والد الشاعر والمؤرخ محمد سعيد المسلم، مؤرخة بين عام 1327 – 1346هـ، فهو – من هذا الملحظ – يُعد رباط الصلة الثقافية في المنطقة بين حقبة أفول الدولة العثمانية وبزوغ الدولة السعودية.
مشاركات عربية
أكمل «إذا كانت ظروف المنطقة آنذاك لم تسمح بصدور الصحف فيها فلا يبدو بعيدًا أن يكون تعرف مثقفي المنطقة على الصحافة العربية على هذا النحو، قد حفز بعض أبنائها الطموحين إلى محاولة التغلب على المصاعب، فمنهم من شد الرحال للخارج ممتطين متن المغامرة من أجل الدخول إلى عالم الصحافة، ومنهم من شارك وأسهم بكتاباته في إثراء محتوى الصحف العربية كمصر ولبنان والعراق والبحرين والكويت. ففي مصر الكتاب والرسالة، وفي لبنان العرفان، والأديب والآداب، والنهج، والألواح، والأحد، وفي العراق: الغَرِيّ، والاعتدال، والبيان، والهاتف، وغيرها، وفي البحرين: مجلة صوت البحرين التي عمل فيها المؤرخ القطيفي محمد سعيد المسلم مراسلًا لها من مقر إقامته في العراق، ومثلها مجلة البيان، وبعثة الرائد الكويتية».
أسماء ووجوه
أردف «في هذه المجلات نجد مشاركات مفكري المنطقة الشرقية، وأدباءها وشعراءها بارزة فيها مثل الشاعر ناصر بو حيمد، وأخته الشاعرة سارة بو حيمد وعبدالله ابن الشيخ علي الجشي، والشيخ عبدالحميد الخطي، وأخويه محمد سعيد، وعبدالله الخنيزي، ومحمد العلي، والشيخ الدكتور عبدالهادي الفضلي، والشيخ باقر أبو خمسين، وعبدالعزيز الشيخ علي آل حسان وعبدالله منصور إخوان وكثير غيرهم».
أما السيد عدنان العوامي ومعه صديقه الشاعر عبدالوهاب المهدي فقد يمما – في الستينيات الميلادية – شطر إفريقيا حيث مجلة «القلم» التي كان يصدرها الأديب السوداني حسن نجيلة.
البدايات إنجليزية
بحسب ما ذكر العوامي والفزيع في الأمسية، فإن بدايات العمل الصحفي في المنطقة كانت بإصدار إنجليزي – باللغة الإنجليزية – من شركة أرامكو السعودية في 1945 بدأتها بنشرة أخبار أسبوعية للأجانب المقيمين في الظهران، باسم «The Dust»، ثم تغير اسمها إلى «The Oily Bird» في العام نفسه، وبعد عدة أسابيع استبدل الاسم بـ «Arabian Sun» حتى نهاية العام، ثم أدمجت مع نشرة أخبار رأس تنورة: «The Flare»، وأعطيت اسمًا مركبًا من الاسمين هو «Arabian Sun and Flare»، ومنذ 7 يناير 1970 أصبح اسمها «Sun and Flare» وهو اسمها المستمر إلى الآن.
وفي شهر نوفمبر سنة 1949 أصدرت – مــن أمريكـا – نـشـرة إخبارية داخلية تربط مكاتب الشركة في الولايات المتحدة بمركزها الرئيسي في الظهران، وباقي فروعها في المملكة، ولم تكن تحمل اسمًا سوى شعار الشركة، وهو حرفا (A) المتداخلين، وأول عدد أمكن الحصول عليه يحمل اسمها الحالي «Aramco World» هو عدد يناير 1960، وهي مستمرة إلى اليوم، ومجلة شهرية أخرى أسمتها «505» صدر عددها الأول من نيويورك في الأول من يونيه 1953، وهي ترفيهية خاصة بفرقة الترفيــه.
وأضافا «كذلك أصدرت نشرة أخرى أعطتها اسم «The Pleasant»Al-Ayyam -alJamila Days وهي نشرة نصف سنوية مخصصة لشؤون متقاعدي الشركة الأجانب، صدر عددها الأول في نيويورك في ديسمبر 1956م، وهذه النشرات كلها باللغة الإنجليزية، ولم تبادر الشركة بإصدار مجلة باللغة العربية إلا بعد أن أصدرت مجلة قافلة الزيت في أكتوبر 1953م، ثم غيرت اسمها إلى القافلة بعد ذلك، ثم مجلة الحصاد للمتقاعدين العرب».
أولى المبادرات
عن الصحافة الأهلية – صحافة الأفراد – ذكر العوامي «لعل أولى المبادرات الأهلية لإصدار صحيفة هي تلك التي قام بها اثنان من الشباب المثقف من المنطقة الشرقية في عام 1953م، وهما عبدالعزيز السنيد، وعبدالله الشيخ علي الجشي؛ إذ انتهز كـلّ منهما، بمفرده ودون علم الآخر، فرصة مجيء ولي العهد، آنذاك، الأمير سعود بن عبدالعزيز (رحمهما الله) حيث أقام – لفترة من الزمن – ضيفًا على شركة الزيت العربية الأمريكية (أرامكو) في بيت الضيافة بالظهران، فتقدما له – كل على حدة – بطلب الترخيص بإصدار جريدة، ولم يكن لأي منهما معرفة بمبادرة الآخر؛ إذ لم يكونا قد تعارفا بعد، ورفض طلب الجشي، بينما أعطيت الموافقة لعبدالعزيز السنيد، لكن باسم غير الاسم الذي اختاره، ثم تبين أن الاسم الذي أعطيت لعبدالعزيز الموافقة عليه هو الذي طلبه الجشي اسمًا لجريدته، فرفض السنيد أن ينفرد هو بالموافقة على الترخيص دون الجشي، لكن الجشي أبدى ترحيبًا بصدور الصحيفة من قبل السنيد؛ فالمهم عنده أن تصدر الصحيفة من قبل شخص مؤهل، سواء كان هو أم غيره، وقد قادهما
هذا التفاهم إلى أن يتعاونا معًا على إصدارها، لكن ظروفًا طرأت فحالت دون إصدار الجريدة». وهذه رواية عن السيد علي العوامي في الطبعة الأولى والثانية من كتاب الحركة السعودية الوطنية.
رواية القشعمي
استأنف «نجد رواية أخرى عن هذه المبادرة الأولى لإصدار صحيفة في المنطقة كتبها الأستاذ محمد القشعمي، حاصلها أن السنيد نشر مقالة بجريدة اليوم بتاريخ 17 أكتوبر 1998م، يقول فيها إنه في أواسط الخمسينيات من هذا القرن، عندما كان رئيسًا للجنة العمالية المنتخبة من قبل عمال شركة (أرامكو) تقدم إلى ولي العهد الأمير سعود بن عبدالعزيز أثناء زيارته إلى المنطقة الشرقية بطلب امتياز بإصدار صحيفة باسم «الشباب»، وحمل الطلب الزميل عبدالله إبراهيم الحقيل وسلمه في مقره بالظهران إلى رئيس ديوانه عبدالرحمن الحميدي، وجاءت الموافقة على أن يكون اسم الصحيفة الجزيرة بدلًا من الشباب، وطلبت الإمارة حضوره لإكمال الإجراءات، فاقترح عبدالرحمن الشيباني مدير مكتب الأمير سعود بن جلوي بالدمام آنذاك، أن يدخل معه الشاعر عبدالسلام العمري، فلم يوافقه على ما طرحه من أفكار، وعندما حضر الشيباني، وله به معرفة سابقة يوم كان أحد مراقبي التعليم في أرامكو من قبل الحكومة، وكان السنيد معلمًا فيها، فجرى بينهما نقاش انتهى بخروجه من المولد بلا «حمص» حسب قوله».
مبادرة أخرى
أضاف «تلتها محاولة أخرى قام بها السيد علي ابن السيد باقر العوامي فبعث سنة 1956 بخطاب للملك سعود يطلب فيه منحه ترخيصًا بإصدار مجلة شهرية باسم (صوت الجزيرة)، وبعد فترة من تقديمه الطلب حضرت للدرويشية – مقر إمارة القطيف آنذاك – هيئة استدعت 6 شخصیات يصفهم بأنهم متنوعو الاتجاهات، اثنان منهم تجار بعيدون عن الشؤون الثقافية، أو الأدبية، بل إن أحدهما أمي، واثنان من البلدية هما رئيس البلدية، ورئيس المجلس البلدي واثنان من فئة الأدباء والشعراء هما الشيخ عبدالحميد الخنيزي (الخطي)، وعبدالرسول (عبدالله) الجشي، واستطلعت رأيهم في كفاءته لإصدار المجلة، ويبدو أنهم اختلفوا، فكان الغلب للجانب المعترض».
بين الانطلاق والتوقف
عن تفاصيل أكثر عن بقية الإصدارات قال: «تلت المبادرتين اللتين لم يكتب لهما رؤية النور محاولة أخرى في 26 ديسمبر 1954م، فصدرت جريدة «الظهران»، التي أبدل اسمها، فيما بعد، إلى «أخبار الظهران» وتولى رئاسة تحريرها، أولًا، عبدالله الملحوق، ثــم تولى رئاستها الشيخ عبدالكريم الجهيمان، بعد ذلك قام الشيخ سعد البواردي، بإصـدار مجلة «الإشعاع»، سبتمبر 1955م، ثم أصدر الأستاذ عبدالله أحمد شباط مجلة الخليج العربي في 19 أغسطس 1955، ولكنها سرعان ما توقفت بعد العدد الثاني لتعود للصدور مجلة شهرية في أواخر عام 1956م، ولكنها عادت لتصدر جريدةً أسبوعية، ولأسباب غير معلومة – لدي على الأقل – سُحِب امتیازها من مؤسسها الأستاذ الشباط، وأسندت إلى الأستاذ علي أبو خمسين، ثم توقفت نهائيًا عند صدور نظام المؤسسات الصحفية، شأنها شأن أخبار الظهران، بعدها أصدر الأخوان أحمد الشيخ يعقوب وأخوه يوسف، جريدة «الفجر الجديد»، في 15 مارس 1954، وقد احتجبت بعد صدور العدد الثالث.
وفي هذا السياق تأتي مجلة «مارد الدهناء» التي أصدرتها مصلحة السكك الحديدية بالدمام، فبدأت دورية عند صدورها في رمضان 1960، ثم تحولت إلى مجلة من العدد الصادر في 1963م، وبعدها أصدر النادي الأدبي بمعهد الأحساء العلمي مجلــة هجر ورئيس تحريرها الأستاذ عبدالله بن خميس وسكرتير التحرير عبدالله أحمد شباط».