الناتج المحلي ينهي مغامرة العمل من المنزل

لم يصمد خيار العمل عن بُعد، الذي أخرجته «جائحة كورونا» من دائرة الظل، كثيرا أمام التأثير الاقتصادي السلبي لذلك النمط من أنماط العمل الذي فرضته الجائحة طيلة الشهور الماضية، حيث عادت دول كبرى لتطالب بالعمل المكتبي، بعد تراجع ناتجها المحلي جراء العمل من المنزل، بينما بدأت دول أخرى فى البحث عن نماذج عمل مرنة فى المستقبل، لا تكون الغلبة فيها للدوام عن بُعد، مع إنهاء إلزام العمل من المنزل.

فى ظل حملات التطعيم المتواصلة ضد فيروس «كورونا المستجد»، يخطط كثير من الشركات فى مختلف أنحاء العالم لإعادة الموظفين للعمل من المكاتب، فى مؤشر على انتهاء نمط العمل من المنزل الذي تم اتباعه فى مختلف الاقتصادات على نطاق واسع منذ بدء تفشي الوباء فى 2020.

حملات التطعيم

تعهد وزير الاقتصاد الألماني، بيتر ألتماير، للشركات والعاملين بتخفيف تدريجي لإلزام العمل من المنزل، فى ظل أزمة تفشي فيروس «كورونا المستجد».

وقال، فى بث مباشر على موقع صحيفة «بيلد» الألمانية: «أعتقد أن فكرة العودة للحياة الطبيعية تعني بالتأكيد أنه يمكن للمرء العودة للعمل فى مكان العمل». وأضاف الوزير الألماني: «سيكون هناك خفض تدريجي للوائح الخاصة بالعمل من المنزل».

خفض تدريجي

فى ألمانيا، الاقتصاد الأكبر فى الاتحاد الأوروبي ورابع أكبر اقتصاد فى العالم، بعد الولايات المتحدة والصين واليابان، يعمل نحو 30 % من الموظفين حاليا فى المنازل بدلا من الذهاب إلى مقار العمل.

وقد توقعت شركة الاستشارات الإدارية «PwC» أن يؤدي تأثير العمل من المنزل إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا بمقدار 15 مليار يورو هذا العام.

وأوضح الخبراء الماليون بالشركة فى ميونخ أن انخفاض نفقات موظفي المكاتب أثر بشكل كبير على قطاعات الضيافة وتجارة التجزئة الثابتة والنقل العام المحلي.

وبحسب بيانات الشركة، صار الموظفون ينفقون الآن أموالا أقل على الانتقال إلى العمل، أو تناول الغداء فى مطعم، أو التسوق فى محيط مكان العمل أو فى الطريق إليه، وكذلك على الترفيه. وتتوقع الشركة أن تخسر القطاعات المعنية بشكل مباشر مبيعات بـ5.7 مليارات يورو جراء ذلك.

بالإضافة إلى ذلك، هناك تأثيرات غير مباشرة مثل تراجع استهلاك الطاقة فى المطاعم، مما يؤدي إلى تراجع فى الناتج الاقتصادي قدره 4.1 مليارات يورو.

التجربة الألمانية

بلغ تراجع القوة الشرائية للموظفين فى القطاعات التي شملتها الدراسة 5.1 مليارات يورو. ووفقا للتحليل، الذي أجرته الشركة بعنوان «التأثير الاقتصادي لجائحة كورونا جراء العمل من المنزل»، فإن نتيجة ذلك انخفاض متوقع فى الناتج المحلي الإجمالي بـ14.9 مليار يورو أو بنسبة 0.3 %.

تراجع القوة الشرائية

فى السعودية، أعلنت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية أن الحصول على لقاح فيروس «كورونا» سيكون شرطا إلزاميا لحضور الموظفين والموظفات فى جميع القطاعات (العام – الخاص – غير الربحي) لمقار العمل.

وطالبت الوزارة كل القطاعات بحث الموظفين والموظفات على البدء فى إجراءات الحصول على اللقاح، للعودة إلى مقار العمل بشكل آمن وصحي.

اشتراطات سعودية

فى أمريكا، يتوجه العديد من الشركات والبنوك لإعادة موظفيها للعمل من المقار والمكاتب، بعد سيطرة أمريكا نسبيا على تفشي «كورونا»، وتطعيم ما يقرب من نصف المواطنين البالغين فى البلاد باللقاحات اللازمة.

وفى 25 مايو، ارتفع سهم «فيسبوك» خلال التداولات، على الرغم من الضغوط على القطاع التكنولوجي، حيث ارتفع سهم شركة التواصل الاجتماعي الشهيرة بالتزامن مع توجيه إدارتها دعوة إلى موظفيها فى الولايات المتحدة للعمل من مكاتبهم. وذكر المتحدث الرسمي باسم «فيسبوك» أن الشركة تستعد لإعادة موظفيها للعمل من مكاتبهم فى نيويورك مع استمرار العمل بالإجراءات الاحترازية، وحث الموظفين على تلقي لقاحات «كورونا».

وأضاف أن «فيسبوك» بعثت رسائل عبر البريد الإلكتروني للموظفين من أجل إبلاغهم بضرورة العودة للعمل من المكاتب فى مانهاتن بداية من الثاني عشر من يوليو المقبل، بسعة استيعابية تصل إلى 25 %.

ارتفاع سهم «فيسبوك»

أظهر مقياس للصحة النفسية للموظفين الفرنسيين، تم الكشف عنه الأربعاء 26 مايو، عشية العودة التدريجية للمكاتب، ارتفاعا كبيرا في عدد حالات الإنهاك المهني. وقال رئيس شركة فرنسية – كندية، متخصصة فى الوقاية من المخاطر النفسية والاجتماعية: «معدل الإنهاك المهني تضاعف فى عام واحد».

ولاحظ كريستوف نغوين، رئيس شركة «أمبرينت آومين»، المتخصصة فى الوقاية من المخاطر النفسية والاجتماعية مثل الاكتئاب والانتحار، أن «معدل الإنهاك المهني تضاعف فى عام واحد، إذ بلغ ذروته عند مليوني شخص يعانون الإرهاق الشديد، وثمانية من كل عشرة أبدوا رغبتهم فى مواصلة العمل عن بُعد من يوم إلى ثلاثة أيام فى الأسبوع، وسبعة من كل عشرة موظفين رأوا أن العودة وجها لوجه ضرورية لتماسك الفريق».

تضمنت قواعد العودة للمكاتب أنه على المؤسسات، مهما يكن حجمها، أن تعيد الموظفين على مراحل، وعلى رب العمل أن يعيد تنظيم المكاتب من أجل تأمين مساحة من 4 م² لكل موظف، حيث يتم تجنب التقاء عدد كبير منهم فى مساحة محدودة، فالمكتب المفتوح الذي تبلغ مساحته 100 م² لا يمكن أن يجتمع فيه أكثر من 25 شخصا.

إنهاك مهني

وفى كندا، يرغب معظم الموظفين في العودة للعمل من المكتب، لكن نحو 75 % من الموظفين يفضلون نموذجا «هجينا» يتيح بعض المرونة للعمل عن بُعد، وفقا لدراسة استقصائية شملت نحو ألفي شخص، وأجريت لمصلحة شركة «كيه. بي. إم. جي» (كلينفيلد بيت مارويك جورديلر) العالمية.

ولم يعد موظفو المكاتب الكندية فى القطاعات المالية والحكومة والقطاعات الأخرى لأماكن عملهم بالسرعة التي عاد بها نظراؤهم فى الولايات المتحدة، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن حملة التطعيم ضد «كورونا» فى البلاد بدأت بطيئة، ولم يتم تطعيم سوى أقل من 4 % من السكان بشكل كامل، وفقا لبيانات «بلومبرج».

لكن إمدادات اللقاح فى كندا تتحسن، وتعهد رئيس الوزراء، جاستن ترودو، بأن يتمكن جميع الكنديين الذين يريدون تلقي اللقاح من الحصول على الجرعتين بحلول سبتمبر، مما يوفر للشركات قوة دافعة لتعزيز خطط العودة للعمل من المكتب.

العالم والعودة للمكاتب

ألمانيا

استمرار العمل من المنزل يخفض الناتج المحلي الإجمالي بمقدار نحو 15 مليار يورو فى 2021.

السعودية

الحصول على لقاح فيروس «كورونا» سيكون شرطا إلزاميا لحضور الموظفين والموظفات فى جميع القطاعات (العام – الخاص – غير الربحي) لمقار العمل.

أمريكا

يتجه العديد من الشركات والبنوك لإعادة موظفيها للعمل من المقار والمكاتب، بعد السيطرة نسبيا على تفشي «كورونا» وتطعيم نصف المواطنين.

فرنسا

يرى سبعة من كل عشرة موظفين أن العودة للعمل وجها لوجه ضرورية لتماسك الفريق.

كندا

تعهد رئيس الوزراء بأن يتمكن جميع الكنديين الذين يريدون تلقي اللقاح من الحصول على الجرعتين بحلول سبتمبر، مما سيوفر للشركات قوة دافعة لتعزيز خطط العودة للعمل من المكتب.