سيستمتع الحجاج هذا العام برحلة إلى عالم تتعانق فيه التقاليد القديمة مع أحدث التقنيات، حيث سيختبرون جوهر نقاوة ماء بئر زمزم المقدسة كما لم يسبق لهم ذلك من قبل.
فقد أطلقت شركة “الزمازمة” منصة إلكترونية لإيصال عبوات زمزم إلى مساكن الحجاج.
يقود هذه المهمة ريان زمزمي، نائب المشرف العام على أعمال الموسم بشركة الزمازمة، الذي أعلن عن الميزات الفريدة لمنصة زمزم. فهي مبنية على قاعدة بيانات واسعة النطاق، ويتم من خلالها مطابقة البيانات مع المسار الإلكتروني ومنصة الحج المركزي بوزارة الحج والعمرة، إضافة إلى ترقيم المساكن الكترونيًا، مما يسهّل العملية.
وتعد زمزم المنصة الرسمية لموسم الحج التي يتم من خلالها الاطلاع على التقارير والاحصائيات لوتيرة العمل، وتعمل هذه المنصة بوجود الإنترنت أو من دونها، بهدف استمرار العمل من دون تأخيرٍ أو تعطيل.
عملية سلسة
هل ينتابكم الفضول حول هذه العملية؟ لنلقِ نظرة خاطفة وراء الكواليس على أسرار تشغيل منصة زمزم. يمر العمل في منصة زمزم بمراحل متعدّدة فتكون البداية بالتسجيل في المنصة، يليها تنسيق سلس مع مركز التحكم الخاص بها. ومن ثم يتم نقل المياه بعناية من مستودعاتها إلى سائقي سيارات التوصيل الآمنة.
بمجرد وصول التسليم ، يتلقى كل من المستلم وموظف التوصيل رسالة تأكيد فورية ، تقدم جميع المعلومات الحيوية.
وفي نهاية رحلة التوصيل، وبهدف ضمان أعلى مستويات الجودة والتحسين المستمر، يعد فريق عمل الشركة تقارير كل 8 ساعات يتم الاحتفاظ بها للمتابعة والمراجعة والتدقيق لتحسين جودة العمل، والتأكد من توفير تجربة استثنائية للحجاج الحاليين والمستقبليين. وتجدر الإشارة إلى أنه يتم مراقبة مسار العمل في المنصة من قبل طاقم نسائي متخصّص ومؤهل يعمل على مدار الساعة في مركز التحكم والمراقبة بالشركة.
ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد، فقد كشفت شركة الزمازمة أيضًا عن ميزة إضافية لمنصة زمزم الإلكترونية، المصممة لضمان وصول مياه زمزم لمساكن الحجاج، محددةً معيارًا جديدًا للتوزيع المستمر لهذه المياه المقدسة.
طالب هائل
الطلب هائل على ماء زمزم. فمثلًا، منذ بدء موسم الحج 2018 في شهر ذي الحجة وحتى نهاية شهر ذي القعدة الإسلامي، استهلك الحجاج ما مجموعه 8,505,623 لترًا من ماء زمزم. وقد قام فريق الخدمات الميدانية بتسليم 2,284,700 لتر من هذه الكمية إلى أماكن السكن في مكة المكرمة بحسب الإحصاءات الرسمية. كما تم توزيع 220,923 لترًا إضافيًا عبر مراكز الإرشاد عند مداخل مكة المكرمة.
ومن المُذهل أيضًا، هي الإدارة الدقيقة، عامًا بعد عام، لتوفير المياه بسلاسة في المملكة العربية السعودية. وتبقى الجهود المبذولة لضمان حصول الحجاج على هذا الإكسير المقويّ للروح، شهادةً صادقة على التزام المملكة بصحتهم الروحية.
الأصول الغامضة
تعود القصة إلى العصور القديمة، حين علقت السيدة هاجر وابنها نبي الله إسماعيل، الابن الرضيع للنبي ابراهيم (صلى الله عليه وسلم) تستمطر الرحمة في الصحراء. راحت تبحث يائسةً عن الماء، فتدفّق الماء من الأرض القاحلة بفعل معجزة إلهية – مشكّلًا مصدر الحياة الذي يستمر حتى يومنا هذا، تاركًا بصماته في سجلات الإيمان.
النبع والتوصيل
تقع بئر زمزم على بعد 21 مترًا من الكعبة المشرفة في وسط المسجد الحرام بمكة المكرمة، حيث تمتدّ أعماقها الغامضة تحت المطاف الجليل بالقرب من الحجر الأسود. يتدفق الماء من جهتين مختلفتَين، وينبع من جانب الكعبة وجانب جبل أبي قبيس والصفا. مشهد يتكشف مع تدفّق نحو 11 لترًا إلى 18 لترًا كل ثانية، ليستقر على عمق 31 مترًا.
تعمل مضختان مخصصتان على مدار الساعة لضمان الإمداد المستمر للماء. وتتوج هذه الجهود بنقل ماء زمزم إلى مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لسقيا زمزم في كدي، حيث يروي الناس عطشهم ويختبرون جوهره العجائبي.
خارج حدود المدينة المقدسة ، يتم توصيل ماء زمزم إلى المسجد النبوي في المدينة المنورة في خزانات مصممة خصيصًا لهذه العملية. ويحرص الموظفون المصرح لهم على الانتباه والعناية بهذا الماء طوال الوقت. في الأيام العادية، يتم توفير حوالى 150 ألف لتر للمسجد النبوي، وتبلغ هذه الكمية، خلال مواسم الذروة، 450 ألف لتر.
داخل قاعات الحرمين الشريفين 40 ألف حاوية مبردة ومعقمة تزود الحجاج والزوار على حد سواء بماء زمزم. يتم وضع الحاويات هناك، مصحوبة بأكواب بلاستيكية يمكن التخلص منها، للحفاظ على الصحة العامة، وضمان تجربة صحية للزوار مع كل رشفة يرتشفونها من الماء المقدس.
إلى ذلك، تم تركيب نوافير للشرب في كل طابق وفي كل مساحة داخل المسجد الحرام في مكة المكرمة والمسجد النبوي في المدينة المنورة، لتعزيز قدرة الزوار على الوصول إلى الماء. محطة سبيل زمزم الواقعة في الامتداد الشرقي للمسجد الكبير بمكة المكرمة، تسهل عملية إعادة التعبئة للزوار والحجاج.
وتلبّي الحاويات المتجولة احتياجات الحجاج في المناطق المزدحمة مثل صحن المطاف. بالإضافة إلى ذلك، توزع الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي بسخاء قوارير صغيرة من المياه داخل المسجد الحرام بمكة المكرمة، وتضمن توفرها في المسجد، في المرحلة الأولى، وحتى في أثناء الصلاة الجنائزية.
من بداياتها الأسطورية المتأصلة في الأساطير الإسلامية إلى توزيعها الدقيق في كل أنحاء المدن المقدسة، تجسّد كل رشفة من ماء زمزم ارتباطًا عميقًا بالإيمان والتاريخ والنعمة الدائمة للموهبة الإلهية.