رأى الباحث الإسرائيلي، مايكل ميلشتاين، أنّ “إسرائيل” تواجه الغليان في جبهةٍ أخرى، جرى إهمالها بسبب التركيز على غزة ولبنان وإيران، وهي الضفة الغربية.
وفي مقالٍ نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، رأى ميلشتاين، الذي يترأس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز “ديان” في جامعة “تل أبيب”، أنّ حالة “إسرائيل” مع الضفة الغربية تشبه تماماً حكاية “الضفدع والوعاء”، وهي التجربة العلمية التي تقول إن “الضفدع يقفز فوراً إذا وُضِع في وعاءٍ مليء بمياه في درجة الغليان، بينما يتكيّف ويبقى في الوعاء إذا تمّ تسخين الماء بالتدريج، حتى تنعدم قدرته على القفز، ثم يموت”.
واستعاد الباحث الإسرائيلي أبرز أحداث الفترة الأخيرة في الضفة الغربية، من مقتل المستوطن جدعون بيري على يد شاب فلسطيني، إلى العملية الاستشهادية في “تل أبيب” التي نفذها فلسطيني آخر من نابلس، وقبلها مقتل المستوطن دوناثان دويتش، مؤكداً أن كل ذلك سيؤدي في النهاية إلى انتشار حالة العمليات والاشتباك.
وتحدث ميلشتاين عن 3 عوامل متشابكة تجعل الضفة تغلي، على حد وصفه، مشيراً إلى أنّ هذه العوامل بدأت قبل الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر 2023، وتسارعت في أعقابه.
العامل الأول، بحسب ميلشتاين، هو الجهود المتزايدة التي تبذلها حركة حماس لتعزيز حضورها في الضفة الغربية، وتحديداً من جانب قائدها الجديد في الضفة، زاهر جبارين، الذي تم تعيينه في هذا المنصب بعد اغتيال صالح العاروري، في كانون الثاني/يناير الماضي، والذي أدار ضمن مسؤولياته مكتب الشهداء والأسرى والجرحى في الحركة أيضاً.
ولفت الباحث الإسرائيلي إلى أنّ جبّارين، مثل السنوار والعاروري، بحيث سُجن فترة طويلة (حُكم عليه بالسجن مدى الحياة عام 1993، وأُطلق سراحه في صفقة التبادل التي تمّت عام 2011)، ويتحدّث العبرية، ويعرف خصوصيات المجتمع الإسرائيلي وعمومياته.
ورأى أنّ جبّارين “يريد أن يبرهن على مساهمة الضفة الغربية في النضال الوطني الفلسطيني، رداً على أي انتقادات بشأن عدم اندلاع انتفاضة شاملة تدعم قطاع غزة”.
وقال إنّ جبّارين يستمد مكانته من كونه من أوائل الذين انضموا إلى الجناح العسكري لحماس في الضفة الغربية، ومن حقيقة أنه كان الرجل الذي جنّد يحيى عياش، مُشيراً إلى أنّه “يريد إثبات جدارته، وخصوصاً مع قيادته الحركة عقب اغتيال العاروري”.
ورأى ميلشتاين أن العامل الثاني لغليان الضفة الغربية هو إيران، التي تشجّع وتموّل الفصائل في الضفة الغربية، وتزوّدها بالسلاح عن طريق سوريا مروراً بالأردن، مشيراً إلى أن الدعم الإيراني وصل أيضاً إلى المجموعات المسلحة التي يشكلها فلسطينيون داخل الأراضي المحتلة عام 1948.
وذكّر ميلشتاين أنّ الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، زياد نخالة، كان أكد قبل 3 أشهر من 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، أنه “تم اتخاذ إجراءات وجرى وضع خطط لتسليح الضفة الغربية، من أجل تحقيق نقطة تحول استراتيجية، عن طريق تهريب الأسلحة، أو شرائها من عناصر في إسرائيل”.
وقال الباحث الإسرائيلي إنّ جهود حماس وإيران تغير الواقع الأمني في الضفة الغربية، حيث يواجه “الجيش” الإسرائيلي، في مدن شمالي الضفة، تنظيمات تخوض معارك في المناطق الآهلة، وتستخدم عبوات ناسفة بقوة غير مسبوقة في هذا القطاع.
وأشار إلى أنه مع تفاقم التهديد، اضطر “الجيش” إلى تكثيف الاستخدام واسع النطاق للطائرات المسيّرة في الضفة الغربية، لتعقب الناشطين واستهدافهم، وهي أداة امتنعت “إسرائيل” عن استخدامها في الأراضي المحتلة مدة 17 عاماً.
ولفت إلى أنّ البنى التحتية للفصائل الفلسطينية، ولاسيما التابعة لحماس، تتميز بقدر أكبر من الجرأة والتنظيم والتطور أكثر من ذي قبل. وهي تركز على الهجمات ضد أهداف عسكرية ومدنية في الضفة الغربية، وضد المستوطنات على طول خط التماس.
ولم تَفُت ميلشتاين ملاحظة، مفادها أن المقاومة في الضفة الغربية تقلد أساليب المقاومة في غزة بصورة متزايدة، من إنتاج الصواريخ إلى تخطيط الهجمات على المستوطنات الإسرائيلية، متوقفاً عند العملية الأخيرة في قلب “تل أبيب”، والتي تُعَدّ مؤشراً خطيراً على عودة العمليات إلى قلب الكيان.
وأكد أنّ “مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية، وخصوصاً في شماليها، هي مصدر للتهديدات الأمنية”، مشيراً إلى أنها مناطق تخشى السلطة العمل فيها، وفيها كل مقومات الانفجار: من الضائقة الاقتصادية، إلى ذكرى الـ48 التي تنتقل من جيل إلى جيل، إلى الشبان الساخطين، وعمل إيران وحزب الله على تحضير بنية تحتية، وخصوصاً بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، حسب “الميادين”.
العامل الثالث في غليان الضفة الغربية، بحسب ميلشتاين، هو “ضعف السلطة الفلسطينية”، والذي ينبع من عجزها عن التأثير في الأجندة الفلسطينية التي تقودها حركة حماس، ومن القيود التي تفرضها “إسرائيل”، مثل الضرائب والحد من دخول العمال من الضفة الغربية إلى الأراضي المحتلة عام 1948، الأمر الذي يعزز الأزمة الاقتصادية
واستدل على ذلك بمحاولة أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، قبل 3 أسابيع، اعتقال محمد جابر، “أبي شجاع”، قائد كتيبة طولكرم في سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، والذي تم نقله إلى أحد مستشفيات المدينة بعد إصابته في قصف إسرائيلي، بحيث واجهت القوات الأمنية، التي دخلت المبنى حشداً غاضباً، لينتهى الأمر بإنقاذ أبي شجاع ورفعه على الأكتاف في موكب كبير.
ورأى الباحث الإسرائيلي أن ما سماه “تفكك فتح” ينعكس نمواً لـ”مجموعات محلية مرتبطة بعلاقاتٍ بالتنظيم الأم”، متحدثاً عن عملها في الواقع كـ”تنظيماتٍ إسلامية”، ولافتاً إلى مقطع فيديو ظهر قبل أسبوعين، لمجموعات “الردّ السريع”، في مخيم طولكرم، وقول أحد مقاتليها: “سنسير في درب الشهداء حتى تحرير فلسطين من الدنس، هذا جهاد هدفه النصر أو الشهادة”.
وأكد أنه في جنين وطولكرم ومناطق أخرى، تتعاون مجموعات فتح مع عناصر حماس، ويقوم بين الطرفين ما يشبه التحالف.
وختم ميلشتاين مقاله بالتحذير من أنّ الاستقرار النسبي القائم في الضفة الغربية، ليس مضموناً استمراره، مع تزايد احتمالات تحولها إلى جبهة أخرى، وظهور تحدٍّ استراتيجي حادّ يتضمن سيناريوهات مرعبة مثل الانتفاضة الثالثة، في الوقت الذي تجد “إسرائيل” نفسها مطالَبة بإنهاء الاستنزاف في الشمال والجنوب، والتركيز على التهديد الإيراني.