بالصور- لغز الساعة الشمسية في حصن الدير المحرق بأسيوط



04:54 م


الجمعة 22 نوفمبر 2024

كتب ـ محمود عجمي:

في أعماق الصحراء المصرية الغربية، حيث تتلاقى الحضارات القديمة والحديثة، يقف شامخًا حصن دير السيدة العذراء المحرق، الذي يعود تاريخه إلى نهاية القرن السادس وبداية القرن السابع وعلى جدرانه الأثرية، تحتفظ قطعة أثرية فريدة بلغز الزمن: “الساعة الشمسية”.

على جدار الحصن، كانت توجد ساعة شمسية بسيطة لكنها فعالة، ولكي يستفيد القدماء من هذه الساعة الطبيعية، كانوا يثبتون مسمارًا على جدار الحصن، ويهيئونه بزاوية معينة أو اتجاه معين تتوافق مع حركة الشمس، وعندما تشرق الشمس، يبدأ المسمار في إلقاء ظله على سطح مستوٍ، ويتحرك هذا الظل تدريجياً مع حركة الشمس عبر السماء وكان طول الظل واتجاهه يشيران إلى الوقت من اليوم، مما يسمح للرهبان بمعرفة الوقت بدقة تقريبية، كانت هذه الساعة الشمسية أداة لا تقدر بثمن في حياتهم اليومية، حيث كانت تساعدهم في تنظيم أوقات الصلاة والعمل.

في أعلى الحصن، كانت توجد كنيسة صغيرة تحمل اسم رئيس الملائكة الجليل ميخائيل، كانت الكنيسة مكانًا للسلام والعبادة، حيث يجتمع الرهبان للصلاة والتأمل، كانت الأجراس تدق في أوقات محددة، مسترشدة بالساعة الشمسية، لتعلن عن بداية ونهاية الأنشطة اليومية.

ولقد صمم الحصن داخل دير المحرق الذي يعود تاريخه إلى نهاية القرن السادس وبداية القرن السابع لتحصُّن الرهبان بداخله، حال حدوث هجمات البربر على الدير، فالبناء له مدخل واحد يؤدي إليه عن طريق قنطرة خشبية متحركة، وفتحاته “أي النوافذ” مقاطعها الأفقية مخروطة الشكل ، فالناظر من الخارج لا يرى ما بالداخل أما من بالداخل فيرى ما بالخارج، وبالطبع يجب أن يكون الحصن مجهزًا لإيواء الرهبان إذا طال بهم الحصار ومهيأ لخدمتهم روحيًا ومعيشيًا على قدر متطلبات الجسد الأساسية التى تكفل استمرارية الحياة.

فكان الدير يحتوي على وسيلة للحصول على ماء للشرب إذا أن حصن الدير لا يوجد به بئر ويبدوا أنه كان هناك وصلة بين بئر الماء الذي كان يقع خارج الكنيسة الأثرية قبل توسيعها وبين حوض الترمس الموجود حاليًا في أرضية احدى غرف الدور الأرضي للحصن، وهناك رأي آخر أنه كان هناك بئر قديم شرق الحصن متصل بحوض الترمس وكان عند الحاجة إلى الماء تفتح فتحة الحوض فيتدفق فيه الماء.

كما كان يحتوى الحصن بداخله على طعام كافي إذ لم يكن هناك طعام مفيد يمكن تخزينه لفترة طويلة دون أن يتلف غير الترمس – فهو مع التخزين لا يسوس ، ويعتبر غذاء كافيًا للرهبان، كما كان يوجد داخل الحصن على غرف لإيواء الرهبان وكنيسة للصلاة وغرفة صغيرة للدفن الموتى ومخابئ طوارئ في حالة إذا ما حدث ونجح البربر من اقتحام الحصن .

يقع دير السيدة العذراء مريم “المحرق” على بعد حوالي 12 كيلومترًا غرب مدينة القوصية، و48 كيلومترًا شمال محافظة أسيوط، و327 كيلومترًا جنوب القاهرة. يُعد هذا الدير من أهم الأديرة والمزارات المسيحية والآثار القبطية في مصر، حيث لجأت إليه العائلة المقدسة – السيدة العذراء مريم وابنها السيد المسيح ويوسف النجار – أثناء هروبها من فلسطين للاختباء من بطش الملك هِيرودُس الذي كان يسعى لقتل السيد المسيح، ومكثت فيه نحو 185 يومًا.

اكتسب دير السيدة العذراء لقب “المحرق” لأنه كان يقع بجوار منطقة تنمو فيها الحشائش التي كانت تُحرق للتخلص منها، مما أدى إلى تسمية المنطقة المحيطة بالدير المحرق أو المنطقة المحروقة، ومع مرور الوقت، استقر هذا اللقب ليصبح دير المحرق.

كما يُعرف الدير أيضًا بدير قسقام أو دير جبل قسقام، وذلك لأن الدير يقع على سطح جبل كان يُعرف قديمًا باسم قسقام، وهي كلمة فرعونية تتكون من مقطعين: “قُس” التي تعني اسم مدينة قديمة كانت عاصمة الولاية الرابعة عشرة من الولايات الـ22 في صعيد مصر، و”قام” التي تعني المنطقة الواقعة غرب الولاية الرابعة عشرة ومعناها اللانهاية أو الأبدية، وبسبب قرب “قام” من “قُس”، اشتهرت المنطقة والجبل المجاور باسم قسقام، وبالتالي اشتهر الدير بدير جبل قسقام.