طالب وزير المالية شكري بشارة المجتمع الدولي بمساعدة السلطة الوطنية الفلسطينية في تسوية الملفات المالية العالقة مع إسرائيل، تجنبا لانهيار مالي في ظل تراجع المنح الدولية ووصول الاقتصاد الفلسطيني إلى الحد الأقصى في توليد الإيرادات المحلية.
وقال بشارة، في اجتماع مع ممثلين عن الدول والجهات المانحة، إن تسوية هذه الملفات توفر إيرادات إضافية للخزينة الفلسطينية بحوالي 500 مليون دولار سنويا، كافية لتقليص العجز بما يغني عن المساعدات الدولية لتمويل النفقات الجارية.
ومن ضمن هذه الملفات، الإعفاء من الرسوم المتراكمة الخاصة بمغادرة المسافرين التي تراكمت منذ عام 2008، حيث تحجز إسرائيل حاليا حوالي 740 مليون شيقل.
كذلك، تخفيض الرسوم (العمولة) التي تجبيها إسرائيل مقابل تحصيل المقاصة الفلسطينية، من 3٪ إلى 1%، والمزيد من الشفافية في الاستقطاعات الإسرائيلية مقابل الخدمات (المياه، والكهرباء، والصرف الصحي، والصحة).
وقال بشارة إن إجمالي هذه الاستقطاعات خلال 14 عاما بلغ 10 مليارات دولار. كما يطالب الجانب الفلسطيني إسرائيل بالإفراج عن الاستقطاعات التي تم حجبها من جانب واحد من عائدات المقاصة منذ عام 2019، كما أن هناك مبلغ متراكم قدره 810 مليون شيقل مخصص لمدفوعات أهالي الشهداء والأسرى والجرحى، والمطالبة الفورية بالتوقف عن ممارسة الاستقطاع.
ومن ضمن الملفات العالقة أيضا، الضرائب والرسوم على مشتريات الوقود من إسرائيل، حيث تطالب السلطة الوطنية بالإعفاء الضريبي من شركة الوقود الإسرائيلية، حيث تبلغ نسبة هذه الضريبة حوالي 40٪ من إيرادات المقاصة الشهرية للسلطة الوطنية الفلسطينية.
وقال بشارة إن عدم دفع هذه النسبة سيسمح للسلطة بتوفير ما يصل إلى 82 مليون دولار شهريا من التدفق النقدي الإيجابي.
وعلى المدى القصير، طالب بشارة بتغيير آلية المقاصة الورقية لضريبة القيمة المضافة بين إسرائيل، التي اعتبرها “غير فعالة وتنطوي على مخاطر احتيال عالية وتؤدي إلى خسائر كبيرة للسلطة الوطنية الفلسطينية تقدر بنحو 120 مليون دولار سنويا”.
ودعا إلى الضغط على إسرائيل للانتقال إلى نظام محوسب متصل بنقطة البيع للحصول على خصومات ضريبية.
كما طالب بشارة المانحين بالضغط على الحكومة الإسرائيلية للسماح بعودة موظفي الجمارك الفلسطينيين لممارسة مهامهم ومسؤولياتهم على معبر الكرامة، ونقل المهام وسلطة الجمارك في مجال التخليص الجمركي من إسرائيل إلى فلسطين، بما يتضمن إنشاء مرافق تخليص جمركي ومستودعات جمركية في مواقع مختلفة في الضفة الغربية، على أن تتولى فلسطين المسؤولية الكاملة في مجال التخليص الجمركي على البضائع المتجهة إلى أسواقها.
صعوبات مالية
وحذر وزير المالية من تزايد الصعوبات المالية للحكومة، بعد سلسلة أزمات واجهتها المالية العامة على مدى الأعوام الثلاثة الماضية، في وقت تقترب مدفوعات المانحين من الصفر.
وكشف عن أن مجمل المساعدات التي تلقتها الخزينة، منذ بداية العام حتى نهاية حزيران، بلغ 30 مليون دولار فقط، من أصل 210 ملايين كانت متوقعة في قانون الموازنة للنصف الأول من العام.
وبحسب بشارة، بلغ إجمالي الإيرادات العامة في النصف الأول من العام الحالي 1.93 دولار، وهي مطابقة تقريبا للمقدر بالموازنة _1.94 مليار دولار.
وقال بشارة: “تعكس هذه القيم زيادة في الإيرادات بنسبة 18٪ مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، والتي بلغت قيمتها 1.6 مليار دولار”.
وفي المقابل، بلغ إجمالي النفقات خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري 2.5 مليار دولار، أقل بنسبة 12% عن الموازنة المقترحة (2.8 مليار دولار)، لكنه أعلى بنسبة 23% ومقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي.
وقال بشارة: “بالنظر إلى الجهود الاستثنائية لحشد الإيرادات ووجود قيود صارمة على النفقات، فقد بلغ العجز نصف السنوي على أساس نقدي حوالي 470 مليون دولار، ونتوقع أن يبلغ 900 مليون دولار بنهاية العام، ما يعني تقليص عجز العام بأكمله بنسبة 20٪ من 1.1 مليار دولار”.
الاستقرار المالي مهدد
وأضاف “يجب ألا نسمح لأنفسنا بأن نرضى بهذا الواقع، ولا إلى الإحساس الزائف بالحياة الطبيعية، ولا يجب أن نتغاضى عن التهديدات التي يتعرض لها الاستقرار المالي للسلطة الوطنية الفلسطينية التي تزداد حدة يوما بعد يوم”.
وتابع: “فيما يخص الإيرادات، فإننا نقترب بخطىً متسارعة تجاه الحد الأقصى لما يمكن أن نقوم بتوليده من خضم الأوضاع الاقتصادية السائدة، وفي المجال الذي نمتلك درجة من السيطرة والتحكم فيه”.
واعتبر وزير المالية أن جميع مبادرات الإصلاح المالي للحكومة، على أهميتها، “لن تساعد في معالجة أو عكس العوائق الهيكلية التي هي نتيجة مباشرة ومطلقة لخمس وخمسين عاما من الاحتلال العسكري المستمر”.
إنفاق بلا عائد
وأضاف: “هناك حد طبيعي لما يمكننا القيام به فيما يتعلق بترشيد الإنفاق، وهذا بالنظر إلى حقيقة أننا نمتلك فقط سيطرة تشغيلية شكلية على 20٪ من الأراضي الفلسطينية المحتلة، بينما نتحمل النفقات المرتبطة بما نسبته 80٪ مما هو متبقي”.
وفي هذا السياق، قال بشارة إن إنفاق الحكومة على قطاع غزة 35٪ من إجمالي الإنفاق العام، دون الحصول على أية إيرادات من هناك.
كذلك، تتحمل التكاليف الكبيرة المتكبدة في القدس الشرقية، لا سيما فيما يتعلق بالمرافق الطبية العربية حيث إن معظمها يتعلق بإحالات مرضى غزة، إضافةً إلى الدعم لشركة كهرباء القدس، الذي يشكل حوالي 4٪ من الميزانية التشغيلية، دون استرداد للتكاليف.
وقال: “ينطبق الشيء نفسه على تكاليف المنطقة (ج)، ليس فقط أننا غير قادرين على جني الإيرادات المالية في المنطقة، ولكن لافتقارنا إلى الوجود التشغيلي في المنطقة، والذي ساهم إلى حد كبير في ظاهرة صافي الإقراض (مبالغ تقتطعها إسرائيل من المقاصة ثمنا للكهرباء)، والذي يكلف الخزينة حوالي 300 مليون دولار، ثلثها عن المنطقة ج”.
الاقتراض من البنوك لم يعد خيارا
وأكد وزير المالية أن اقتراض الحكومة من البنوك “لم يعد خيارا بسبب أوضاع السيولة المحدودة للقطاع المصرفي الفلسطيني”.
وأوضح: “صحيح أن ديننا التجاري المحلي لا يزال عند مستوى متواضع عند نسبة 15٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وأقل من 25٪ من إجمالي رصيد القروض القائمة في فلسطين”.
وتبلغ مديونية الحكومة للبنوك حاليا حوالي 2.3 مليار دولار، ارتفاعا من 1.4 مليار دولار في 2019، وفق وزير المالية.
وقال بشارة إنه في ظل الأوضاع المالية القائمة “لم يتبق لنا سوى المسار الذي حددناه حرفياً في جميع اجتماعات لجنة التنسيق الخاصة السابقة، وهو تركيز جهودنا الجماعية على حل المسائل العالقة منذ فترة طويلة (مع إسرائيل) بموجب بروتوكول باريس”.
وأضاف: “هذا من شأنه أن يقلل بشكل كبير من عجزنا التشغيلي، ويساعدنا على المدى القريب في تجنب انهيار مالي محتمل”.