أعلن وزير المالية شكري بشارة، اليوم الأربعاء، أن الموازنة العامة سجلت فائضا بحوالي 72 مليون دولار في النصف الأول من العام الحالي، جراء ارتفاع ملحوظ في الإيرادات، المحلية والمقاصة، إضافة إلى الخفض في بعض بنود الإنفاق، ضمن خطة إصلاح استراتيجية لتحسين الإيرادات وخفض الإنفاق.
وتستهدف الخطة خفض فاتورة الرواتب، التي تعادل حاليا أكثر من 100% من الإيرادات، إلى 70% حتى نهاية العام، وصولا إلى 50% خلال السنوات القادمة.
وأوضح وزير المالية، في لقاء مع صحفيين، أن الخفض سيأتي عبر عدة إجراءات، أبرزها التقاعد الاختياري المبكر، حيث تعد لجنة شكلت لهذا الغرض، مقترحا بذلك سيعرض على الحكومة خلال أسابيع، إضافة إلى وقف صرف العلاوات غير المستحقة، كالعلاوة الإشرافية.
وأضاف: معظم العلاوات الإشرافية تصرف على الدرجة وليس مقابل مهمة إشرافية حقيقية، وهناك علاوات أخرى تصرف لموظفين دون وجه حق، هذا يجب أن يتوقف.
وضمن خطة خفض فاتورة الرواتب أيضا، بحسب وزير المالية، ترشيد التوظيف الحكومي، والترقيات.
وأوضح بشارة أن إصلاح فاتورة الرواتب ستتم على مرحلتين، الأولى: تخفيض فاتورة الأجور إلى حدود 70٪ من صافي الإيرادات الحكومية بحلول نهاية عام 2022 من خلال برنامج تقاعد اختياري، والمرحلة الثانية: تخفيضها إلى حدود 50٪ من صافي الإيرادات الحكومية بدءا من الربع الأول من 2023، من خلال سياسة التقاعد الإلزامي لكل من ليس له عمل، والتي سيتم تنفيذها على قدم المساواة في جميع المحافظات، في الضفة وقطاع غزة.
وقال: بالتوازي مع ذلك، أنشأ الرئيس محمود عباس لجنة وطنية مكلفة بالإصلاح الإداري في القطاع العام، بحلول نهاية عام 2022.
وأكد بشارة أن “على الحكومة أن تكون مستعدة للتعامل مع أطراف ذات علاقة مقاومة للتغير ومناهضة للإجراءات الإصلاحية، وتقدير الحوافز المحتملة للتقاعد المبكر الطوعي وتوفير الدعم المالي له، وحشد المساندة من قبل المجتمع الدولي”.
وشدد زير المالية على أن “هناك ضرورة لإصلاح فاتورة الرواتب وأشباه الرواتب، وإعادتها ضمن نسب حكيمة وضمن القدرات المالية المتاحة للحكومة”.
وأضاف: نمت فاتورة الرواتب واشباه الرواتب بشكل مضطرد خلال السنوات العشر الماضية، وأصبحت تفوق نسبة 100٪ من الإيرادات، وهذا يعني أن كلفة الرواتب وأشباه الرواتب أصبحت الآن تشكل خطرا جسيما على ديمومة النظام المالي.
وتابع: على سبيل المثال، بلغ صافي الإيرادات الشهرية، بعد الخصميات (الاقتطاعات الإسرائيلية من المقاصة) 982 مليون شيكل، بينما بلغت كلفة الفاتورة الشهرية للرواتب وأشباه الرواتب حوالي 950 مليون شيكل.
واعتبر وزير المالية أن فاتورة الرواتب بوضعها الحالي “يَحرم الحكومة من أي امكانيات للاستثمار الفعال وتطوير الاقتصاد الوطني، ونحن الآن نقف عند نقطة تحول، حيث أصبح إصلاح فاتورة الرواتب وأشباه الرواتب ضرورة حتمية لا بد منها، وفي حال لم نتمكن في المضي قدما بالإصلاح في هذا البند، سيتعرض الاستقرار المالي والإداري إلى مخاطر يصعب إصلاحها في وقت لاحق”.
وإضافة إلى فاتورة الرواتب، قال بشارة إن خطة الإصلاح المالي تشمل محورين أساسيين آخرين، هما منظومة القطاع الصحي، وصافي الإقراض، وهو بند في النفقات تكون نتيجة اقتطاعات إسرائيل من المقاصة مقابل الخدمات، كالكهرباء والمياه والصرف الصحي والتحويلات الطبية.
وفيما يتعلق بالقطاع الصحي، قال بشارة أن كلفة التحويلات الطبية تشكل 30% من النفقات التشغيلية في الموازنة العامة، حيث بلغ إجمالي التحويلات الطبية 974 مليون شيكل مع عام 2021.
وقال “هناك ضرورة ملحة لإعادةِ هيكلة النظام الصحي، ووضع نظام صحي جديد بمسار مستدام”.
أما فيما يتعلق بصافي الإقراض، قال بشارة إن الرصيد التراكمي لهذا البند بلغ حوالي 4.126 مليون دولار، مؤكدا أن “نسبة الاقتطاعات الإسرائيلية التي لا يمكن استرجاعها من حوالة المقاصة شهرياً نتيجة لصافي الإقراض تبلغ حوالي 20%”.
وشدد وزير المالية على أن هذه الإصلاحات “لا يجب ولا يمكن أن تكون بديلا عن إعادة ترتيب العلاقة المالية والاقتصادية مع إسرائيل، التي تعتبر المسؤول عن الأزمات والعجز المالي التي تعانيه الحكومة الفلسطينية”.
ومنذ 2019، تقتطع إسرائيل 50 مليون شيكل شهريا من المقاصة الفلسطينية، مقابل ما تقول إنه يوازي مدفوعات الحكومة الفلسطينية لعوائل الشهداء والجرحى والأسرى، تضاف إلى مبلغ مماثل مقابل الخدمات.
وأضاف: الاقتطاعات الإسرائيلية المتراكمة منذ 2019 (مقابل مخصصات الشهداء والأسرى) تبلغ حوالي 530 مليون دولار، يضاف إليها حوالي 250 مليون دولار فروق زيادة ضريبة الخروج (عبر الجسر) التي فرضتها إسرائيل من طرف واحد على مدى السنوات العشر الماضية، ما يعني أن استرداد هذه المبالغ كفيل بإغلاق العجز في الموازنة، بل وتحقيق فائض”.
وشدد بشارة على ضرورة معالجة باقي الملفات المالية العالقة مع إسرائيل، بضمنها العمولة الإدارية على جباية المقاصة الفلسطينية (3%)، والضرائب التي تجبيها إسرائيل في المناطق (ج)، والفروقات المحاسبية للاقتطاعات مقابل الخدمات، خصوصا عن قطاع غزة.
قانون الضريبة المضافة
وتطرق بشارة خلال اللقاء إلى مشروع قانون ضريبة القيمة المضافة، موضحاً أنه لأول مرة سيكون هناك قانون فلسطيني وطني ينظم هذه الضريبة في فلسطين، ويعالج كافة المسائل القانونية المتعلقة بها بدلاً من الأوامر العسكرية الإسرائيلية المعمول بها.
وذكر أن تطبيق القانون سيتم خلال فترة انتقالية لا تقل عن ستة أشهر من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية، ليتاح لجميع الخاضعين تسوية وتصويب أوضاعهم.
الأداء المالي
واستعرض بشارة، أداء المالية العامة في النصف الأول من العام 2022، لافتا إلى “التطور البارز في نمو الإيرادات واستمرارية النهج المعتمد لدى وزارة المالية”.
وقال: إن إجمالي الإيرادات في الأشهر الستة الأولى من العام بلغ 2.87 مليار دولار، ارتفاعا من 2.17 مليار دولار خلال نفس الفترة من عام 2021، بزيادة 19٪.
بينما أظهرت البيانات ثبات مجموع النفقات التشغيلية والتطويرية خلال النصف الأول من العام، مقارنة مع النصف الأول من العام الماضي، (أي 2.59 مليار دولار عام 2022 و2.57 مليار دولار عام 2021).
فيما يتعلق بالمساعدات الخارجية، قال بشارة أنها بلغت حوالي 80 مليون دولار (43 مليون دولار دعما للموازنة و36 مليون دولار تمويل مشاريع)، مقارنة مع 75 مليون دولار في النصف الأول من العام الماضي.
وسجلت الموازنة عجزا كليا، قبل المساعدات الخارجية، بنجو 8 ملايين دولار في النصف الأول من العام الحالي، انخفاضا من عجز بمقدار 407 ملايين دولار في النصف الأول من العام الماضي.
وبعد المساعدات الخارجية، قال بشارة يصبح رصيد الموازنة في النصف الأول من العام، فائض بمقدار 72 مليون دولار، مقابل عجز بمقدار 332 مليون دولار في الفترة المقابلة من العام 2021.
ويقدر عجز الموازنة في نهاية العام، بعد المساعدات الخارجية، بنحو 564 مليون دولار، انخفاضا من 757 مليون دولار عجز فعلي في عام 2021.
وقال بشارة “تظهر المؤشرات اننا نسير في طريق خفض العجز، وفي أسوأ السيناريوهات، لن يتجاوز العجز المقدر في الموازنة”.