لقد إستفزني -ككثير من الزملاء المحامين- بيان مجلس القضاء الأعلى الأخير بخصوص آليته الجديدة والمقترحه لتنفيذ اللائحة التنظيمية بشأن تنظيم السندات العدلية رقم (١) لسنة 2009، فقد إنطوى على العديد من الدلالات الخطيرة وغير المسبوقه من حيث الشكل والمضمون، وهو إمعانٌ جديد في نَهج مجلس القضاء الأعلى بمخالفته للقانون وبإصرارٍ أكيد للإضرار بأرزاق المحامين ونقابتهم بإحكام قبضتهُ عليهم وإبطال مفاعيلهم من خلال حصارهم حصاراً مالياً ظالماً -وبالشراكة مع بعض المتنفذين – محاولين لي ّ ذراعهم وثنيِهم عن حمل رسالتهم السامية وعقاباً لهم على مواقفهم النقابية الحرّة بالدفاع عن المواطن البسيط ومبدأ سيادة القانون والحريات العامة ، وانطلاقاً من مبدأ الاحتكام للقانون والإلزام القانوني بضرورة الإبلاغ عن وقوع أية جريمة يعاقب عليها القانون للجهات ذات الإختصاص، وإزاء حالة الانفلات والتدهور القضائي غير المسبوق بمخالفة السلطة القضائية ذاتها للأنظمة والقوانين المرعيّة والمتمثلة بقيام رئيس مجلس القضاء الأعلى بإلغاء العمل بأحكام قانون نقابة المحامين وبنظامي الطوابع والسندات العدلية الصادرة عن الهيئة العامه للمحامين والمنشورة بالجريدة الرسمية بحسب الأصول والقانون والمطبقة منذ ما يقارب الخمسةَ عشر عاماً مما ينبأ عن وقوع جريمة كاملة العناصر والأركان بإعاقة تنفيذ أحكام القانون و الأنظمة المعمول بها والمعاقب عليها بموجب قانون العقوبات رقم (١٦) لسنة ١٩٦٠م وتستوجب العقاب والتعويض، وعليه أتوجه لعطوفتكم بالبلاغ الآتي :-
أولاً :- قانونية نظامي الطوابع والسندات العدلية:
أ- لقد أورد المشرع الفلسطيني العديد من النصوص القانونية بهذا الخصوص، ولكن بدايةً لا بدّ من الإشارة إلى أنّ نقابة المحامين تحرص كل الحرص على تطبيق القانون بشكل أصولي و سليم ، فهي لم تفرض رسمًا، طابعًا أو تصديقاً لسندٍ عدلي إلا وفقًا للقانون الأساسي و القوانين المنظّمة لمهنة المحاماة الصادرة عن المجلس التشريعي الفلسطيني و الأنظمة الي أقرّتها الهيئة العامة للمحامين والمنشوره بالجريدة الرسمية والتي لم يطعن بها أمام أيّة جهة قضائية ، وعوداً على بدأ فقد بيّن القانون رقم ( ٣ ) لسنة ١٩٩٩ بشأن تنظيم مهنة المحاماة و الصادرة عن المجلس التشريعي و في المادة ( ٤٧ ) منه فقرة (١ / ب + و ) موارد النقابة ، منها رسوم إبراز الوكالات و واردات الطوابع و رسوم المحاماة التي تحصلها المحاكم ، و قد منح هذا القانون آلية تنظيم هذه الموارد و كيفية فرضها و استيفائها بموجب الأنظمة التي تقرّها الهيئة العامة للمحامين و ذلك بموجب الفقرة ( ٢ ) من المادة المذكورة و كذلك المادة ( ٤٢ ) فقرة ( ٤ ) من القانون المذكور ، و عليه فإنّ جميع الأنظمة و القرارات المنظّمة للسندات العدلية ، الرسوم و الطوابع قد أقرّت بموجب اجتماعات قانونية للهيئة العامة للمحامين ونشرت بالجريدة الرسمية و التي لم يطعن بها أمام أية جهة قضائية ، مما يعني أن هذه الأنظمة مستندة في أساسها للقانون و هي واجبة النفاذ و ملزمة للكافة بالتطبيق . وهنا ينبغي الإشارة للقرار القضائي الصادر عن المحكمة الدستورية المصرية بهذا الخصوص.
ب- لقد ألزم القانون رقم ( ٣ ) لسنة ١٩٩٩ بشأن تعديل قانون تنظيم مهنة المحاماة – ومنهم الكاتب العدل – في المادة ( ٢ ) منه الدوائر المختصة أو أي مرجع رسمي عدم قبول أي عقد أو نظام أو شركة إلا إذا ذيل بتوقيع أحد المحامين، فقد نصّت على التالي ( لا يجوز أن يسجل لدى الدوائر المختصة أو أي مرجع رسمي عقد أو نظام أي شركة إلا إذا نظّم بتوقيع أحد المحامين المزاولين ) ، و عليه يقع باطلاً كل سند نظمه الكاتب العدل بخلاف هذا النص ، وبل وأكثر من ذلك يكون كل من أعاق أو تهاون أو منع تطبيق هذا النص يُعدّ مرتكباً لجريمة جزائية كاملة العناصر والاركان .
ثانياً :- حق الهيئة العامة للمحامين بإصدار هذه الأنظمة :
وهنا يثور السؤال الدراماتيكي المعهود ، هل تعتبر هذه الأنظمة التي أقرتها الهئية العامه للمحامين واجبة النفاذ والتطبيق من قبل مجلس القضاء الاعلى والكاتب العدل ؟
وهل تملك نقابة المحامين إصدار الانظمة واللوائح الخاصة بتنظيم نظام السندات العدلية والطوابع ؟
أم أن صاحب الحق الوحيد بإصدار الأنظمة هو مجلس الوزراء فقط ؟
أجيب وكلي ثقة … بنعم وهذا حق ٌ لنقابة المحامين وهو يعتبر إستثناء من الأصل العام بإصدار الأنظمة واللوائح من قبل مجلس الوزراء ، وهذا له فلسفته القانونية والنقابية وأدلّل على ذلك بالآتي :
أ- إضافةً لما أوردت أعلاه من النصوص القانونية وحتى يَسهُل على السائل -حسن النية – فهم الاجابة ، لا بدّ من الولوج في فلسفة المشرع الفلسطيني -والذي حذى بذلك حذو المشرعين الدوليين- في تعزيز دور النقابات المهنية وعلى رأسها نقابة المحامين، لما في ذلك من مصلحة مجتمعية كبيره يعود نفعها على المجتمع ككل ويسهم بشكل مباشر وواضح في الدفاع عن مبدأ سيادة القانون
وحماية الحقوق والحريات العامه ، ولضمان تنفيذ وتحقيق هذة الغاية ودون تنغيصٍ أو تأثيرٍ عليها من أحد، ضَمِنَ المشرع لها إستقلالها بقرارها النقابي ، وإن من أهم عوامل هذا الإستقلال هو بالتأكيد الإستقلال بالقرار المالي ، وهنا ينبغي الاشارة إلى أن المشرع الفلسطيني وفي المادة (12) من قانون نقابة المحامين قد ألزمها بالتزامات ثقيلة وحمّلها حِملاً كبيراً وأمانةً غالية – لكنّه شرف كبير لمن يدركه – بالدفاع عن مبدأ سيادة القانون والحريات العامه وأن تحافظ على رسالة مهنة المحاماة وبذلك ميّزها عن باقي النقابات الأخرى – التي ترعى شؤون هيئتها العامه فقط – وجعلها في مواجهةٍ مباشرةٍ مع السلطة التنفيذية أو أية جهة متنفذه ، في حال تغولها على السلطة القضائية أو المَساس بالحقوق أو الحريات العامه، فكان من الطبيعي والضروري إعطاءها استقلالاً مالياً بتنظيم مواردها المالية بنفسها وبمعزل عن أية جهة كانت ، لحماية إستقلالها بقرارها النقابي وتعزيزاً لصمودها بنضالها المطلبي وحتى لا تكون رهينة في معترك هذا النضال النقابي الصعب لكائنٍ من كان، وبخاصة للسلطة التنفيذية .
ب- عدم تضارب المصالح ومبدأ الفصل :
هذا ينجلي على إعطاء الهيئة العامة للمحامين الحق بتنظيم مواردها المالية باصدار أنظمتها المالية من طوابع ورسوم وسندات عدلية -وبذلك استثناء من الاصل العام باصدار مثل هذه الانظمة من قبل مجلس الوزراء فقط – وهذا الاستثناء لم يأت من فراغ وإنما جاء لمنع تضارب المصالح والأهداف ولغّل يد السلطة التنفيذية عن التحكم بنقابة المحامين وضماناً لاستقلالها في قرارها ونضالها النقابي المشروع في حال مواجهتها للحكومة، وهذا الاستثناء ينساق أيضاً على مجلس القضاء الأعلى نفسه حينما منحه المشرع الفلسطيني الحق باصدار أنظمتة الخاصة به دون تدخل السلطة التنفيذية فيها ضمانا لاستقلالها وحمايةً لمبدأ الفصل ما بين السلطات، أم انه حلّ لكم وحرامٌ على غيركم يا معالي المستشار ؟!
لذلك فإن الهيئة العامة لنقابة المحامين ليست كمثلها من النقابات فهي من خاضت وتخوض جلَّ نضالها عن غيرها وليس دفاعاً عن منتسبيها فقط، وليس أدلّ على ذلك نضالها المستمر عن المواطن البسيط برفع رسوم المحاكم وقانون الضمان الاجتماعي والقرارات الماسة باستقلال السلطة القضائية وضمانات المحاكمة العادلة ….. وغيرها ، وفي سبيل ذلك، يا معالي المستشار تتحمل الهيئة العامة للمحامين أعباء دفاعها عن إستقلال سلطتك القضائية -التي تتغنى بها- وتقدم لذلك الغالي والنفيس وعلى حساب رزقها وقوت أولادها ، فكيف تتنكرون لها ولدورها الطليعي ولحقها الأصيل باصدار أنظمتها وتمتنعون عن تطبيقها وتدمرون صناديقها ومقدراتها وتلحقون بها أفدحَ الأضرار ؟!
ثالثاً :- الطلب :
ولكل ما تقدّم أعلاه فإن ما ورد يشكل جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات خلافاً لأحكام المواد رقم (١٨٢) و (١٨٣) من قانون العقوبات رقم (١٦) لسنة ١٩٦٠م ملتمساً من عطوفة النائب العام المحترم أخذ هذا البلاغ على محمل الجد وجلب المتهمين ومباشرة التحقيقات مع كل من يثبت تورطه بهذا الجرم الكبير وإحالتة للمحكمة المختصة وإدانتهم وإيقاع العقوبات الرادعة بحقهم والزامهم بالتعويضات والأضرار المادية والمعنوية والحكم بالرّد بإعادة الحال لما كانت علية قبل قوع الجريمة باعادة تطبيق أحكام القانون و نظامي الطوابع والسندات العدلية سنداً لنص المادة (٤٣) من قانون العقوبات .