تتواصل الجهود والتحركات الدبلوماسية الاوروبية لمنع غزو روسي محتمل لأوكرانيا، وفي الوقت نفسه تؤكد الولايات المتحدة أن لديها معلومات استخبارية بأن القوات الروسية تلقت أوامر بالمضي في غزو أوكرانيا.
منذ اعلان الرئيس الامريكي جو بايدن عن نية روسيا غزو أوكرانيا اشتعل العالم في انتظار القرار الروسي لبدء الحرب التي اصبحت في قلب النظام العالمي، وسلطت الضوء حول الأزمة بين روسيا والغرب بشأن أوكرانيا، والاسئلة حول دوافع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول الأزمة الحالية القائمة، وما هي النتايج الذي يرغب فئ تحقيها؟
بحاول الرئيسي الروسي بوتين استعادة مجد الاتحاد السوفيتي، واعادة التاج، إلى مجده السابق، ومنذ توليه سدة الحكم قبل عقدين من الزمن،، قال بوضوح إن تفكك الاتحاد السوفياتي كان مأساة وتدميراً لـ “روسيا التاريخية”.
تعتبر أوكرانيا بالنسبة لبوتين الحديقة الخلفية لروسيا، وساحة المعركة لمواجهة التمدد الامريكي الغربي ومحاولة انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي “الناتو”، والتي كانت فيما مضى جزء من الاتحاد السوفيتي وعضو في الكتلة الشرقية التي أسسها الاتحاد السوفيتي، وهو لم يستطع ان يجعلها ان تكون حليفا لروسيا، يسعى بوتين إلى وقف عملية تآكل مكانة روسيا كلاعب في الساحة الدولية، ووقف توسع الناتو، وضمان عدم قبول أوكرانيا كعضو فيه.
من هنا يظهر طموح بوتين لإعادة بناء الاتحاد السوفيتي، ومحاولة سيطرة روسيا على الفضاء المحيط بها، واحتواء مساعي الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي لتوسعه في أوكرانيا واخراجها من السطوة الروسية.
كما يحاول بوتين الاستفادة من الفرص المتاحة وبذل جهود حثيثة لاختراق النظام العالمي القائم وبناء روسيا كقوة عالمية تستطيع كسر نظام احادي القطبية، واستعادة النظام العالمي متعدد الأقطاب، بطريقة أو بأخرى اختراق الوضع الخاص الخالي، إلى ما كان قائماً بعد الحرب العالمية الثانية.
واعتبر بوتين محاولة أوكرانيا الانضمام إلى الناتو إلى تحد للنظام القائم، والقيام بتوجيه إنذار أخير إلى الولايات المتحدة والدول الغربية وعدم السماح بتوسع الناتو في الشرق والقضاء على وجوده الاستراتيجي في أوروبا الشرقية، واستغلال الصورة الناشئة عن إضعاف السيطرة الغربية في النظام الدولي.
وتحاول روسيا ايضا إلى رفع العقوبات الاقتصادية والسياسية المفروضة عليها من الولايات المتحدة والغرب والتعافي من الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها، وللعلم فإن روسيا تخضع منذ العام 2014، لعقوبات شديدة.
ولم ينسى بوتين الاستثمار في أزمة الطاقة في الدول الأوروبية، حيث أن مصادر الطاقة هي منتج التصدير الرئيسي لروسيا. إن الأزمة الحالية تجعل من الممكن إنتاج نظام من الضغوط الدولية.
ومن المعلوم أن روسيا تعتمد اعتماداً كلياً على النفط والغاز الطبيعي الصادرات (أكثر من ثلث الناتج المحلي الإجمالي وحوالي ثلثي الصادرات) دول الاتحاد الأوروبي ، وعلى رأسها ألمانيا، هي المستهلك الرئيسي.
وحتى العام 2011، كان خط الأنابيب الرئيسي الذي بتم نقل الغاز الطبيعي من خلاله يعبر من أوكرانيا. منذ ذلك العام، ويعمل خط أنابيب الغاز نورد ستريم، الذي يمتد مباشرة من روسيا عبر بحر البلطيق إلى ساحل شمال ألمانيا. من أجل تلبية الطلب الأوروبي على الطاقة، وتم تركيب “نورد ستريم 2” ، الذي لم يبدأ بعد في توريد الغاز ، وأصبح الآن جزءً من المعركة الخاصة بأوكرانيا.
خفضت خطوط أنابيب الغاز الالتفافية في أوكرانيا إيراداتها بمقدار ملياري دولار سنويًا، وتمارس روسيا ضغوطًا على أوكرانيا وتسبب خلافات بين ألمانيا ومصلحتها في خفض سعر الغاز المستورد، وكذلك الشركات الألمانية المشاركة في مشروع خط أنابيب بحر البلطيق.
في ضوء الواقع القائم والاسباب وراء الأزمة الحالية وأنها تدور بشأن أوكرانيا في مواجهة حلف الناتو، والمطالبة بتغيير النظام العالمي، وعلى الرغم من الحشود العسكرية الكبيرة والتأكيد الامريكي وتحذيراته بنوايا روسيا غزو اوكرانيا، لا تزال التحركات الدبلوماسية مستمرة، كذلك الحوار مستمر بين الطرفين، وإن المفاوضات لم تنته بعد. لكن الامور لا تبشر بالخير. ومن الواضح أن الطرفين يفضلان حلاً وسط، وقد يكون من السابق لأوانه التوصل إلى حل وسط.