حذر مسؤولون أمنيون ومحللون عسكريون اليوم، الأحد، من عواقب الدعوات التي تعالت في إسرائيل، أول من أمس، لاغتيال زعيم حركة حماس في قطاع غزة، يحيى السنوار، ردا على عملية إلعاد. وقال وزير الأمن الإسرائيلي، بيني غانتس، لهيئة البث العامة “كان” إنه “يجب اتخاذ القرارات العملياتية في غرف مغلقة ومن خلال اعتبارات أمنية. وهذا ليس موضوعا سياسيا، وينبغي أن يبقى ذلك في الأماكن الصحيحة”.
وانعكست التحذيرات في الصحف الإسرائيلية، اليوم، التي صدرت بتحليلات معاكسة عن أول من أمس. وأشار المحلل العسكري في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، أليكس فيشمان، إلى أن “لاغتيال السنوار يوجد معنى فوري واحد: مواجهة مسلحة”.
وأضاف أن “هذه قد تكون مواجهة مسلحة كبيرة أو صغيرة، والجيش الإسرائيلي قد يدخل أو لا يدخل إلى غزة، وستنتقل أو لا تنتقل المواجهة المسلحة إلى الضفة، وقد تنتهي المواجهة خلال أيام بالعودة إلى المربع الأول، وقد تكون أيضا مكعب الدومينو الذي سيتدهور إلى مواجهة شاملة في عدة جبهات”.
وبحسبه، فإن “المعاني واضحة للجيش. واغتيال علني لزعيم حماس كان ولا يزال إنجازا مطلوبا في حالة الحرب، أو كما وصف ذلك مصدر أمني رفيع: دولة ينمو ناتجها المحلي 6% سنويا لا تشن حربا بعد إطلاق أي قذيفة صاروخية من قطاع غزة، ولا تتنازل عن وتيرة نمو كهذه فيما لدى الجانب الآخر قذائف صاروخية”.
وتابع فيشمان أن “يحيى السنوار رجل براغماتي. ولا شك أنه نزل إلى العمل السري. ووفقا لملامحه الشخصية التي تبلورت في إسرائيل، فإن زعيم حماس سيحاول تبريد الأجواء على أمل تهدئة إسرائيل. ودور زعيم في حرب دينية ظلامية أكبر من مقاييسه. ولا توجد براغماتية في الحروب الدينية. ومن أجل كبحها، يجب أن يختفي القادة المحرضين”.
واعتبر فيشمان أن جهاز الأمن الإسرائيلي توصل إلى استنتاج أن “حماس والسنوار تجاوزوا الحدود وعلى إسرائيل إعادة سقف الردع بواسطة اغتيال قد يؤدي إلى مواجهة. وهذا ليس لأن الجمهور يطالب المستوى السياسي برد هجومي على سلسلة عمليات. وذلك تماما مثلما بحث الأميركيون عن أحد ما ليكسروا عظامه بعد مهاجمة برجي التوأم، وصدام حسين كان المربع الملائم. ومثلما لم يكن صدام حسين مسؤولا عن إسقاط برجي التوأم، هكذا أيضا حماس ليست مسؤولة مباشرة عن القتلة في الموجة الحالية”.
وأضاف أنه “بالرغم من أن حماس تركب الموجة وبالإمكان اتهامها بالتحريض، لكن ملامح منفذ العمليات الجديدة تدل على أنه غاضب على حماس التي يدعي أنها باعت الكفاح المسلح مقابل تسهيلات اقتصادية إسرائيلية. والتأييد لمحمد ضيف ليس تأييدا لحماس وإنما تأييد لقائد عسكري”.
وأشار فيشمان إلى أنه “إذا قرر أحد ما هنا اغتيال السنوار وشن معركة، فإن هذا سيكون بسبب سيطرة حماس على سردية المسجد الأقصى وفقدان حماس السيطرة على تغلغل الإيرانيين وحزب الله إلى قطاع غزة. وليس مستغربا أن أحداث رمضان انتهت هذه السنة بأعلام حماس ولافتة كبيرة في المسجد الأقصى تحيي حماس شعبها من خلالها. والسماح لحماس بالسيطرة على الأقصى هو تجاوز للخطوط”.
وبحسب المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس”، عاموس هرئيل، فإن الجيش الإسرائيلي استغرب دعوات سياسيين وصحافيين إسرائيليين لاغتيال السنوار بعد عملية إلعاد. “أولا، لأن لحماس علاقة غير مباشرة مع هذه العملية – والد أحد منفذيها معروف كناشط في الحركة، ولذلك سارعت حماس إلى تبني مسؤوليتها. ثانيا، اغتيال السنوار لم يكن مطروحا أبدا قبل العملية، وعلى الأقل في الأماكن التي يتخذ فيها القرار. وثالثا، ليس مؤكدا أبدا أن إخراج السنوار من المعادلة سيوقف بشكل سحري موجة الإرهاب الحالية”.
وأضاف أن “جميع الحكومات الأخيرة – حكومات بنيامين نتنياهو وحكومة نفتالي بينيت – تمسكت بمحاولة التفريق المدروس بين الضفة والقطاع. والسنوار حطّم هذه المعادلة العام الماضي، عندما ربط خلال عملية حارس الأسوار العسكرية بين القذائف الصاروخية من غزة والمواجهات في المسجد الأقصى وداخل الخط الأخضر. ولا شك أنه رسّخ لنفسه شعورا بالحصانة مبالغا به. إلا أن التوقعات لنجاح حلول فورية، بالاغتيال، تبدو سخيفة”.
ولفت هرئيل إلى أنه “سيكون من الصعب مفاجأة السنوار الآن، بعد كل التهديدات والتصريحات. والاغتيال يعني جولة حربية مع غزة، لا تريدها إسرائيل الآن. كما أنه حتى اليوم، كانت الاغتيالات نتيجة ضلوع في محاربة الأرهاب. وبالإمكان دائما التلويح باغتيال زعيم الجهاد الإسلامي فتحي شقاقي، وقائد فيلق القدس قاسم سليماني، بأنها ألحقت ضررا بمنظماتهم. لكن في الحلبة القريبة حصرا، مقابل حماس، فإن عشرات الاغتيالات لقادة الحركة، وبينها اغتيال الشيخ أحمد ياسين، لم تدفع حتى اليوم أي إنجاز إسرائيلي هام، باستثناء إشباع شهية الانتقام لفترة قصيرة. والتجربة تدل على أن هذه تزول فورا بعد العملية المضادة الأولى” التي ينفذها فلسطينيون.
من جانبه، أشار المحلل العسكري في صحيفة “يسرائيل هيوم”، يوآف ليمور، إلى أنه “يحظر اتخاذ القرار حول اغتيالات بالاستناد إلى العواطف وغريزة الانتقام. وإنما يجب اتخاذه بشكل مدروس، وانطلاقا من الإدراك أن الاغتيال ليس المرحلة الأخيرة من المعركة، وإنما المرحلة الأولى فيها. وبعد الاغتيال بوقت قصير جدا ستبدأ معركة يجب أن نكون مستعدين لها، وعندكا تنتهي المعركة سنبقى مع الواقع في غزة، الذي لن يتغير”.
ووفقا لليمور، فإن الحكومة الإسرائيلية ناقشت في السنوات الأخيرة اقتراحات عديدة، خاصة من جانب رئيس الشاباك السابق، ناداف أرغمان، لاغتيال السنوار، وأن جميع هذه الاقتراحات رُفضت من جانب نتنياهو، “الذي فضّل إجراء حوار مع حماس في محاولة للوصول إلى تهدئة طويلة الأمد. والحكومة الحالية اختارت الاستمرار بالسياسة نفسها حتى الآن. وبين أسباب ذلك، حقيقة أن حماس نجحت في الحفاظ على القطاع هادئا بشكل كامل خلال السنة الأخيرة، ونقلت رسائل بطرق عديدة، خاصة بواسطة المصريين، مفادها أنه لا توجد لديها أي مصلحة بالتصعيد. وكان الاعتقاد في الجانب الإسرائيلي أن الاستثمار المدني – الاقتصادي، بالمشاريع وخروج عمال للعمل في إسرائيل وتوسيع عمل المعابر وتصاريح صيد الأسماك، هو اللاجم الأفضل للحرب، لأنه يضع ثمنا يمكن أن يخسره الجمهور الغزي، الذي يحض حماس على الحفاظ على تهدئة”.
وبحسب مراسل “يديعوت أحرونوت” العسكري، يوسي يهوشواع، فإنه في اليوم الخامس للعدوان على غزة في أيار/مايو الماضي، أبلغ الجيش الإسرائيلي نتنياهو بأنهم أنهوا مهامهم وأنه بالإمكان إنهاء العدوان، لكن نتنياهو حث على الاستمرار “وطالب بإحضار أحد رأسين، السنوار أو ضيف. وحاول الجيش الإسرائيلي والشاباك اغتيالهما عدة مرات، والتركيز على ضيف خصوصا، لكن دون نجاح”.
وأضاف يهوشواع أن “الجيش يعترف بفشله في المستوى التكتيكي، وحتى أن رئيس أركان الجيش، أفيف كوخافي، قال بصوته إنه ’فشلنا’ بعد عملية إلعاد التي تضاف إلى عملية تل أبيب، التي نُفذت بعد نشر مئات الجنود عند الثغرات في الجدار”.