تحليلات إسرائيلية : عندما ينتهي العدوان على جنين سيستأنف الفلسطينيون المقاومة

في اليوم الثاني للعدوان على مدينة جنين ومخيمها، ركّز معظم المحللين في الصحف الإسرائيلية اليوم، الثلاثاء، على جوانب عسكرية تكتيكية، أبرزها إنهاء العملية العسكرية، بادعاء أن العدوان “حقق أهدافه”، وقبل أن يتورط جيش الاحتلال بتكبده خسائر وارتقاء عدد كبير من الشهداء الفلسطينيين. إلا أن المحللين أهملوا، كعادتهم، الجانب الأهم، وهو أن عمليات عدوانية كهذه لا تؤدي، ولم تؤد في الماضي، إلى وقف مقاومة الاحتلال والعدوانية الإسرائيلية، ولا إلى تراجع هذه المقاومة، بل ربما تُصعّدها.

واعتبر الجنرال في الاحتياط والرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، غيورا آيلاند، في “يديعوت أحرونوت”، أن “هدف العملية العسكرية هي استهداف أكثر ما يمكن من البنية التحتية وناشطي الإرهاب وبأقل ما يمكن من مخاطر على قواتنا، واستهداف الحد الأدنى من غير الضالعين (في القتال) وبأقصر وقت”.

وبحسبه، فإن “إنجازات عمليات عسكرية من هذا النوع تكون مرتفعة في الساعات الأولى وتميل إلى التضاؤل مع مرور الوقت. وثمة أهمية لإنهائها قبل تورط عسكري، وقبل أن تتسرب النيران إلى مناطق أخرى وقبل أن تترج التنديدات ضدنا من جانب أصدقاء في العالم العربي إلى خطوات سياسية”.

وأشار آيلاند إلى أن حماس في غزة امتنعت عن إطلاق قذائف صاروخية، لكن “من الجائز أن تسمح بإطلاق محدود، تضامني، لكن من الواضح أنها غير معنية حاليا بجولة (قتال) واسعة في غزة”. واعتبر أن “هذا إثبات آخر على أن التعويض الاقتصادي الذي تحصل عليه من إسرائيل، على شكل تصاريح دخول لعمال وتعاون في ترميم البنية التحتية، هي خطوة ناجعة ليس أقل من ممارسة القوة”.

وادعى آيلاند أن “الواقع الأمني الصعب” في شمال الضفة الغربية المحتلة “نشأ بسبب عوامل ليست مرتبطة بنا”، وإنما على إثر “ضخ المال والسلاح بمبادرة إيرانية، وضعف داخلي للسلطة الفلسطينية ووجود آلاف الشبان الفلسطينيين اليائسين والذين يعتاشون من إطلاق النار على إسرائيليين”، أي المستوطنين وجنود الاحتلال.

وأضاف أن على إسرائيل اختيار أحد خيارين، كي لا تنتشر المقاومة (“الإرهاب” بحسبه) إلى كافة أنحاء الضفة. “سلطة فلسطينية مستقرة وتؤدي مهامها هي مصلحة إسرائيلية، أو أنها عدو ولذلك فإن المصلحة الإسرائيلية بانهيارها. ورئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، يؤيد في العلن التوجه الأول، والوزير بتسلئيل سموتريتش يؤيد البديل الثاني. وثمة تأثيرات كبيرة جدا لأي اختيار، لكن لا يمكن ألا نقرر”.

وتابع أنه بالرغم من أن التركيز على العدوان في جنين حاليا، “لكن يحظر نسيان أن التهديد العسكري الأهم هو حزب الله. فهو يحاول المناورة بين الارتداع من حرب شاملة وبين الحاجة إلى إرضاء زعيمه في طهران وتبرير مئات الملايين التي يتلقاها منه”.

وخلص آيلاند إلى أن “إيران تتطلع إلى تكتل الجبهات ضد إسرائيل. وهي تشعر أن مكانتها المتحسنة تُنشئ فرصة لخطوة كهذه. وثمة أهمية أن نعرف، حتى أثناء التركيز على جنين، رصد اتجاهات أكبر وأكثر خطورة”.

وبحسب المحلل العسكري في صحيفة “معاريف”، طال ليف رام، فإن الجيش الإسرائيلي كان قريب، مساء أمس، من “تحقيق غايته، مثلما حددها المستوى السياسي له، أن تكون هذه غزوة موضعية في محيم جنين”.

وأشار إلى أن عديد القوات المشاركة في العدوان هو بحجم لواء عسكري بمساندة جوية، “هدفه استهداف النية التحتية الإرهابية، التي رُصدت مسبقا كأهداف خلال عملية جمع المعلومات التي استمر قسم منها شهورا طويلة في قيادة المنطقة الوسطى”، معتبرا أن “هدف هذا كله هو استهداف تنظيمات إرهابية في مخيم اللاجئين ومن أجل تحقيق غاية الردع وإظهار أن الجيش الإسرائيلي قادر وبإمكانه الوصول إلى قلب مخيم اللاجئين واستهداف التنظيمات فيه”.

ورغم عدد عمليات الاعتقال الرهيب الذي ينفذه جيش الاحتلال يوميا في الضفة الغربية، وخاصة في جنين ومخيمها، على مدار السنة، اعتبر ليف رام أن اعتقال ثلاثين مشتبها في مخيم جنين، أمس، ونقلهم إلى التحقيق لدى الشاباك، “من شأنه أن يزود الجيش الإسرائيلي والشاباك بأجزاء أخرى من بازِل المعلومات المخابراتية التي تنقص صورة وضع الإرهاب الحقيقية في مخيم اللاجئين. وقد تكون أهمية لهذا المعطى حيال عمليات عسكرية أخرى في جنين”.

وبحسب ليف رام، فإن “ضربة البداية من الجو وكمية الجنود الكبيرة التي اقتحمت جنين، هي التي سمحت في نهاية الأمر للجيش الإسرائيلي بعامل المفاجأة. وهذا بالرغم من أنه في مخيم اللاجئين أدركوا على ما يبدو اقتحام الجيش الإسرائيلي، قبل ذلك بساعات”.

وأضاف أن “مستوى المقاومة في المخيم كانت أقل من التقديرات”، إلا أنه أشار إلى أنه “يدركون جيدا في الجيش، وكذلك وزير الأمن يوآف غالانت، أن صورة القتال قد تتغير بسرعة، وخاصة فيما يوجد عدم تناسبية واضح بين قدرات وأفضليات الجيش الإسرائيلي وبين المنظمات في جنين. ومهما كانت عملية عسكرية واحدة ناجحة، فإنها لن تحل مشكلة الإرهاب في يهودا والسامرة”.

وأشار ليف رام إلى “معضلة إسرائيلية”، تتمثل بحسبه بأن تصعيدا آخر في الضفة الغربية “يتناقض كليا مع مصالح أمنية – سياسية إسرائيلية أخرى، والرابح الأساسي هي إيران. والاعتقاد في الجيش الإسرائيلي هو أن حماس ستبذل جهدا كي لا تجرّ نفسها وقطاع غزة إلى داخل الحدث في جنين. لكن كلما استمرت العملية العسكرية وقتا أطول ويرتفع عدد القتلى الفلسطينيين، سيتقلص حيّز مناورة حماس وتتزايد الضغوط عليها من أجل الرد بإطلاق قذائف صاروخية”.

ولفت المحلل العسكري في موقع “واينت” الإلكتروني، رون بن يشاي، إلى أنه “بالإمكان الترجيح أن الكثيرين من مسلحي ’كتيبة جنين’، وهي التنظيم المحلي للجهاد الإسلامي الفلسطيني، حماس والمنشقين عن حركة فتح، سيعودون إلى العمل عندما يخرج الجيش الإسرائيلي من المخيم. وينبغ هذا من خطوات ينفذها الجيش الإسرائيلي الذي ينصب كمائن الآن للمسلحين في أزقة المخيم، لم تحقق النتائج المرجوة”.

وفيما يطلق وزراء إسرائيليون مثل سموتريتش تصريحات منفلتة، مثل “إعادة الردع الإسرائيلي واجتثاث الإرهاب”، دعا المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس”، عاموس هرئيل، إلى خفض مستوى هذه التوقعات. “فالقيادة العليا للجيش الإسرائيلي تتحدث عن العملية العسكرية بمصطلحات مختلفة كليا. فهذه عملية محدودة من حيث مدتها ومنطقتها وأهدافها، وهي تهدف إلى إعادة مجهود الإرهاب الفلسطيني في جنين، الذي تصاعد خلال السنة ونصف السنة الأخيرة، عدة خطوات إلى الوراء”.

وأضاف أنه “لا يوجد لدى قيادات أجهزة الأمن الإسرائيلية أي أوهام بأنه سيتم تحقيق تغييرا جذريا في الواقع الأمني. والهدف هو توجيه ضربة تضع مصاعب أمام التنظيمات الناشطة داخل مخيم اللاجئين جنين لاستهداف إسرائيليين، لفترة معينة”.