شدد خبير أمني تركي على أن معركة “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 كانت “بمثابة فشل استخباراتي لإسرائيل”، مشيرا إلى أن العملية كانت أيضا “هجوما مفاجئا يعتمد على عملية استخباراتية ناجحة” لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”.
وفي صباح السابع من تشرين الأول/ أكتوبر عام 2023، أعلنت حركة حماس عن بدء معركتها الكبرى ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي تحت اسم “طوفان الأقصى” ردا على اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني ومقدساته، بما في ذلك المسجد الأقصى المبارك.
وقال مدير مركز “تحليل المخاطر الأمنية”، سرحات إيركان، إن “الفشل الذي لحق بإسرائيل يوم 7 أكتوبر لم يكن بسبب عدم قدرتها على جمع المعلومات، بل بسبب فشلها في تحليل الوضع”.
وأضاف في مقال نشره في موقع “فكر تورو” التركي تحت عنوان “7 أكتوبر.. تحليل استخباراتي والدروس المستفادة”، أن “المعلومات الواردة؛ لعدم الالتفات إلى التحذيرات؛ من الثقة المفرطة في قوته؛ الاعتماد بشكل مفرط على الافتراضات الراسخة عند إجراء التحليل؛ وذلك لاعتقاده أن لها تأثيرا رادعا كبيرا”.
وشدد سرحان على أن “ما جعل حماس متفوقة على إسرائيل هو استخدامها الصحيح لعوامل الصبر والتستر والخداع والمباغتة”.
اقرأ أيضا:
“جمهورية الموساد”.. كاتب تركي يتحدث عن “نفوذ” استخبارات الاحتلال في إيران
وفي الأسابيع التي تلت السابع من أكتوبر، أشار الكاتب التركي إلى ظهور تقارير كثيرة تفيد بأن تصرفات حماس كانت ملحوظة بالفعل قبل العملية. وكان أبرزها ما يأتي: “اكتشف محلل في الوحدة المسؤولة عن استخبارات الإشارات الإسرائيلية استعدادات حماس مسبقاً وحذر رؤساءه من أنه سيكون هناك هجوم، لكنه لم يتمكن حتى من إقناع قائده”.
ونقل تقرير إخباري آخر، أنه “في اليوم السابق للهجوم، اجتمع رؤساء جميع أجهزة المخابرات الإسرائيلية الرئيسية وعقدوا اجتماعا؛ تمت مناقشة المعلومات التي تم الحصول عليها من خلال العديد من أشكال الجمع المختلفة مثل المراقبة الفنية، وجمع البيانات الإلكترونية، والحصول على الصور؛ وفي نهاية المطاف، خلص الفريق إلى أنه حتى لو وقع هجوم، فإنه لن يكون عملاً واسع النطاق، ولذلك فليست هناك حاجة لرفع مستوى التأهب”.
وتابع الكاتب قائلا: “اسمحوا لي أن أكتب عن تقرير آخر. نشرت وسائل الإعلام العالمية أنه قبل حوالي 10 أيام من الهجوم، أجرى وزير المخابرات المصري مكالمة هاتفية خاصة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وقال له إن الغزيين يخططون لهجوم كارثي غير مسبوق، لكن نتنياهو تجاهل ذلك تماما”.
وحذر الكاتب من الانسياق وراء نظريات المؤامرة بناء على التقارير المشار إليها، موضحا أن “إجراء التحليل الصحي يتم من خلال الانتقال من السبب إلى النتيجة؛ نظريات المؤامرة تنتقل من النتيجة إلى السبب”.
وأضاف أنه “نادرا ما تسمح لك هذه الطريقة بإجراء تحليل دقيق. إذا قمت بتحليل ما يحدث من السبب إلى النتيجة، فإنه يمكنك فهم الظاهرة التي أمامك بشكل أفضل. وهذا ما أحاول القيام به”.
“عندما تجتمع المفاجأة والفشل”
الباحث التركي، لفت إلى أن “من أهم مشاكل أجهزة الاستخبارات حجم ما هو متوقع منها. ويفترض صناع القرار والسياسيون والصحفيون والجمهور أن الوكالات تعرف كل شيء قبل أي شخص آخر بسبب غموض عالم الاستخبارات”.
وأشار إلى أنه “في الواقع، هذا ليس بالأمر السيئ. لأنه في بعض الأحيان يخيف الأشرار ويمنعهم من القيام ببعض الأشياء التي يريدون القيام بها. ولكن في العالم الحقيقي، لا تستطيع أي حكومة أو منظمة معرفة كل الأشياء المهمة على وجه الأرض قبل حدوثها”.
وحتى اليوم، حيث يوفر الذكاء الاصطناعي فرصًا عظيمة وتقوم أجهزة الكمبيوتر المتقدمة بأرشفة وتصنيف وتقييم وإجراء حسابات احتمالية بشكل أسرع بكثير من البشر، فإن كمية المعلومات التي يمكن للبشر إنتاجها في دقيقة واحدة أكبر بكثير مما يمكنهم استهلاكه. بمعنى آخر، فإنه ليس من الممكن حتى الآن معرفة كل شيء مسبقا، وفقا للمقال.
وأشار سرحان، إلى أن هذا سبب وقوع أحداث كبرى غير متوقعة عدة مرات خلال القرن العشرين، بما في ذلك أحداث 11 أيلول/ سبتمبر والثورة الإيرانية.
قبل 7 أكتوبر، شدد الكاتب على أن حركة حماس نفذت عملية إخفاء وخداع ناجحة، نتيجة سنوات عديدة من الإعداد. ولاحظت حماس العملاء الذين اخترقتهم إسرائيل داخل المنظمة وحولتهم إلى عملاء مزدوجين.
وهكذا، فإنها لم تمنع التسلل إلى داخل المنظمة فحسب، بل إنها ضللت إسرائيل أيضا بشأن نواياها، بحسب المقال.
وشدد الكاتب، على أن “أكبر نقاط الضعف في العصر الإلكتروني هي أن الجهات الفاعلة غير الحكومية قادرة على إعادة تقديم الممارسات القديمة التي تعمل على تعطيل التكنولوجيا المتقدمة”.. موضحا أنه من الصعب العثور على شخص لا يستخدم التكنولوجيا.
وقال إنه حتى وقت قريب، كان المفهوم الأساسي لإسرائيل هو الردع. وبينما كانت تبني قوتها العسكرية الضخمة لتصعب الحياة على خصومها، فإنها كانت تدفع الجانب الآخر إلى الدفاع، مشيرا إلى أن الاحتلال “قام بتنظيم توازن التهديد في إطار تفوقه العسكري وأعتقد أنه يستطيع الحد من قدرة التهديد لدى منافسيه من خلال عمليات عسكرية محدودة”.
ولذلك، فإن المعلومات التي فسرها المسؤولون الإسرائيليون على أنها “إشارة ضعيفة” وضربت جدران التعصب والغطرسة، رغم أنهم تلقوها من مصادر مختلفة، جعلت حماس تمنح إسرائيل يوماً لا ينسى، ودفعتها ثمن الهجوم المفاجئ والفشل الاستخباراتي بخسارة المئات من مواطنيها.
بعد السابع من أكتوبر
وذكر الكاتب ببدء إسرائيل بارتكاب المجازر في قطاع غزة بعد أيام قليلة من هجوم حماس. وفي هذه العملية، أبطأت حماس جيش الاحتلال الإسرائيلي لفترة من الوقت.
ومع ذلك، فإنه وفقا للكاتب، فإن “الجيش الإسرائيلي، الذي يحظى بدعم جزء من العالم والذي ينتهك القانون الدولي بشكل روتيني، سيطر على جزء كبير من غزة. كما أنها وقعت اشتباكات دامية خلال هذه الفترة. لكن مع مرور الأشهر، أصبح مصدر القلق الأكبر هو احتمال نشوب حرب إقليمية تشمل لبنان وإيران”.
وشدد سرحان، على أن “الأمر الأكثر إثارة للدهشة في هذه العملية، في سياق العمليات الاستخباراتية والصراع، هو رؤية إسرائيل تتعلم من المشاكل التي واجهتها”.
على سبيل المثال، فقد بذلت إسرائيل قصارى جهدها لتجنب الوقوع في فخ في غزة بسبب الخسائر الفادحة التي يمكن أن تترتب على عملية في الأنفاق والمناطق السكنية. ولهذا السبب فإنها دمرت حياة عشرات الآلاف من المدنيين، وفقا للمقال.
ومع ذلك، فإنه يبدو أن التجارب والتحليلات السابقة التي أجرتها أجهزة الاستخبارات قد حذرت الجيش الإسرائيلي من الهزيمة التي يمكن أن يسببها إرسال القوات إلى غزة. وبالمثل، ظلت إسرائيل بعيدة عن القيام بعملية برية في لبنان لفترة طويلة.
وبعد فشل العملية ضد حزب الله في جنوب لبنان عام 2006، استعدت إسرائيل منذ أشهر للاشتباك مع حزب الله، وهذه المرة قامت بتفعيل عامل المفاجأة. بل إنه يمكن القول: كما أخطأت إسرائيل في ما يتعلق بحماس قبل 7 أكتوبر، فقد ارتكبت إيران وحزب الله نفس الخطأ في ما يتعلق بقدرة إسرائيل ونواياها، وفقا للكاتب.
وأشار سرحات، إلى أنه “مع توقع أن تتجه إسرائيل بسرعة نحو لبنان في عام 2006، فقد أطلق حزب الله مراراً وتكراراً هجمات صاروخية ضد شمال إسرائيل. وعندما أدركت إسرائيل أنها لا تستطيع الدفاع عن المنطقة، فقد قامت بتوطين حوالي 60 ألفاً من مواطنيها في الداخل”.
في البداية، أوضح المقال، أن “إيران وحزب الله اتبعتا استراتيجية أدت إلى إبقاء الصراع محصورا في غزة دون توسيعه وإبعاد إسرائيل عن لبنان. لكن هذه المرة رأينا أن إسرائيل أخفت استعداداتها لعملية مفاجئة تحت غطاء الاستجابة لتوقعات حزب الله وإيران”.
وشدد على أن “جميع عمليات إسرائيل في لبنان ستذهب في النهاية سدى ما لم يتم قطع الاتصال بين حزب الله وإيران. ولذلك فقد قامت إسرائيل هذه المرة بتفعيل عامل المفاجأة”.
وأشار إلى أنه “في ساعات الصباح الباكر من يوم 16 أيلول/ سبتمبر 2024، عندما قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت إن الطريقة الوحيدة لضمان عودة المواطنين الذين اضطروا إلى مغادرة منازلهم في شمال إسرائيل هي عملية عسكرية. وفي الليلة نفسها، أعلن مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي أن هدف الحرب ضد حزب الله هو إعادة المواطنين إلى منازلهم”.
وقال الكاتب، إن “إسرائيل استخدمت الكثير من الخطابات المماثلة وهددت حزب الله حتى الآن؛ كنا نظن أن هذه التصريحات لم تكن مختلفة. ومع ذلك، فقد أعلنت الحرب علانية على حزب الله. في واقع الأمر، في اليوم التالي، يوم 17، كان هناك هجوم بيجر. وفي الوقت نفسه، انفجرت آلاف أجهزة النداء التي يستخدمها مقاتلو حزب الله”.
وأضاف أنه “بينما كان الكثير منا يناقشون كيفية تنفيذ هذه العملية ويحاولون حل ألغازها، بعد ثلاثة أيام، في 20 أيلول/ سبتمبر، فقد نفذت إسرائيل واحدة من أكثر العمليات الجوية تنسيقا في التاريخ ضد لبنان. وفي الهجوم الذي فقد فيه عشرات المدنيين أيضا أرواحهم، قُتل أكثر من ثلاثة أرباع القيادة العليا لحزب الله في يوم واحد. وبعد 8 أيام، قُتل زعيم حزب الله حسن نصر الله بطريقة مماثلة. ومنذ ذلك الحين، استمر استهداف بقية قادة حزب الله”.
وتابع الكاتب متسائلا: “أليس هناك فشل استخباراتي من جانب حزب الله وإيران، وإخفاء وتخطيط واستخدام عامل المفاجأة من جانب إسرائيل؟ أعتقد أن هناك فشلا استخباراتيا. وقد ضربت إسرائيل حزب الله وإيران بنفس السلاح الذي استخدماه ضدها”.
ويمكن القول، بحسب الكاتب، كيف يمكن لحزب الله وإيران التنبؤ بما ستفعله إسرائيل..
وأجاب سرحان على هذا التساؤل بالقول إنه “ليس من الصعب أن ننظر إلى الوراء قليلا. حيث كانت إسرائيل تستهدف كبار موظفي حزب الله منذ فبراير/ شباط. وقد تم استهداف بعض أهم الأسماء بعد نصر الله في أشهر الصيف”.
بالإضافة إلى ذلك، “كانت الأراضي السورية، التي استخدمها حزب الله كمنطقة عمق، مستهدفة من قبل إسرائيل بشكل لم يسبق له مثيل. القصف الإسرائيلي العنيف الذي دمر تلال مصياف وسط سوريا، التي تضم إحدى أكبر منشآت إنتاج الصواريخ التابعة لحزب الله في سوريا، ليلة 8 أيلول/ سبتمبر يمكن قراءته على أنه نذير لشيء كبير قادم”، وفقا للمقال.
وأشار الكاتب، إلى أن “إسرائيل، كانت تستهدف الشخصيات القيادية الإيرانية في سوريا منذ أشهر وتنفذ عمليات لتحييد المليشيات الإيرانية في سوريا”، موضحا أن “النظر إلى كل هذا وعدم رؤية ما هو قادم، وعدم فهم ليس فقط أهداف إسرائيل الاستراتيجية، بل وأيضا العملية التي يمكن أن تنفذها تكتيكيا، يبدو بمثابة فشل استخباراتي لإيران وحلفائها”.
الدروس المستفادة خلال عام
وبناء على التحليل الذي أورده، فقد استخلص الكاتب عددا من الدروس المستفادة من الأحداث المتسارعة في المنطقة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وهذه الدروس، أوردها الباحث على النحو الآتي:
◼ رغم كل التطورات التي طرأت على وسائل الحصول على المعلومات اليوم، فإن المفاجأة ممكنة. وتعتبر أنشطة الإخفاء والخداع من بين القضايا التي توليها وكالات الاستخبارات أهمية قصوى.
◼ لا تكمن الصعوبة في الحصول على المعلومات، بل في فهمها. ولهذا أقول: التحليل ثم التحليل ثم التحليل.
◼ التعلم من الأخطاء، إذ يعد فحص أخطاء الماضي أحد أهم الطرق التي تتعلم بها المنظمات.
◼ ضرورة دراسة العلاقة بين النجاح التكتيكي والنجاح الاستراتيجي عند إجراء التحلي