11:43 ص
الخميس 17 مارس 2022
(دويتشه فيله):
سواء في العراق الغني بالنفط أو المغرب الفقير به، يتظاهر الناس احتجاجا على ارتفاع أسعار المواد الغذائية وفقدانها. وفي وقت تتزايد فيه التحذيرات من احتجاجات تطال دولا أخرى، فإن السؤال المطروح هو: كيف السبيل لمواجهة الأزمة؟
يُعد العراق من أغنى بلدان العالم بالنفط وأكثرها دعما لأسعار السلع الغذائية الأساسية. لكن حتى في هذا البلد الغني تتسع الاحتجاجات ويزداد الغضب والسخط على الحكومة بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا. وشمل هذا الارتفاع بشكل خاص الطحين والزيوت النباتية التي تستهلكها الأسر بشكل يومي وبمعدلات عالية. وقد عبر الناس عن غضبهم على ذلك في الناصرية ومدن ومناطق أخرى داعين إلى وضع حد لمشكلة ارتفاع أسعار الخبز والمواد الغذائية الأخرى. هذا ولم تفلح إجراءات الحكومة الأخيرة المتعلقة بدعم أجور ورواتب شريحة واسعة من العراقيين بنحو 70 دولارا شهريا، في الحد من الغضب والاحتجاجات على أزمة يرى قسم كبير من العراقيين أنها تتفاقم وتجعلهم بالكاد يتدبرون أمورهم. ويزيد الطين بلة أن 30 إلى 40 بالمائة من الشباب العراقي عاطل عن العمل وليس لديه دخل.
احتجاجات في المغرب
وإذا كانت الأزمة تضرب بهذه القوة بلدا كالعراق الذي بلغت عائداته النفطية نحو 8,5 مليار دولار في شهر فبراير الماضي لوحده، فكيف بالبلدان العربية الفقيرة أو المحرومة من عائدات كهذه مثل اليمن ولبنان وتونس والمغرب والأردن وسوريا والسودان وموريتانيا؟ فهذه البلدان وعلى ضوء قلة مواردها ستعاني من ارتفاع أسعار مزدوج وفاحش وغير مسبوق للأغذية بسبب الارتفاع غير المسبوق في أسعار الديزل والبنزين والغاز، والذي يؤدي بدوره إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج والنقل. وعلى ضوء ذلك هناك وعلى سبيل المثال خشية كبيرة في المغرب من انفجار أسعار المستهلكين حسب صحيفة “ليكونومست” المغربية.
ويؤدي الارتفاع المتواصل في أسعار المحروقات وانعكاسه على أسعار المواد الأساسية وفي مقدمتها الغذائية، إلى إثارة المزيد من الغضب والاحتجاجات التي شملت أنجاء متفرقة من البلاد مؤخرا. وكان آخر هذه الاحتجاجات إضراب ممثلي قطاع النقل البري للركاب والبضائع احتجاجا على ارتفاع أسعار الوقود بنسبة زادت على 30 بالمائة مطالبين باستجابة الحكومة لمطالبهم بتخفيضها. وإضافة إلى ذلك يواجه المغرب هذه السنة جفافا هو الأسوأ منذ 40 عاما. ويتوقع أن يؤثر هذا الجفاف بشدة على أداء القطاع الزراعي ويحرم البلاد من محاصيل زراعية هو في أشد الحاجة إليها.
ويبدو أن الاحتجاجات الجديدة تنتقل بسرعة إلى بلدان أخرى، ففي السودان تظاهر الآلاف احتجاجا على ارتفاع أسعار الخبز بنسبة 40 بالمائة دفعة واحدة في وقت ارتفعت فيه تكاليف النقل 50 بالمائة بسبب ارتفاع أسعار الوقود. وطالب المتظاهرون بعودة الحكم المدني ونهاية حكم العسكر. ويشهد السودان اضطرابات واحتجاجات مستمرة منذ انقلاب العسكر على شركائهم المدنيين في الحكم.
القيود على التصدير تفاقم المشكلة
في هذه الأثناء وفي الوقت الذي ترتفع فيه أسعار المواد الغذائية، تقوم البلدان المنتجة والمصدرة للأغذية بوضع قيود على تصديرها أو بحظره. وعلى سبيل المثال حظرت أوكرانيا قبل أيام تصدير الشعير واللحوم والسكر وفرضت قيودا على تصدير القمح. وقد انضمت إندونيسيا إلى قائمة الدول التي قيدت صادراتها من زيت النخيل الأكثر استخداما للطعام في العالم. وهو الأمر الذي يعني زيادة حدة قلة الإمدادات ومزيدا من ارتفاع الأسعار. ويزيد الطين بلة الاحتكارات التي يقوم بها كبار التجار الذين يمتلكون كبرى مخازن السلع وخاصة في بلدان نامية كالبلدان العربية ويتحكمون بأسعارها من موقع احتكارهم لها، وهو الأمر الذي يؤجج أزمات نقص الأغذية وارتفاع الأسعار على حد تعبير وزير التجارة العراقي علاء الجبوري. وقال الجبوري تعليقا على ما يُقال عن نقص الأغذية في العراق “لا توجد أزمة بتوفير المواد الغذائية في البلاد، وما جرى في الأسواق من ارتفاع بالأسعار هو أزمة مصطنعة من قبل بعض التجار ضعاف النفوس الذين احتكروا المواد لخلق أزمة”.
وعلى ضوء ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء حذر البنك الدولي من أن ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء يفاقم مخاوف الأمن الغذائي في الشرق الأوسط وأفريقيا، وقد يؤدي إلى تنامي الاضطرابات الاجتماعية. وذكر البنك أن أسعار السلع الزراعية ارتفعت 35 بالمائة بعد أيام من اندلاع الحرب في أوكرانيا. ومما يعنيه ارتفاع الأسعار هذا تخصيص المزيد من الأموال لتغطية تكاليف استيراد الأغذية، هذا إذا تم أمكن العثور على أسواق مستعدة لتصديرها. وفي مصر أكد وزير المالية محمد معيط أن الأزمة الأوكرانية ستكون لها تبعات على البلاد مشيرا إلى أن تكلفة توفير القمح سترتفع بنحو مليار دولار. وأوضح الوزير المصري أن بلاده التي تعد من أكبر مستوردي القمح في العالم، كانت تشتري طن القمح قبل الأزمة الأوكرانية بسعر 250 دولارا للطن، والآن في ظل تفاقم هذه الأزمة والحرب يصل سعر طن القمح إلى نحو 400 دولار.
إجراءات مواجهة الأزمة وجدواها
تحاول مختلف الدول تجاوز العواقب الوخيمة للحرب في أوكرانيا على الإمدادات الغذائية بشتى الإجراءات الإسعافية والوقائية إضافة إلى الحوافز والآليات المتنوعة. ومن هذه الإجراءات ملاحقة التجار المحتكرين ومنع استغلالهم للمواطنين، والبحث السريع عن أسواق جديدة لاستيراد القمح منها، ووضع قيود على تصدير المواد الغذائية المحلية والضرورية بشكل مؤقت وتحفيز الانتاج المحلي. في هذا السياق قررت الحكومة العراقية زيادة أسعار الحنطة المحلية المُسوّقة من المزارعين والفلاحين ودفع مستحقاتهم عن الموسم المقبل في فترة أقصاها مطلع يونيو
القادم. كما قررت تصفير الرسوم الجمركية على البضائع الأساسية من مواد غذائية واستهلاكية ضرورية لمدة شهرين قابلة للتمديد. وفي مصر أعلنت الحكومة أنها تستهدف شراء ما بين 5 إلى 5,5 مليون طن من القمح المحلي في الموسم الجاري من خلال تقديم حوافز جديدة للمزارعين سيتم الإعلان عنها في الأيام القادمة. وفي المغرب حيث القمح أساسيا لصناعة الخبز والكسكس، قررت الحكومة تخصيص 350 مليون يورو إضافية لدعم الطحين وعلقت الرسوم الجمركية على استيراد القمح.
تبدو الإجراءات الإسعافية الحالية سبيل معظم الدول العربية في الوقت الحاضر لتجنب نقص لا تحمد عقباه في إمدادات الأغذية. غير أن هذه الإجراءات لا يمكن أن تكون سوى إجراءات مؤقتة لا تغني هذه الدول عن إعادة النظر في سياساتها الزراعية وقلبها رأسا على عقب. ومما يعنيه ذلك أن تحفيز الإنتاج الزراعي المحلي ينبغي أن يكون جزءا من سياسة مستدامة تهدف إلى تحقيق نسبة أمن غذائي لا تقل عن 70 بالمائة في هذه الدول إسوة بالدول الصناعية التي تبدو أكثر زراعية من البلدان العربية والنامية. كما أن تحفيز إنتاج الحبوب والأغذية الأساسية الأخرى لا يتم فقط من خلال زيادة سعر الحنطة المسوقة من المزارعين وحسب، بل ايضا من خلال حوافز أخرى تبدأ بمد هؤلاء بأنواع البذور الجيدة والأسمدة الضرورية والقروض الميسرة لاستخدام الآلات الزراعية وأساليب الري الحديثة وتخزين المنتجات في ظروف صحية ومد السوق المحلية بها في الأوقات المطلوبة. إنها مهمة ليست سهلة في بلدان تعاني أيضا من الجفاف، غير أنها ليست بالمستحيلة لاسيما إذا نجحت هذه الدول من خلال برامج تنمية زراعية مستدامة في تطوير بذور مقاومة للجفاف ومناسبة للبيئة والمناخ.