بالتزامن مع التوترات الإسرائيلية الفلسطينية، والترقب الإسرائيلي لمآلات خلافة رئيس السلطة محمود عباس (أبي مازن)، تتزايد القناعات بتعزز فكرة الدولة الواحدة التي باتت تتحول تدريجياً إلى حقيقة، ما ينسف المشروع الصهيوني الساعي للدولة اليهودية “النقية عرقيّاً”.
ومنذ انتخاب عباس رئيساً للسلطة الفلسطينية أوائل 2005، كان هناك نقاش اسرائيلي مستمر حول “اليوم التالي”، مع ظهور فيض من الافتراضات الأساسية والتهديدات والسيناريوهات المحتملة، لكن الشيء الوحيد الذي يتغير هو الواقع الذي قد يولّد سيناريوهات جديدة، ويطرح تحديات لإسرائيل يكون النقاش حولها محدودًا أو غير موجود، مع ظهور تحذيرات مفادها أن معركة خلافته قد تؤدي إلى انهيار السلطة الفلسطينية.
مايكل ميلشتاين رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية بجامعة تل أبيب، وباحث بمعهد السياسة والاستراتيجية بجامعة رايخمان، ذكر أن “تدهور صحة عباس يتركز على احتمالية تطور صراع عنيف على الخلافة بين تيارات فتح، ما قد يؤدي إلى تفكك السلطة، وظهور تهديدات أمنية لإسرائيل، مع ظهور نقاشات حول خلفاء محتملين شبه دائمين له، أبرزهم حسين الشيخ وجبريل الرجوب وماجد فرج، رغم أنها مجموعة شاحبة من الشخصيات لا يتلقون سوى القليل من التعاطف والثقة في الجمهور الفلسطيني”.
وأضاف في مقال نشرته صحيفة معاريف” أن “الآونة الأخيرة شهدت نقاشًا حادًا حول اليوم التالي لغياب عباس، وفي قلب هذا الواقع ثلاث فرضيات أساسية: أولها الضعف المتزايد للسلطة التي فقدت السيطرة على شمال الضفة الغربية، وثانيها الاغتراب المتزايد بين الجمهور والسلطة، وهو أمر ملحوظ بشكل خاص بين جيل الشباب، الذين ينظرون للسلطة على أنها نخبة متحجرة، ويرفضون استمرار النظام القائم في اليوم التالي، وإشعال الربيع الفلسطيني، وقد تجلى ذلك بقوة عندما طرد أهالي جنين محمود العالول (قيادي في فتح) الذي أتى لحضور جنازات شهداء جنين”.
وأوضح أن “الفرضية الثالثة تتعلق بتعزيز حماس بما ينعكس بعدة طرق، أهمها تعزيز موقعها في غزة، وترويجها للمقاومة في الساحات الملائمة لها، وبشكل رئيسي في الضفة الغربية والقدس وبين فلسطينيي 48، والانتصارات التي حققتها في انتخابات مجالس الطلاب الجامعية، والاستفادة من الرياح الخلفية لتعزيز إيران في الشرق الأوسط. وتؤكد الحركة أن اليوم التالي لغياب أبي مازن يعتبر فرصة استراتيجية للسيطرة على الضفة، سواء من خلال الاندماج في الحكومة عبر الانتخابات، أو الاستفادة من الفراغ الحكومي الذي سيتم إنشاؤه”.
وأشار إلى أن “الكثير من الفلسطينيين يشعرون بالإحباط بسبب قيادتهم، وقد فقدوا الأمل في رؤية حل الدولتين، ونتيجة لذلك فقد يكون اليوم التالي لعباس مصحوبًا بالفعل بالعنف بين تيارات فتح، وتراخي الأجهزة الأمنية الحكومية، ما قد يجرّ إسرائيل إليها، ويعزّز فكرة الدولة الواحدة بشكل تدريجي، نتيجة تلاقي المصالح بين عدة مكونات، أهمها الحكومة الصهيونية الدينية الساعية للقضاء على الخط الأخضر والسلطة الفلسطينية، وتغيير الواقع في الضفة الغربية، والإرهاق الجماعي بين الفلسطينيين، مع أن
وأوضح أن “أبا مازن اليوم يشهد مفارقة في حكمه، فهو واحد من أضعف حكام الشرق الأوسط، وليس لديه أوراق اعتماد عسكرية أو شعبية، ويعتمد كليًا على إسرائيل، ولا يبعث الأمل في المجتمع الدولي، ويشهد استمرار سيطرته على ضعف بيئته، وحقيقة أن معظم الفلسطينيين يرون الوضع الحالي بأنه الأقل سوءًا، مع أنه ليس لديهم أي تفضيل لهوية الوريث، ما يستدعي من إسرائيل إجراء نقاش مؤثر، لم يحدث بعد، حول السير إلى واقع دولة واحدة يمكن تسريعها بعد عهد أبي مازن”.
واستحضر الكاتب ضرورة “الاستعداد لتحديين قد يسببان تعقيدا عميقا: أولهما انتخابات بمشاركة حماس، ستكون مصحوبة بمعضلة تنتهي بسيطرتها على كامل الأراضي الفلسطينية بالطريقة نفسها التي سيطرت فيها على غزة، وثانيهما الانتصار المتوقع لقائد فتح مروان البرغوثي في الانتخابات الرئاسية، ما سيخلق الفوضى في رام الله، وضغوطا دولية على إسرائيل، أي أنه في اليوم التالي من المتوقع أن تواجه حقل ألغام متشابك يتطلب مناورة دقيقة، وتتجنب الانخراط في السياسة الفلسطينية الداخلية، بناءً على دروس الماضي المؤلم، ولكن في نفس الوقت إحباط التهديدات العنيفة التي قد تنشأ”.
تشير هذه القراءة الإسرائيلية إلى ضرورة التنسيق مع عوامل القوة الخارجية التي لها تأثير إيجابي على تشكيل النظام المستقبلي في السلطة الفلسطينية، خاصة مصر والأردن والسعودية والإمارات، ويحتاج الاحتلال للتحذير من الإفراط في استخدام الصيغة السحرية لـ”السلام الاقتصادي”، وتؤدي لاندماج متزايد للسلطة في إسرائيل، من خلال دعم الاقتصاد الفلسطيني، والعناية باستقرارها حتى في اليوم التالي لغياب عباس، لمنع اندلاع حريق واسع النطاق، دون أن يضمن تحقق الأهداف التي يسعى إليها.