تركيا تنتخب وفلسطين تنتظر: أردوغان.. ماذا لو..؟!

كتب د. أحمد يوسف:

منذ فوز حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان قبل عقدين من الزمن، والمشهد الفلسطيني يتنفس الصعداء، إذ أن تركيا خرجت من عباءة التنسيق الأمني والعسكري مع دولة الاحتلال الصهيوني، وأظهرت الكثير من التعاطف والمواقف الإيجابية تجاه القضية الفلسطينية وحركة حماس بمشهديها السياسي والحركي.

فعندما وصل أردوغان إلى سدة الحكم كرئيس للوزراء (مايو 2003)، والسيد عبدالله غول كرئيسٍ للبلاد (أغسطس 2007)، ظلت تركيا تعبر عن مواقفها التضامنية مع الفلسطينيين ووقوفها إلى جانب حقهم السليب، وتعلن بقوة عن تصديها وتنديدها بالسياسات الإسرائيلية العدوانية؛ سواء المتعلقة بتدنيس المسجد الأقصى ومحاولات تهويده أو التوسع الاستيطاني على حساب أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية، والحروب المتكررة على قطاع غزة.

كانت مواقف تركيا أردوغان هي الأقوى والأوسع انتشاراً وتأثيراً على مستوى المنطقة والساحة الدولية، ولذلك حظيت مواقفه بالكثير من التقدير بين شعوب الأمتين العربية والإسلامية.

لقد تعرفت على الرئيس أردوغان أول مرة في العاصمة الأمريكية واشنطن في نوفمبر 2001، حين جاء مع وفد من أركان حزبه الجديد (العدالة والتنمية) لتعزية الرئيس بوش الابن بضحايا الأحداث المأساوية (الإرهابية) في الحادي عشر من سبتمبر، وكان بصحبته كلٍّ من عبد الله غول وأحمد داود أوغلو وعلي باباجان وآخرين. وفي لقاء ترحيبي مع قيادات الجالية المسلمة، تحدَّث أردوغان عن برنامجه الانتخابي الذي يمثل نقلة نوعية في السياسة التركية، وقد أشار لسبب الخلاف مع أستاذه نجم الدين أربكان، والفكرة من وراء تأسيس حزبه الجديد، والمكانة التي تحظى بها فلسطين كقضية إسلامية لها حضورها السياسي والإنساني والوجداني والتاريخي في قلوب الأتراك العثمانيين. كان اللقاء قد شدَّنا جميعاً وإن لم يكن أحدٌ منَّا -آنذاك- يتوقع فوز حزبه بتلك النسبة العالية (35%)، والتي لم يسبق لأي حزب ناشئ أن حققها مع أول انتخابات برلمانية له.

ومع تنامي قدرات حزب العدالة والتنمية في مشهد الحكم والسياسة في تركيا، ارتفعت مكانة أردوغان وشعبيته عربياً وإسلامياً، وخاصة بعد دعمه الكبير لثورات الربيع العربي، وقد شاركت في العديد من الأنشطة والمؤتمرات التي رعتها حكومة أردوغان في إستانبول لقيادات إسلامية من العديد من الدول العربية، بهدف تنسيق الجهود وضمان عدم إنحراف المسار الذي تتحرك فيه هذه الثورات، وضبط البوصلة باتجاه إنجاز مشروع الإصلاح السياسي والتغيير السلمي، وبما يحقق الاستقرار والأمن والازدهار لشعوب المنطقة العربية.

 كان أردوغان أحد أهم روافع الربيع العربي، وكانت بصمات وزير خارجيته -آنذاك- أحمد داود أوغلو حاضرة في قلب كلّ هذه المشاهد، وهذا ما لمسناه من خلال مشاركتنا في معظم هذه الأنشطة والفعاليات.

استمرت سياسات تركيا أردوغان على مواقفها الداعمة للقضية الفلسطينية، وقد وقف أردوغان إلى جانب السلطة الوطنية خلال مساعيها لتحقيق الاعتراف بها كدولة في الأمم المتحدة، إذ استضافت تركيا فعاليات الجهد الدبلوماسي وتحركت ماكينتها السياسية والإعلامية بوزارة الخارجية لحشد المواقف العربية والإسلامية لدعم وتأييد هذا التوجه، حيث تمكنت السلطة الفلسطينية في نوفمبر 2012 من الحصول على الاعتراف بفلسطين دولة منحتها الأمم المتحدة صفة مراقب غير عضو، وهو إنجاز كان لتركيا فيه جهد مشكور.

لم تبخل تركيا أردوغان في تقديم الدعم المالي أيضاً لكلٍّ من مؤسسات السلطة وحركة حماس، كما أنها شجَّعت الجمعيات الإغاثية التركية الرسمية والشعبية مثل (تيكا) و(يلدرم لي) و(أي إتس إتش) و(وقف الديانة التركي) لإعطاء الأولوية في مشاريع الإعمار والدعم الإنساني للمناطق التي دمرتها الحروب الإسرائيلية المتكررة على قطاع غزة.

فوز حماس في الانتخابات: أردوغان أول المهنئين

عندما فازت حركة حماس في الانتخابات التشريعية يناير 2006، استقبل أردوغان؛ رئيس الحكومة التركية، الأستاذ خالد مشعل؛ رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وبارك فوز الحركة في الانتخابات التشريعية وتشكيل الحكومة العاشرة، كما أبدى استعداد بلاده لتقديم كافة أشكال الدعم السياسي والدبلوماسي والإغاثي لتمكينها من النجاح في مهمتها، وهذا ما شعرت به خلال لقائي به، وتسليمه رسالة من رئيس الحكومة الفلسطينية السيد إسماعيل هنية.

بدون شك، كانت مواقف أردوغان السياسية تجاه الفضية الفلسطينية متقدمة على الجميع في العالمين العربي والإسلامي، ولهذا ننظر إليه كفلسطينيين وإسلاميين باعتباره “عمود خيمتنا وأخانا الكبير”. 

أردوغان وانتخابات الرئاسة: توقعات ومخاوف

إنَّ أنظار العالم وخاصة العرب والمسلمين تنظر بقلق وترقب إلى ما سوف تُسفر عنه نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 14 مايو القادم.

ونظراً لحجم المنافسة الشديدة على زعامة تركيا الحديثة، فإن أردوغان يواجه في هذه الانتخابات تحالف المعارضة المكوَّن من ستة أحزاب، ثلاثة منها إسلامية وثلاثة أخرى علمانية بزعامة كمال كليتشدار أوغلو.

ولأول مرة منذ انتخاب حزب العدالة والتنمية في نوفمبر 2002، يشعر أنصار الحزب ومريدو الرئيس أردوغان بأن هناك الكثير من الجهات الرسمية والأيدي الخفية الإقليمية والدولية وخاصة الغربية منها، التي تعمل على اسقاط الرئيس وتحجيم مكاسب الحزب في البرلمان.

الإعلام الغربي: استهداف تركيا أردوغان

إنَّ المتتبع لما تنشره المؤسسات والمراكز البحثية، والصحف الغربية، من تحليلات وتقارير ومقالات، خاصة بعد فشل المحاولة الانقلابية في 2016 -التي استبطن الغرب تعاطفاً أثناءها وبعد فشلها- ثم بعد تحوّل تركيا إلى النظام الرئاسي، يجد أن غالب ما يُنشر بخصوص تركيا أردوغان تجانبه الموضوعية، ويقوم على تمنيات، ويصب في اتجاه واحد، وهو: الرغبة في رؤية تركيا دون أردوغان، والمعنيُ هنا ليس أردوغان بشخصه، ولكنه المشروع الذي يحمله أردوغان لمستقبل تركيا ويجعل منها قوة كبرى، وهذا ما يراه الغرب خطراً على مصالحه، وكل رئيس يحمل مشروعاً كهذا سيكون غير مرغوب فيه لا محالة.

استطلاعات الرأي.. نتائج متقاربة

بحسب استطلاعات الرأي التركية، فإن حدة المنافسة عالية بين أردوغان وكليتشدار أوغلو، والفارق ليس كبيراً بين الإثنين، وفرص فوز أردوغان من الجولة الأولى تلاحقه بعض الشكوك، وإن كانت احتمالات حدوث ذلك واردة.

في الحقيقة، ليس هناك بين الإسلاميين في العالم العربي من تذهب به الظنون لغير فوز أردوغان، ونحن في فلسطين وحركة حماس لا يمكننا تخيل غير ذلك.

إن تركيا أردوغان هي أمل كلّ الإسلاميين والفلسطينيين، فبالنسبة للإسلاميين هي أيقونة التجارب الإسلامية الناجحة في الحكم، والتي تعطي شرعية لنموذج يمكن أن يتصدَّر فيه الإسلاميون أو بشراكتهم في مشهد الحكم والسياسة، والذي يمكن البناء عليه في دول عربية تتطلع فيها الحركات الإسلامية للتغيير والإصلاح السياسي في بلدانها، وتتخذ من تركيا وتجربتها في الحكم وجهة للاقتداء والمحاكاة.

لقد قدَّم أردوغان وحزبه الكثير من أجل قضية فلسطين والمسجد الأقصى، وكان صاحب مشاهد ومواقف محفورة في الذاكرة الفلسطينية، إذ فتح أردوغان أبواب تركيا لكلِّ من ضاقت بهم سبل الحرية في بلدانهم، وحاصرتهم الأنظمة الشمولية ودكتاتوريات العسكر، إذ صارت تركيا أردوغان مثابة آمنة للمستضعفين من كافة البلدان العربية والإسلامية، بما في ذلك أهل فلسطين تحت الاحتلال أو في دول الشتات.

ليس من السهل التفكير بخسارة أردوغان، فهذه صدمة وقعها كبير على الفلسطينيين والإسلاميين، وخاصة أن تركيا أردوغان بسياساتها الخارجية منحت حضوراً واسعاً للمسلمين في الخريطة الدولية، إذ غدت تركيا لاعباً دولياً ووسيطاً منهماً في الكثير من الصراعات والأزمات حول العالم.

 ختاماً.. كفلسطينيين نحن ننظر للانتخابات التركية باعتبار ما لها من تداعيات على قضيتنا، وأنَّ تركيا أردوغان هي قلعتنا الأخيرة، فالمظلومية الفلسطينية فقدت مع هرولة العديد من الدول العربية للتطبيع مع إسرائيل، زخم التضامن والتأييد بين دول المنطقة.

إنَّ استمرار قيادة أردوغان لتركيا سيمنح الفلسطينيين شبكة من الأمان السياسي والحضور في المحافل الدولية، كما أن حركة حماس سوف تظل تتمتع بملاذ آمن وساحة مفتوحة للتحرك داخل تركيا.. وفي حالة حدوث تغيير في المشهد السياسي وغياب أردوغان، فأن حركة حماس والإسلاميين وملايين اللاجئين السوريين سيجدون أنفسهم في وضع (تسونامي) صعب من المحاصرة والتضييق.

قلوبنا مع أردوغان؛ الزعيم القوي، والرجل الأمين على مصالح تركيا والمسلمين.