لم يقابل “إعلان الجزائر” الذي تم التوصل إليه بين 14 فصيلاً فلسطينياً في الجزائر، أول من أمس الخميس، كأحدث اتفاق للمصالحة وإنهاء الانقسام، بكثير من التفاؤل الشعبي أو حتى السياسي، كما عده محللون سياسيون وشخصيات فلسطينية بأنه نسخة أخرى لاتفاقات وتفاهمات سابقة لم تجد طريقها إلى التطبيق، خصوصاً بعدما حُذف البند المتعلق بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية والشراكة الكاملة والحقيقية بين مختلف الفصائل الموقعة على الاتفاق، والتي وردت في المسودة.
حتى أنّ وسائل التواصل الاجتماعي ضمت عشرات المنشورات التهكمية على التوقيع وما بعده. وعلى الرغم من التقدير الكبير الذي يكنه الفلسطينيون للجزائر، لكنهم اعتبروا، في منشوراتهم، أنّ ما جرى مجرد مجاملة للقيادة الجزائرية التي تحتفظ بعلاقة مع الكل الفلسطيني.
ولم تكن وسائل الإعلام الحزبية بعيدة عن واقع “التشاؤم” أيضاً، حيث إنّ خبر التوقيع ظل بدون تغطيات موسعة، بعكس المرات السابقة التي كانت جولات المصالحة تحظى فيها بكثير من المتابعة والتغطية والتحليلات والقراءات في مآلاتها وطرق تنفيذها.
وضم الإعلان تسعة بنود تتعلق بانتخاب المجلس الوطني الفلسطيني في الداخل والخارج خلال عام واحد من توقيع الإعلان، والتأكيد على أهمية الوحدة الفلسطينية، واعتماد لغة الحوار والتشاور في حل الخلافات على الساحة الفلسطينية، في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، واعتبار المنظمة الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وتعزيز دورها، واتخاذ الخطوات العملية لإنهاء الانقسام فوراً. فيما ألغي بند واحد كان مدرجاً في المسودة التمهيدية، يتعلق بتشكيل حكومة وحدة وطنية، دون تقديم توضيحات حول خلفيات وأسباب إلغاء هذا البند.
سياسياً، قال عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق، على حسابه في “تويتر”، إنّ اتفاق الجزائر فرصة لإعادة اللحمة الوطنية، وذلك لمستوى الاحتضان الجزائري الكبير واستعدادهم لتحمل كافة التبعات وهي كبيرة، وأوضح أنّ شرط النجاح عدم السماح بالتدخلات الخارجية، لا سيما الأميركية والإسرائيلية، والرهان على التأييد الشعبي والفصائلي للاتفاق.
من جهته، لم يبد القيادي في حركة فتح وعضو مجلسها الثوري حاتم عبد القادر تفاؤلاً، معبراً عن تشاؤمه من تطبيق اتفاق الجزائر الأخير بين فتح وحماس.
وقال عبد القادر، لـ”العربي الجديد”: “أنا غير متفائل بتطبيق هذا الاتفاق، رغم أنه الفرصة التاريخية الأخيرة كي يستعيد شعبنا وحدته وينهي الانقسام، بالنظر إلى ما سبقه من اتفاقات وقع عليها الطرفان وانتهت إلى الفشل بسبب غياب الإرادة السياسية لقيادة الحركتين، وإصرار الرئيس (محمود) عباس على موضوع رفض تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، إلا بالمواصفات التي يريدها هو”.
وأشار عبد القادر إلى أن “التجارب السابقة علمتنا في كثير من الأحيان أن ما يتم الاتفاق عليه على الورق ينتهي في الواقع إلى عدم التطبيق”، وأضاف: “بكل أسف، فإن كل الجهد الذي بذلته الجزائر، وكل هذا الاهتمام الجزائري المدعوم من الجامعة العربية، والتي كانت الجزائر تريد أن تقدمه كبشرى خير خلال القمة العربية، قد يذهب سدى”.
ودعا عبد القادر “الجميع للترفع إلى مستوى المسؤولية وأن يغلبوا المصلحة الوطنية العليا، وأن يتجاوزوا كل هذه الترهات، ويتوافقوا على رؤيا مشتركة. لذلك نحمل المسؤولية لفتح وحماس عن فشل هذا الاتفاق. وإذا لم نحقق إنجازاً واضحاً وملموساً فستكون الفرصة الأخيرة، وسوف ينفض العرب أيديهم من ملف المصالحة”.
ورغم أهمية الاتفاق بالنسبة للقيادي في حركة فتح منير الجاغوب، إلا أنه رأى، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن الاتفاق أغفل خطاب عباس الأخير أمام الأمم المتحدة، وتبنته اللجنة المركزية لحركة فتح كورقة عمل، وأشار إلى أن الفصائل بدت بالاتفاق مهتمة بإجراء الانتخابات، متسائلاً: “إذا اصطدمنا بمنع الانتخابات في القدس فما العمل؟ فخطاب عباس يمكن البناء عليه”.
وقال الجاغوب إن “حركة فتح تتمنى أن تتكلل الجهود بالنجاح، وتتحقق آمال الشعب الفلسطيني بتحقيق الوحدة، وتوحيد النظام السياسي والإداري في السلطة الفلسطينية، من خلال التوقيع على اتفاق الجزائر، خاصة أن الجزائر لها مكانة وقدر لدى الفلسطينيين، علماً أن الاتفاق وقع في القاعة نفسها التي أعلن فيها الاستقلال الوطني الفلسطيني”.
ومن حسنات الاتفاق، كما رأى الجاغوب، أنه أكد على أهمية انتخاب مجلس وطني فلسطيني يضم الجميع، وأن يتم إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية وانضمام حركتي فتح وحماس إليها، لكنه تساءل، في المقابل: “لماذا لا نعمل لأن يتحول المجلس الوطني إلى برلمان للشعب الفلسطيني، خاصة أن المجلس التشريعي هو مؤقت؟”.
وأشار الجاغوب إلى أنه لوحظ عدم وجود اهتمام شعبي بتوقيع اتفاق الجزائر، وكأن هناك أمراً مبهماً لدى الشعب الفلسطيني، وقال: “أرجو من الجزائر أن تكشف عمن يعطل تنفيذ الاتفاقات، خاصة أنه يتم الحديث أن الجزائر والدول العربية ستشرف على تنفيذه”.
ورأى المحلل السياسي هاني المصري “أن هذا الاتفاق يشكل تراجعاً إلى الوراء ولم يأت بجديد، وهو أشبه بإعلان مبادئ يحتاج إلى اتفاق وتفاهمات على بنوده المختلفة، خاصة بعد حذف البند السابع الذي كان يتناول تشكيل حكومة وحدة وطنية، بسبب خلاف على صياغته”.
وتساءل المصري: “إذا لم يتضمن الاتفاق تشكيل مثل هذه الحكومة، فما معنى البند الذي يتحدث عن توحيد المؤسسات؟ من سيوحدها؟ وما معنى البند الذي يتحدث عن الانتخابات؟ من سيجريها؟ برأيي هذا الاتفاق هو مجرد اتفاق ترضية للجزائر ليس أكثر، وكان عليهم قبل الإعلان عنه القول إنهم سيواصلون نقاشاتهم، بدلاً من الحديث عن اتفاق يمكن وصفه بمسخرة كاملة”.
وأشار المصري إلى أنه قبل القيام بحذف البند السابع من الاتفاق، تمت صياغة اتفاق يتحدث عن تشكيل حكومة وحدة وطنية تلتزم بالشرعية الدولية والقانون الدولي والمواثيق الدولية والقرارات الصادرة عن الأمم المتحدة، و”كان الكل سعيداً بما تم التوصل إليه، وبعد قليل من التوصل إلى ذلك وصل اعتراض عباس، وطلب من عزام الأحمد تعديل الاتفاق. وحاولوا على مدى ساعات، لكنهم أخفقوا في ذلك، إلى أن تقرر في النهاية حذف البند المتعلق بالحكومة وما يتصل به”.
وأكد المصري، رداً على سؤال عمن يتحمل المسؤولية، أن “حركة فتح تتحمل المسؤولية لأنها تراجعت، لكن الفصائل الأخرى تتحمل المسؤولية أيضاً. إذ كيف توافق على اتفاق غابت عنه كثير من القضايا الهامة، ومنها إجراء الانتخابات، وفي المقدمة منها مشاركة المقدسيين فيها، وبالتالي في هذه الجزئية تحدثوا عن انتخابات وفق القوانين المعتمدة، يعني وفق الصيغة القديمة التي لم تجرِ عليها الانتخابات كما كان مقرراً وألغيت في اللحظة الأخيرة”.
لم يذكر الاتفاق، بحسب المصري، الكثير من القضايا والتفاصيل والآليات المتعلقة بتحديد صلاحيات الإطار القيادي المؤقت المنصوص عليها في اتفاق القاهرة المتفق عليه، والقفز عن تشكيل حكومة وحدة وطنية، حيث أسقطت من الاتفاق جراء الخلاف حول التزام الحكومة بالشرعية الدولية، وهل تنحصر بالقرارات التي تحقق الحقوق الفلسطينية أو تشمل شروط اللجنة الرباعية المجحفة.
وقال إنه “في المحصلة، هذا اتفاق لا يشتمل على آليات أو خطط ملزمة. هو مجرد حديث عن أهمية الوحدة الوطنية، وأهمية منظمة التحرير الفلسطينية. هو اتفاق بلا لحم ولا عظم ولا دم”.
وأكد المصري أن هناك استحقاقات مطلوبة من طرفي الانقسام حتى يتم التوصل إلى اتفاق حقيقي ينهي هذا الأمر، وقال: “مطلوب من حركة حماس إبداء استعدادها للتخلي عن سيطرتها الانفرادية على قطاع غزة حتى تكون شريكة في السلطة والمنظمة، ومطلوب منها أن توافق على أن لسلاح المقاومة مرجعية واحدة وهو خاضع لاستراتيجية وقيادة واحدة”.
وأضاف: “مطلوب من حماس وفتح ومن جميع الفصائل والقوى الموافقة على برنامج وطني تتحدد فيه مرجعية الجميع، والكيفية التي سيحتكمون إليها في حال بروز أي خلاف”.
وتابع المصري: “ثم ما وظيفة الحكومة؟ هل هي وظيفة تفاوض أم حكومة تقاوم؟ كما أنه مطلوب من فتح وعباس التخلي عن الهيمنة على جميع المؤسسات، وكذلك التخلي عن (اتفاق) أوسلو والتزاماته، والإيمان بالشراكة مع الجميع على أسس يتفق عليها، والذهاب إلى الانتخابات، والاحتكام للشعب ضمن توحيد المؤسسات. وبدون وحدة لن تجري انتخابات، ولن تكون حرة أو نزيهة أو تحترم نتائجها”.
واتفق المحلل السياسي والإعلامي راسم عبيدات مع كثير مما قاله المصري، لكنه اعتبر أن وثيقة الجزائر تشكل فرصة تاريخية يجب التقاطها والبناء عليها. ولتلافي الفشل السابق الذي رافق الاتفاقات والتفاهمات السابقة بين حركتي فتح وحماس، قال عبيدات إن “المعيار الأساسي لوثيقة الجزائر هو بآليات التنفيذ، وألا تختلف فتح وحماس على الأحجام والحصص. ومن المهم أن تكون هناك إرادة فلسطينية حقيقية واستعداد لدى الجميع لدفع ثمن الوحدة الوطنية”.
وفي ما يتعلق بشطب بند حكومة الوحدة الوطنية، أوضح عبيدات أن “حكومة الوحدة الوطنية هي قضية خلافية تتعلق بالاعتراف بالشرعية الدولية، ما يعني الاعتراف بشروط الرباعية الدولية. ولذلك هي نقطة خلافية بين فتح من جهة وحماس والجهاد والشعبية وفصائل أخرى تعتقد أن اتفاق أوسلو لم تأخذ منه دولة الاحتلال سوى التنسيق الأمني معها والتبعية الاقتصادية لها”.
ورأى عبيدات أن المطلوب من فتح وحماس التزام جدي وحقيقي بآليات التنفيذ، وأن تتكرس الشراكة السياسية الحقيقية وليست الشكلية، ووقف تغول السلطة على منظمة التحرير وإعادة بناء المنظمة، وإعادة الاعتبار لها.
وشدد على ضرورة أن يطبق البند المتعلق بإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، وأيضاً انتخابات المجلس الوطني، واعتماد آليات حوار جدية وحقيقية، وألا تكون هذه التفاهمات والاتفاقيات حول المحاصصة والأحجام، ويجب أن تكون المهمة الأساسية أمام الجميع إنقاذ الشعب والأرض الفلسطينية من الاحتلال الذي يمعن في عمليات التصفية وتصاعد وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية ومحاولة الإجهاز على مدينة القدس وبسط السيطرة على المسجد الأقصى.
ورأى عبيدات أن رهان الشعب الفلسطيني وفصائله على ما يسمى بالمفاوضات في طريقه إلى الأفول، خاصة أن مقاومة الاحتلال تتصاعد وتتطور في الضفة الغربية ومدينة القدس، وكان هناك تحول يجب البناء عليه، وهو إعلان مخيم شعفاط العصيان المدني. وقال عبيدات: “هذه التطورات في حالة الاشتباك والمجابهة ربما تفضي إلى متغيرات جوهرية واستراتيجية، وتصبح إمكانية إقامة حكومة وحدة وطنية حقيقة وواقعاً وينتهي هذا الانقسام البغيض”.