وأبان المبارك أن تقديم اليدين يقدر عليه كلُّ الناس لسهولته، أما تقديم الركبتين فلا يقدر عليه إلا الشابُّ القوي، قال الحافظ ابن سيد الناس: «أحاديث وضع اليدين قبل الركبتين أرجح من حيث الإسناد، وأصرح من حيث الدلالة، إذ هي قوليَّة، ولِما تُعطيه قوَّةُ الكلام من التهجين في التشبيه بالبعير، الذي ركبته في يده، فلا يمكنه تقديم يده على ركبته إذا برك، لأنها في الاتصال بيده كالعضو الواحد».
وأضاف: أما في القيام من السجود فلا يؤخرُ المصلِّي الركبتين كما يؤخِّرهما البعير أثناء قيامه، ولصعوبة ذلك عليه غالبا، وإنما يُقدِّم ركبتيه في القيام ويؤخِّر يديه، قال الإمام مالك رضي الله تعالى عنه: لا يطيق تقديم اليدين في القيام إلا الشاب القليل اللحم، بخلاف البعير، فإنه يؤخر الركبتين في قيامه، فشأن البعير البروك، وهو أن يُقدِّم ركبتيه عند بروكه، أي أنَّه يَخْفض نصفه الأمامي، ويرفع مؤخّرته، فيَخِرُّ على ركبتيه اللتين في يديه، فنَهَى صلى الله عليه وسلم عن هذا البروك، فالحديث لا إشكال فيه، فهو أَمْرٌ بتقديم اليدين من غير رفْعٍ للعجيزة، بخلاف البعير يقدِّم يديه اللتين فيهما ركبتاه رافعاً عجيزته عند بروكه، قال الشيخ أبو عبد الله الـخَرْشي: «أي عكس ركبتي البعير اللتين في يديه، فإنه يقوم عليهما، ولكن يُقدِّم زحزحته بمؤخّر رجليه عند القيام، قبل أن يمد يديه للقيام، فركبتاه مؤخَّرتان في القيام، والإنسان ركبتاه مقدمتان، وفي حالة النزول، ركبتا الإنسان مؤخَّرتان، وركبتا البعير مقدمتان».
ولفت إلى أن ابن القيم رحمه الله حين قال: «إن البعير إنما يضع يديه أولاً» فإنه حين أشكَل عليه المعنى لجأ إلى تأويل الحديث وصَرْفِه عن ظاهره، وشكَّك في الراوي بأنَّه وَهَمَ وقَلَبَ اللفظ، قال رحمه الله في زاد المعاد: مما انقلب على بعض الرواة مَتْنُه وأصْلُه، ولعلَّه «ولْيضع ركبتيه قبل يديه». قال الشيخ الملا علي القاري رحمه الله: «لو فُتح هذا البابُ لَمْ يَبْقَ اعتمادٌ على روايةِ راوٍ مع صحَّته»، ثم إنَّ لِحَديث أبي هريرةَ شاهدا من فِعْل ابن عمر، يؤكد أنَّ الراوي لم يَهِمْ، ذكره البخاريُّ في صحيحه تعليقا بصيغة الجزم، وأخرجه الدارقطني بسند حسن، كما قال الحافظ ابن حجر، قال نافع: «كان ابن عمر يضع يديه قبل ركبتيه» قال الحاكم في المستدرك: «فأما القلْبُ في هذا، فإنه إلى حديث ابن عمر أَمْيَل، لرواياتٍ في ذلك كثيرة عن الصحابة والتابعين».