خلصت مراجعة مستقلة لأداء وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) إلى أن هذه الهيئة “لا بديل عنها”، لافتة في الوقت نفسه إلى “مشاكل تتّصل بالحيادية”.
وأشارت المراجعة التي ترأست لجنتها وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة كاترين كولونا إلى أن الوكالة “لا بديل عنها على صعيد التنمية الإنسانية والاقتصادية للفلسطينيين”، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن إسرائيل لم تقدّم بعد أدلة تدعم اتّهامها عددا كبيرا من أفراد طاقم الوكالة بالانتماء إلى منظّمات إرهابية.
وكانت مجموعة المراجعة المستقلة قد قدمت تقريرها، اليوم الإثنين، للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الذي رحب بالتقرير ووعد أن يتعاون مع الوكالة ومفوضها العام فيليب لازاريني بالعمل على تنفيذ التوصيات العديدة الواردة في التقرير.
وكان الأمين العام قد عين فريق المراجعة في 5 شباط/ فبراير 2024 من أجل “تقييم ما إذا كانت الأونروا تقوم بكل شيء في حدود سلطتها لضمان الحياد والرد على ادعاءات عدم الالتزام الجاد بالحياد عند ارتكاب الانتهاكات مع الأخذ في الاعتبار السياق الذي يجب أن يتم فيه ذلك العمل، وخاصة في غزة”.
وقد بدأ فريق المراجعة عمله في 13 شباط/ فبراير 2024 بقيادة كولونا، التي تعاونت مع ثلاث منظمات بحثية، وهي: معهد راؤول والنبرغ لحقوق الإنسان والقانون الإنساني في السويد، ومعهد ميشيلسسون لحقوق الإنسان في النرويج، والمعهد الدنماركي لحقوق الإنسان.
طوال فترة المراجعة التي استمرت تسعة أسابيع، قامت المجموعة بتحليل آليات الإجراءات المعمول بها حاليا داخل الأونروا لضمان الحياد ومعالجة إمكانات الانتهاكات. وقام أعضاء الفريق بزيارات ميدانية إلى المقر الرئيسي للأونروا والمرافق في عمان والقدس والضفة الغربية، والتواصل مع مختلف أصحاب المصلحة بمن في ذلك مسؤولو الأونروا، والدول الأعضاء المانحة، والدول المضيفة، وإسرائيل، والسلطة الفلسطينية، ومصر، ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية.
وعقد الفريق اجتماعات ومقابلات مع أكثر من 200 شخص، بمن فيهم موظفو الأونروا في غزة. وتم إجراء اتصالات مباشرة مع 47 دولة ومنظمة. وقدمت المعاهد الثلاثة أبحاثها إلى الأمين العام من خلال رئيس ديوانه ورئيس الفريق. وتم تقديم هذه الوثيقة، التي تشكل تقرير المراجعة النهائية، تحت مسؤولية رئيسة الفريق كولونا.
وجاء في مقدمة التقرير أنه من المهم أن يفهم أن الأونروا تعمل بشكل مستمر وسط الصراعات المتكررة والعنف وانعدام التقدم السياسي والظروف الاجتماعية والاقتصادية السيئة وانتشار الجماعات المسلحة. وفي غزة على وجه الخصوص، تم تصنيف حماس، الكيان الحاكم الفعلي حتى أكتوبر 2023، كمنظمة إرهابية من قبل الجهات المانحة الرئيسية مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في حين أن الفصائل الأخرى تعارض أي نشاط للسلطة الفلسطينية. وتختلف تحديات الحياد التي تواجهها الأونروا عن تلك التي تواجهها المنظمات الدولية الأخرى بسبب حجم عملياتها، حيث يتم تعيين معظم الموظفين محليا من جهة ومن جهة أخرى يتلقون خدمات الأونروا.
وأشار التقرير إلى أنه في ظل غياب الحل السياسي بين إسرائيل والفلسطينيين، فإن الأونروا ستظل تلعب دوراً محورياً في تقديم المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة والخدمات الاجتماعية الأساسية، لا سيما في مجالي الصحة والتعليم، للاجئين الفلسطينيين في غزة والأردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية. وعلى هذا النحو، فإن الأونروا لا يمكن الاستغناء عنها ولا غنى عنها للتنمية البشرية والاقتصادية للفلسطينيين. بالإضافة إلى ذلك، ينظر الكثيرون إلى الأونروا على أنها شريان حياة إنساني كوكالة تابعة للأمم المتحدة وقد حددت المراجعة عدة تدابير لمساعدة الأونروا على التعامل مع حيادها. وقد حدد الفريق تحديات ثمانية في مجالات حاسمة تتطلب تحسينا فوريا: التعامل مع الجهات المانحة، الحوكمة، هياكل الإدارة والرقابة الداخلية، حياد الموظفين وسلوكهم، حياد المنشآت، حياد التعليم، حياد نقابات الموظفين، تعزيز الشراكة مع وكالات الأمم المتحدة.
وقال التقرير إن التدابير التي تم تحديدها في كل مجال مصممة لمساعدة الأونروا على مواجهة هذه الأزمة وتحديات الحياد نابعة من الجوانب العملياتية والسياسية والأمنية البيئة التي تعمل فيها. ونظراً لتفرد هذا السياق السياسي، فإن هذه التدابير لن يكون لها تأثير كبير إلا بدعم من الدول المضيفة، وإسرائيل والسلطة الفلسطينية.
خروقات جسيمة لحياد منشآت الأونروا وحرمة منشآتها
ويحدد التقرير بعض المواقع، التي تم فيها انتهاك مبدأ الحياد وتشمل أماكن العمل، اكتشاف الأسلحة والتجاويف وفتحات الأنفاق والتوغلات العسكرية. وفي مثل هذه الأحداث، تحتج الأونروا ضد هذه الانتهاكات وتقوم على الفور بالإبلاغ عنها إلى البلدان المضيفة والجهات المانحة والجهات الأخرى ذات الصلة.
ويضيف أن العامل الذي يحد من الاكتشاف المحتمل للانتهاكات الجسيمة هو حقيقة أن الأونروا، باعتبارها وكالة تابعة للأمم المتحدة، لا تملك قدرات شرطية أو عسكرية أو قدرات تحقيقية أوسع أو الكفاءات اللازمة لكشف مثل هذه الخروقات. كنقطة انطلاق، حوار أوثق المدارس التي تمولها الأونروا. بالإضافة إلى الكتب المدرسية المنتجة محليا وتستخدم المكملات التعليمية في بعض الأحيان في مدارس الأونروا. وقد تلقت الأونروا انتقادات مستمرة، بشكل رئيسي من إسرائيل والمنظمات غير الحكومية خلال الفترة ووجود مزعوم لخطاب الكراهية والتحريض على العنف ومعاداة السامية في فلسطين في الكتب المدرسية والملاحق التعليمية.
وقال التقرير إنه وبعد مراجعة ثلاثة تقييمات دولية رئيسية ودراسات أكاديمية حول إصدار الكتب المدرسية للسلطة الفلسطينية، وتم تحديد محتوى متحيز وغير متوافق لكنها لم تقدم دليلاً على وجود إشارة معادية للسامية.
وحدد التقرير مثالين يحملان محتوى معاديا للسامية و”لكن لاحظ أن أحدهما قد تمت إزالته بالفعل؛ أما الآخر فقد تم تعديله بشكل كبير. ويبقى من غير الواضح ما إذا كان التغيير قد أزال بالفعل المحتوى المعادي للسامية من المثال المتبقي”. وأشار إلى أن الأونروا عملت باستمرار على ضمان الحياد في تعليمها. ولتحقيق هذه الغاية، قامت بتطوير وتنفيذ مجموعة من الأطر والأدلة والآليات والإجراءات لمواءمة جميع المواد والأساليب التعليمية مع قيم الأمم المتحدة ومبادئها والمبادئ التوجيهية المتبعة في المنظمات الدولية.
وتضمنت التوصيات مراجعة محتوى جميع الكتب المدرسية والملاحق مع الدول المضيفة، وإسرائيل والسلطة الفلسطينية، حظر أي خطاب يحض على الكراهية أو التحريض على العنف و/أو الإشارات المعادية للسامية في الكتب المدرسية في البلد المضيف والملحقات المنتجة محليا في مدارس الأونروا، وتوسيع نطاق المراجعة السنوية لجميع الكتب المدرسية والملاحق المستخدمة في مدارس الأونروا، بالتعاون مع اليونسكو وضمان الالتزام بتوصيات اليونسكو لعام 2023 بشأن التعليم من أجل السلام وحقوق الإنسان والتنمية المستدامة وتمكين المزيد من الموظفات المحليات من تولي المسؤوليات الإدارية داخل نظام التعليم في الأونروا. واقترح التقرير إنشاء قناة مخصصة، على سبيل المثال خط ساخن للأونروا لتلقي التنبيهات بشأن محتوى التدريس الإشكالي ولدعم المعلمين الذين يطلبون المشورة، وإجراء عمليات تفتيش عشوائية للتدريس في الفصول الدراسية، ومواصلة رقمنة المحتوى التعليمي ومواصلة استخدام منصة التدريس الرقمية لزيادة الشفافية، وإنشاء تدريب لمديري ومعلمي الأونروا حول الحياد والمبادئ الإنسانية الأخرى، وحول حقوق الإنسان. وفي غضون ذلك، توقف عن استخدام مثل هذه المواد..
وجاء في التقرير أن نظام التعليم في الأونروا يعتبر أمرا حاسما بالنسبة لمئات الآلاف من الأطفال الفلسطينيين، إذ توفر الأونروا التعليم الابتدائي والإعدادي لنصف مليون تلميذ في 706 مدرسة، ويعمل بها 20,000 كادر تعليمي.
نظام التعليم في غزة
أشار التقرير إلى أن التعليم الذي يمثل 40% من طاقم التعليم في الأونروا، قد انهار بسبب النزاع المستمر، حيث أصبح جميع الأطفال في غزة الآن خارج المدارس. وتابع تمثل ممارسة الأونروا في استخدام المناهج والكتب المدرسية في البلد المضيف وفقًا لتوصيات اليونسكو وهذا يمكّن طلاب لاجئي فلسطين من الانتقال من الأونروا إلى مدارس البلدان المضيفة لا يتم إنتاج الكتب المدرسية من قبل الأونروا ولكن تنطبق التزامات الوكالة الحيادية، حيث يتم استخدام الكتب المدرسية في المدارس التي تمولها الأونروا أو الأونروا. وبالإضافة إلى الكتب المدرسية، يتم في بعض الأحيان استخدام المكملات التعليمية المنتجة محلياً في مدارس الأونروا.
ولفت التقرير إلى أن أحدث المراجعات السنوية السريعة التي تجريها الأونروا للكتب المدرسية الصادرة عن السلطة الفلسطينية هي مراجعة 2022/2023. ووجدت اللجنة أن 3.85 في المئة من جميع صفحات الكتب المدرسية تحتوي على قضايا تهم قيم الأمم المتحدة أو توجيهاتها أو مواقف الأمم المتحدة بشأن الصراع، إما لأنها تعتبر غير مناسبة من الناحية التعليمية أو لأنها لا تتماشى مع معايير اليونسكو.
وقال إنه حتى لو كانت هامشية، فإن هذه القضايا تشكل انتهاكا خطيرا للحياد. ومن بين القضايا المختلفة، كانت القضايا المتكررة هي استخدام الخرائط التاريخية في سياق غير تاريخي، على سبيل المثال. ومن دون تسمية إسرائيل؛ تسمية القدس عاصمة لفلسطين؛ تسمية المدن في إسرائيل بالمدن الفلسطينية؛ استخدام كلمة صهيوني (على سبيل المثال “الاحتلال الصهيوني” في إشارة إلى إسرائيل).
ومن بين الادعاءات التي أطلقتها المنظمات غير الحكومية بشأن انتهاكات الحياد في المواد التعليمية، ثمانية منها مرتبطة بمواد تعليمية من السلطة الفلسطينية لا تستخدم في مدارس الأونروا في غزة. أما بقية الادعاءات المتعلقة بالكتب المدرسية للسلطة الفلسطينية التي تستخدمها الأونروا، فتتم معالجتها في الفصل الدراسي باستخدام نهج التفكير النقدي.
وبالإضافة إلى الإجراءات والأطر والآليات المعمول بها، عملت الأونروا مع اليونسكو منذ عام 2011 لإصلاح المناهج والمواد التعليمية، بما في ذلك الحوار مع السلطات الوطنية. وبعد المراجعات السابقة والحوار مع الجهات المانحة، والأونروا واليونسكو، عملت السلطة الفلسطينية على تغيير المحتوى التعليمي الذي لا يلبي قيم ومعايير الأمم المتحدة. ومع ذلك، استمرت المشكلة وتقييم رئيسة الفريق هو أن الأونروا استجابت للادعاءات المتعلقة بانتهاكات الحياد والانتقادات الموجهة للكتب المدرسية وبادرت بمجموعة من المبادرات لضمان حياد موادها التعليمية والتدريس.