تقرير: خيارات إسرائيل على طاولة نتنياهو لمهاجمة لبنان.. حرب شاملة ام تصعيد ساخن ومؤلم؟

توجيه “ضربة قوية” لـ”حزب الله” في لبنان، ولكن دون انزلاق إلى “حرب شاملة وإقليمية”.. كيفية تحقيق هذا الهدف الصعب يمثل معضلة تواجهها إسرائيل منذ السبت.
والسبت، قُتل 12 درزيا، معظمهم أطفال، وأُصيب نحو 40 آخرين؛ جراء سقوط صاروخ على ملعب لكرة القدم في مجدل شمس بمرتفعات الجولات السورية التي تحتلها إسرائيل منذ حرب 1967.
وبينما اتهم الجيش الإسرائيلي “حزب الله” بالوقوف خلف هذه الحادثة وتتصاعد تهديداته بالرد، نفى الحزب أي مسؤولية عنها، رغم القصف المتبادل بينهما منذ 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وفور عودته من الولايات المتحدة الأحد، عقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سلسلة اجتماعات أمنية وعسكرية، وترأس اجتماعا للمجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية (الكابينت).

وأضفى بيان أصدره مكتب نتنياهو، في ختام اجتماع الكابينت، مزيدا من الغموض على توقيت وطبيعة الأهداف المحتمل أن تهاجمها إسرائيل، التي تحتل منذ عقود أراضٍ لبنانية في الجنوب.
وفي البيان، الذي صدر بعد مناقشات استمرت 3 ساعات ونصف الساعة، “فوض أعضاء الكابينت رئيس الوزراء (نتنياهو) ووزير الدفاع (يوآف غالانت) باتخاذ القرار بشأن طريقة وتوقيت الرد على حزب الله”.
وتتبادل فصائل لبنانية وفلسطينية في لبنان، أبرزها “حزب الله”، مع الجيش الإسرائيلي قصفا يوميا عبر “الخط الأزرق” الفاصل، أسفر عن مئات القتلى والجرحى معظمهم بالجانب اللبناني.
وترهن الفصائل وقف القصف بإنهاء إسرائيل حربا تشنها بدعم أمريكي على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر الماضي؛ ما خلّف أكثر من 130 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود.
هجوم محتمل ورد متوقع
ووفق محللين عسكريين إسرائيليين، تخطط تل أبيب لشن هجوم كبير، ولكن بما لا يؤدي إلى اندلاع حرب شاملة، وفي الوقت نفسه تستعد لرد من “حزب الله”.
وكتب محلل الشؤون العسكرية بصحيفة “هآرتس” العبرية عاموس هارئيل، الاثنين: “ركزت المناقشات الأمنية على مدى قوة الرد المطلوب، فضلا عن الجهود المبذولة للتنبؤ بكيفية رد حزب الله عليه”.
ورجح أن “التبادل القادم للضربات سيحدد ما إذا كانت نقطة تحول في الحرب قد حدثت بالفعل، بحيث تنتقل الجبهة الشمالية (لبنان) إلى مركز الصدارة، أم أن هذا مجرد تصعيد آخر يمكن احتواؤه”.
وبشأن إيران، رأى هارئيل أن “اعتبارات طهران معقدة. فحرب الاستنزاف مع إسرائيل تخدم المصالح الإيرانية، ولكن ليس من الواضح ما إذا كانت حرب إقليمية شاملة ستفعل ذلك الآن”.
وتعتبر كل من إيران وإسرائيل الدولة الأخرى العدو الأول لها، وتدعم طهران “حزب الله”.
وحسب هارئيل: “تمارس الولايات المتحدة ضغوطا شديدة على إسرائيل حتى لا ترد بقسوة شديدة في لبنان، وفق وصف إدارة (الرئيس الأمريكي جو) بايدن”.
ومنذ اندلاع حرب إسرائيل على غزة وقصفها المتبادل مع “حزب الله”، تقدم واشنطن تل أبيب دعما قويا على المستويات العسكرية والمخابراتية والدبلوماسية.
و”يخشى الأمريكيون حربا إقليمية قد تؤثر على الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني (المقبل)، فيما يخشى المجتمع الدولي حربا تسيطر على الأجندة الدولية في ذروة الألعاب الأولمبية (الراهنة بباريس)”، كما زاد هارئيل.
السنوار وحرب إقليمية
وبخصوص قطاع غزة، قال هارئيل: “ما يحدث على الحدود اللبنانية يؤثر ويتأثر بالحرب مع حماس في غزة والمفاوضات بشأن صفقة الرهائن (الأسرى الإسرائيليين)”.
وتحتجز تل أبيب في سجونها ما لا يقل عن 9 آلاف و500 فلسطيني، وتقدر وجود 115 أسيرا إسرائيليا بغزة، أعلنت حماس مقتل أكثر من 70 منهم في غارات عشوائية شنتها إسرائيل.
وأضاف هارئيل أن “زعيم حماس في غزة يحيى السنوار لديه مصلحة في الانتظار، بدلا من المضي قدما نحو اتفاق؛ لأنه إذا كانت هناك فرصة لجر إسرائيل لحرب إقليمية تشمل حزب الله مباشرة وإيران بشكل غير مباشر، فسيكون هذا ربحا خالصا من وجهة نظره”.
واستدرك: “لكن كل الدلائل تفيد بأن نتنياهو يؤخر إبرام اتفاق. ورد إسرائيل الأخير على الوسطاء شمل تشديدا في مواقفها وتقول مصادر أمنية مطلعة إن فرص استجابة حماس كانت ضئيلة حتى قبل التصعيد في الشمال”.
وبوساطة مصر وقطر ومشاركة الولايات المتحدة، تجري إسرائيل وحماس منذ أشهر مفاوضات غير مباشرة متعثرة لإبرام اتفاق لتبادل أسرى ووقف الحرب الإسرائيلية المتواصلة على غزة منذ 7 أكتوبر الماضي.
وأسفرت هذه الحرب عن أكثر من 130 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد عن 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة عشرات الأطفال، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
قلق أمريكي
ويتضح من تسريبات إسرائيلية أن واشنطن لا تعارض توجيه تل أبيب ضربة قوية لـ”حزب الله”، ولكنها لا تريد أن يطال الهجوم بنى تحتية مدنية أو العاصمة بيروت.
ونقلت هيئة البث الإسرائيلية (رسمية) الاثنين عن مصدر إسرائيلي مطلع لم تسمه إن “الولايات المتحدة قلقة من احتمال شن إسرائيل هجوم في بيروت”.
والأحد، كتب السفير الأمريكي لدى تل أبيب جاك ليو، عبر منصة “إكس”: “يتعين علينا جميعا أن نجدد التزامنا بمسار دبلوماسي يسمح بعودة السلام والأمن”.
ويعكس هذا التصريح موقف واشنطن الرسمي الداعي إلى حل دبلوماسي على طرفي الحدود الإسرائيلية واللبنانية، وهو ما تعتقد أنه سيكون ممكنا حال التوصل لوقف إطلاق نار بغزة، كما يؤكد مسؤولون أمريكيون منذ أشهر.
ولكن بما أن إسرائيل تريد شن هجوم كبير على “حزب الله” دون اندلاع حرب إقليمية، فقد برزت تساؤلات إسرائيلية بشأن طبيعة الأهداف التي ربما يطالها الهجوم.
استهداف بيروت
وكتب المحلل العسكري في موقع “واينت” الإخباري الإسرائيلي يوآف زيتون الاثنين إن “القيادة الإسرائيلية قررت بالفعل الهدف المحتمل مهاجمته، وتم تقديمه للتصديق عليه أمس (الأحد) في الكابينت”.
وأضاف: “قدرت مصادر أمنية أنه هدف محدود، ولكنه مهم”، دون تفاصيل.
وتابع: “قدر مسؤولون كبار أنه في حين أن الكابينت سيوافق على رد قوي، فلن يجر إسرائيل إلى حرب شاملة”.
زيتون أردف: “تقول إسرائيل إنه رغم أننا قد ندخل بضعة أيام من القتال، إلا أنها ستكون مجرد خطوة محدودة حتى لو انحرفت عما عرفناه حتى الآن في الحرب الحالية بلبنان”.
واستطرد: “لدى إسرائيل بنك أهداف واسع في الأراضي اللبنانية ويمكنها أن تختار من بين أمور أخرى مهاجمة مستودعات الأسلحة الاستراتيجية، حيث يتم تخزين الصواريخ الدقيقة، واغتيال شخصيات بارزة أخرى (بحزب الله)”.
واعتبر أنه “حتى لو استهدف الهجوم أبعد نقطة حتى الآن، فلا معنى له ما لم يكن في بيروت”.
و”يحتل حزب الله مناطق مدنية كبيرة ببيروت، مثل الميناء البحري الرئيس بالمدينة، ويمكن للجيش الإسرائيلي تنفيذ هجوم دقيق يُسمع في جميع أنحاء بيروت وليس فقط في حي الضاحية معقل حزب الله”، حسب زيتون.
ونقل عن مصدر إسرائيلي رفيع لم يسمه: “على الرغم من أن الرد سيكون قاسيا، إلا أنه لن تندلع حرب شاملة. ومن المتوقع أن يُقابل الهجوم الإسرائيلي برد أقسى من المعتاد من حزب الله”.
سيناريوهات مختلفة
ووفق المحلل العسكري في موقع “واللا” العبري أمير بوخبوط، فإن القيادة الشمالية بالجيش الإسرائيلي بدأت الأحد استعدادات لسيناريوهات متنوعة، وذلك بتنسيق من مديرية العمليات بهيئة الأركان العامة والقوات الجوية والبحرية”.
وكتب بوخبوط الاثنين: “من بين الخيارات، شن هجوم واسع على أهداف لحزب الله أكثر من الوضع الراهن، وفي الوقت نفسه الدفاع ضد هجوم واسع متوقع من الحزب على الجبهة الداخلية الإسرائيلية من الأرض والجو”.
وحسب صحيفة “معاريف” الإسرائيلية، الاثنين، فإن تفويض الكابينت لنتنياهو وغالانت يرجح احتمال توجيه “ضربة كبيرة” لـ”حزب الله، لكن ليس ضربة تؤدي إلى حرب”.
وأعلن وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب، الأحد، أن بلاده تلقت تطمينات من “دول معنية” بأن الضربة الإسرائيلية “ستكون محدودة” وكذلك رد “حزب الله” عليها، دون تفاصيل.