تقسيم أعمال المنزل بين الزوجين يهدد 50% من الزواجات بالانهيار #عاجل

لم يعد دخول الرجل إلى المطبخ لمساعدة زوجته، أو حتى معاونته لها في ترتيب المنزل، أو العناية بالصغار أمرًا غريبًا، أو متناقضًا مع الرجولة.

لكن هذا يبقى -لدى كثيرين، إن لم نقل الغالبية- مثل الأسرار الدفينة التي على الزوجة ألا تفشيها خارج أسوار منزلها، والتي يخجل الزوج من أن يجاهر بها فيصبح مجالا للتندر، وكثيرًا ما يبدأ زملاؤه تجريحه باللجوء للمزاح حينًا، وتطور الأمور إلى اللمز أخرى، وقد تنتهي الحال أخيرًا إلى ما لا تحمد عقباه.

ثمة وجهان للرجل في هذا الوقت أحيانًا، أحدهما هو ذاك الرجل السمح المتعاون مع زوجته في كل شؤون المنزل، وآخر يظهره حين يكون بين الآخرين، فيخشى أن يصرح أنه يعين أهل بيته في شؤون المنزل التي بقيت حكرًا على الزوجات سنوات طويلة، وكان يعاب على الرجل أن يقوم بأي منها، كأن الأمر يشبه سبة أو عيبًا في رجولته، وهو ما جعل عددًا من الرجال متعاونين في المنزل، جاحدين خارجه.

وربما كان انحصار أعمال المنزل على المرأة تقليدًا قديمًا لم يعد يتوافق مع التغيرات الاجتماعية الكثيرة التي شهدناها في السنوات الأخيرة، وما زالت تتوالى، ولعل أهمها أن المرأة باتت تعمل اليوم خارج المنزل، مثلها مثل الرجل، وبالتالي بات من الظلم في عرف كثيرين أن تعود من عملها لتباشر أعمال المنزل كأعباء إضافية، فيما يكتفي الرجل بالاتكاء على وسادته، وإطلاق الأوامر.

اختلاف في الرؤى

يختلف كثيرون في نظرهم إلى مسألة تعاون الزوجين معًا في أعمال المنزل، وإن كانت توصف دومًا بأنها «مساعدة» من الرجل لزوجته.

وجعلت المتغيرات البديهية تعاون الزوجين في أعمال المنزل ضمن واجبات العصر الحديث، خصوصًا مع تزايد أعباء الزوجة، لكن كثيرين ما زالوا يرون أن عمل الرجل يجب أن ينحصر في الخارج، وأن أعمال المنزل خلقت للمرأة، وهي تتطابق مع صفاتها وطبيعتها.

في المقابل، يرى آخرون أن عمل الرجل مع المرأة في الأعمال المنزلية يعد إخلالًا بقوانين الطبيعة التي أعطت الرجل مواصفات بدنية وعضلية تؤهله للأعمال الخشنة خارج المنزل، وليس لأعمال المنزل التي خلقت للمرأة.

من جانبهم، يعد كثيرون مساعدة الزوج لزوجته في أعمال المنزل ورعاية الأطفال واردة، شرط ارتباط الزوجة بوظيفة تمنعها من مزاولة أعمال المنزل في الوقت المناسب، مما يستلزم مد يد العون من الشريك الأساسي لها، أو بظروف مرضية تمنعها من مزاولة مسؤولياتها المنزلية.

مؤسسة اجتماعية

يوضح أستاذ علم اجتماع الصناعة والتنظيم في جامعة الملك عبدالعزيز، الدكتور مشبب الأسمري أن «الأسرة تعد مؤسسة اجتماعية، وبالتالي فإن هناك تكاملًا في الأدوار، وليس هناك في تعاونها وتكاملها ما يمكن أن يوسم بأنه نقص بالرجولة».

وأضاف «عندما نعود في التاريخ، نجد أن الرجل كان يقوم غالبًا بمسألة الطهي والقيام بالضيافة، وذلك بدرجة كبيرة مقارنة بالمرأة التي كان دورها مكملًا آنذاك، وعلى الرغم من أن الماضي كان أكثر حدة في الالتزام بالأعراف والعادات، إلا أنه لم ينظر لعمل الرجل في الطبخ وتقديم الضيافة على أنه نقص برجولته، كما أن ديننا الإسلامي حث على تعاون الرجل مع أهل بيته، فقدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان همه أن يقوم بشؤون أسرته».

ويرى الأسمري أن مسألة دخول الرجل إلى المطبخ، والنظر إليه بنظرة دونية، تترتب على ثقافة المجتمع والسياق المجتمعي، وهي ضمن سلسلة من العادات التي لا تزال موجودة حتى الآن مثل أكل المرأة مع زوجها وكشف المرأة عند المرأة، وهي ثقافات فرعية لا تمثل المجتمع بشكل عام، ولا تمثل الدين أيضًا، فالأسرة المتحضرة والمتكاملة تنظر إلى هذا الأمر من منظور الشعور بالمسؤولية والتعاون، وهي ليست عيبًا أو نقصًا بالرجولة.

مجتمع تقليدي

تؤكد الأخصائية النفسية نجلاء البريثن، أن هناك فئة من المجتمع، ما زالت تعد دخول الرجل المطبخ عيبًا ونقصًا من رجولته، وهي تسمه حين يفعل ذلك بأنه «ضعيف شخصية، وأن زوجته تسيطر عليه، وقد يصبح حديث المجالس».

وتضيف «لكن هذا لا ينكر كذلك أن هناك فئة تعد هذا العمل من باب التعاون مع الزوجة، ويفتخرون بهذا، ويعدونه اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويرونه مكملًا لقوة الشخصية، وحريصًا على إظهار الود والمحبة لزوجته وأطفاله، وأنه يقرب المسافة بينهم».

وتتابع «للأسف، مجتمعنا ينشئ عادات وتقاليد لا تمت للدين بصلة، ويبدأ يبني عليها أسسه، وينشأ الأبناء فيها على هذا المنوال، فنجد أن بعض الأهالي عندما يجدون أحدًا من الأبناء في المطبخ يطبخ أو يساعد يسارعون إلى إخراجه لأن ذلك يجعله كالنساء، لكن لو ساعد الزوج زوجته في أعمال البيت، ولو رآه أطفاله في تلك الحالة لتغيرت نظرة الأبناء إلى الأمر، ولصار هذا الأمر عاديًا في المجتمع».

ثقافة سائدة

أفاد المستشار التربوي والأسري أحمد النجار أن «الثقافة المجتمعية السائدة تؤثر تأثيرًا كبيرًا إما سلبًا أو إيجابًا على الإنسان بشكل عام، وعلى الزوجين وحياتهما الزوجية بشكل خاص، ومما شاع في ثقافة المجتمعات الشرقية أن أعمال المنزل هي من نصيب الزوجة ومهامها الحصرية وتقع داخل نطاق مسؤوليتها، وكأن الأنوثة لا تكتمل إلا بذلك، وأن الأنثى إن حاولت أن تخرج عن هذا الموروث الثقافي المجتمعي الشرقي السائد فلا بُد أن تقابل بالرفض والاستهجان!.

وهذه الثقافة إن عششت داخل عقل الرجل أحالته إلى شريك حياة غير متعاون ولا معطاء، وجعلته متطلبًا وغير مراعٍ لمواصفات الحياة الزوجية الجديدة القديمة، فتلك المواصفات جديدة من حيث كثرة خروج المرأة للعمل خارج المنزل، وهي بذلك قد وقعت تحت عبء إضافي فوق عبء عملها في منزلها، ولكنها في نفس الوقت شاركت الزوج عبء الإنفاق على المنزل من عملها هذا، وبات لازمًا على الزوج حينها أن يفعل مثل فعلها، وأن يرد لها مساعدتها له بمساعدتها في مهام المنزل، وكون المواصفات قديمة لأنه ثبت عن أفضل وأكمل رجل وزوج في الكون محمد بن عبدالله -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يخدم في بيته ويقوم بمعظم شؤونه بنفسه».

وأضاف «المطبخ الآن بات فنًا أكثر منه عملًا منزليًا، بل على العكس فقد برع في الطبخ رجال أكثر من النساء، ولا بد أن يعيد الرجل برمجة ثقافته، فلا الطبخ ولا المطبخ يعيب الرجل أو ينتقص من رجولته، إنما يعيبه التخلي والاتكالية وعدم التعاون مع شريكة حياته، وإن كان هذا لا ينفي أن الزوجة هي الأصل في هذه المهمة وأن الزوج معين ومساعد لها في حال اقتضت الظروف ذلك، كعمل الزوجة أو مرضها أو انشغالها بأطفالها أو من باب الحب الذي يدفع كلا الطرفين لتقديم كل ما يحتاج إليه الزواج».

نمط اجتماعي

وضحت الباحثة الاجتماعية أماني العجلان أن مساعدة الزوج لزوجته في الأعمال المنزلية لا يجدر مطلقا أن ينظر إليها على أنها عيب أو انتقاص من رجولته، وتقول «لا ننكر أن هناك من يتداول مسألة مساعدة الزوج لزوجته في الأعمال المنزلية ويصورها عيبًا ونقصًا في الرجولة، وهذا نمط اجتماعي متعارف عليه، وظهور هذه الصورة النمطية يعود إلى طبيعة الحياة في السابق عندما كان الزوج يسافر للتجارة أو للعمل بعيدًا في المزارع أو الصيد والعمل لساعات طويلة تستغرق يومًا كاملًا في سبيل جلب الرزق لبيته وأسرته، كونه هو المسؤول الوحيد عن أسرته التي قد تضم عدا زوجته وأبنائه والديه، وتصل أحيانًا لرعاية إخوته، مما يحول قطعًا دون تقديمه العون لزوجته، ومع مرور الزمن أصبحت تلك ظاهرة متعارف عليها، فبات الزوج لا يعمل نهائيًا في المنزل».

وأضافت «بدأت هذه الصورة النمطية تتغير مع عودة المبتعثين من الخارج، حيث اعتادوا القيام بالأعمال المنزلية من الطبخ وغسيل وتنظيف، بعد أن كانوا مدللين من أمهاتهم وأخواتهم، هذا ما جعلهم يلمسون بأنفسهم حقيقة أن القيام بالأعمال المنزلية لم ينتقص من رجولتهم مما دفعهم للاستمرار بمشاركة هذه الأعمال بعد ارتباطهم بالزواج».

وأوضحت «أن مشاركة الزوج لزوجته بالأعمال المنزلية أو عدم مشاركته بكلا الحالتين لا يعد خطأ أو عيبًا، بل يعود إلى طرفي العلاقة الزوجية ومدى تفاهمهما حول هذا الأمر، وهما من يحددان هذا الأمر من عدمه، وليس المجتمع».

مشكلة عالمية

قد يتبادر إلى الذهن أن مسألة مساعدة الرجل لزوجته تظل عيبًا في مجتمعنا وحده، لكنها مشكلة عامة في معظم المجتمعات بما فيها تلك التي أنصفت المرأة وأعطتها حقوقًا كثيرة، فقد أكدت دراسة بريطانية حديثة، على أن عبء الحفاظ على نظافة المنزل في البداية لا بد أن يكون مسؤولية مشتركة وبالتساوي بين الأزواج، إلا أن الدلائل تشير إلى وجود فجوة بدأت تظهر بين الزوجين، وهذا في المجتمع البريطاني.

وأفادت دراسة فرنسية أن الرجال الذين تربوا مع أمّ فقط، يكونون على استعداد لتقاسم مهام الأعباء المنزلية مع زوجاتهم، ولكن بمجرد وصول الأطفال، تضطلع النساء بمسؤولية أكبر في تدبير شؤون المنزل.

كما توصلت دراسة نرويجية إلى أن تقسيم الأعمال المنزلية بين الزوجين بالتناصف من الممكن أن يعرض الزواج إلى الانهيار بنسبة 50%، وكشفت أن نصيب الأسد من الأعمال المنزلية كان يقع على عاتق المرأة في أكثر الأحيان.

وقالت مستشارة علاقات «من المهم أن يشعر الأزواج بوجود جهد يبذلونه بشكل متساوٍ، وهذا لا يعني بالضرورة أن يشاركوا في كي الملابس، والقيام بتعديل كُم قميص أو تي شيرت معين، بدلا من ذلك يستطيع كل زوج أن يفعل الشيء الذي يحبذه ويمثل نقاط القوة الخاصة به».

وأثبتت دراسة أمريكية أن الرجال المتزوجين الذين يعملون في الوظائف التقليدية نادرًا ما يساعدون زوجاتهم في الأعمال المنزلية، مقارنةً برجال يعملون في وظائف تضم «جانبا نسائيًا» أكبر.

وأوضحت الدراسة أن الرجال العاملين مثلا في التدريس أو التمريض أو السكرتارية، وهي وظائف لديها جانب نسائي، يخصصون وقتًا أطول لمساعدة زوجاتهم في الأعمال المنزلية.

وقالت الدراسة إنه لا يوجد رجل يساعد زوجته في أعمال البيت إلا إذا كان الزواج قد تم بينهما عن تفاهم وحب.

نساء يرفضن المساعدة

في المقابل، ثمة نساء ترفض مساعدة الرجل لها، ويعتبرن مجرد مشاركته لهن نوعًا من التدخل فيما يسمينه مملكتهن الخاصة، كما أن بعض الرجال باتوا يبالغون في الحديث عن مساهمتهم في الأعمال المنزلية، إلى درجة الاستعراض، حيث يقول (ف.ع) «نحن مجموعة من الأصدقاء المقربين، وبيننا شخص يطبخ وجبات بيته في كثير من الأوقات من باب التفنن والتحدي لزوجته في الطبخ أو مساعدتها، ولكن نحن كزملاء نرى أن الأمر تطور وبات مع الوقت مبالغة وليست مساعدة، ومن كثرة تصويره لطبخه عبر السناب شات نتوقع أن جزءًا مما يقوم به ليس أكثر من استعراض وجذب اهتمام من حوله بمن فيهم أهل زوجته، ومع مرور الوقت أصبحنا نستنكر مبالغته في الطبخ ونسخر منه».

وبين «نحن لا ننظر لمساعدة الرجل لزوجته على أنها عيب، ولكن المبالغة فيها والتباهي بها والاستعراض يخرجها من إطار المساعدة إلى حالة الاستعراض وهنا يكون العيب»، مشيرًا إلى أن «دخول الرجل للمطبخ ازداد شيوعًا خلال فترة الحجر من كورونا، وهي التي صقلت مهارات عدد من الرجال وأصبحت عادة لديهم، وإن كان البعض قد استغل مواقع التواصل الاجتماعي ليصور نفسه بالمطبخ مع زوجته بهدف التربح وجذب المتابعات واستمالة الجنس الآخر».

إحسان العشرة

يرى دعاة ومفتون أن إعانة الرجل زوجته في أعمال المنزل من إحسان العشرة ومن مكارم الأخلاق التي سنّها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاريّ في صحيحه قال: بَاب خِدْمَةِ الرَّجُلِ فِى أَهْلِهِ – فيه: الأسْوَدِ: أنه سَأَل عَائِشَةَ، مَا كَانَ النَّبي صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ فِي الْبَيْتِ ؟ قَالَتْ: كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ، فَإِذَا سَمِعَ الأذَانَ خَرَجَ.

قال المهلّب: هذا من فعله عليه السلام، على سبيل التواضع وليسنَّ لأمته ذلك، فمن السنة أن يمتهن الإنسان نفسه في بيته فيما يحتاج إليه من أمر دنياه وما يعينه على دينه. شرح صحيح البخاري ـ لابن بطال.

وقال السندي: «ففيه أن خدمة الدار وأهلها سنّة عباد الله الصالحين». حاشية السندي على صحيح البخاري.

وهذا الأمر كما أنّه من أسباب وجود المودة والرحمة بين الزوجين، فهو أيضًا ممّا يعين الإنسان على تطهير نفسه من الكبر والتجبّر وتعويدها على الرفق والتواضع، وذلك من أنفع الأخلاق التي يحبّها الله ويرفع قدر صاحبها، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «… وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ». رواه مسلم.

ـ تغير في نظرة المجتمع لمشاركة الرجل في الأعمال المنزلية.

ـ التطورات المجتمعية وعمل المرأة خارجا يعززان فكرة تعاون الزوجين في المنزل.

ـ الخشية من الأقوال تدفع بعض الرجال للإحجام عن المشاركة بحجة انتقاص رجولته.

مبررات شرعية لمساعدة الرجل زوجته

ـ الاقتداء برسول الله الذي كان في مهنة أهله.

ـ تعد من إحسان العشرة ومن مكارم الأخلاق.

ـ تعبير عن التواضع وهي سنة عباد الله الصالحين.

ـ تعد من أسباب وجود المودة والرحمة بين الزوجين.

ـ تعين الإنسان على تطهير نفسه من الكبر والتجبّر.

ـ تعود الزوج على الرفق والتواضع.