بتأنٍ شديد، يسير عدد من الفلسطينيين بين مجارٍ مائية، في وادي غزة، وسط القطاع، في رحلة توعوية، للتعرّف على طبيعة البيئة النباتية والحيوانية هناك.
تتسبب طبيعة التربة في الوادي، بانزلاقات للقدم أثناء المشي، فضلا عن النمو العشوائي لبعض النباتات والأشجار على ضفاف المجاري المائية، ما يجعل عملية السير أكثر صعوبة.
تشكّل هذه الرحلة، داخل الوادي، الذي تحوّل على مدار العقود الماضية، إلى مكب للنفايات الصلبة، ومياه الصرف الصحي غير الُمعالجة، إنجازا، على طريق استرجاع الوادي كمحمية طبيعية.
وخلال السنوات الماضية، اعتبر الفلسطينيون وادي غزة مكرهة صحية، وبؤرة للتلوث، ومصدرا للروائح الكريهة، يفضلون عدم الاقتراب منه.
وعام 2000 أعلنت سلطة جودة البيئة الفلسطينية، وادي غزة، كأول محمية طبيعية في القطاع.
وادي غزة، الواقع وسط القطاع، هو نهاية مجرى مائي طويل يبلغ طوله (77.7كم)، وينبع من جبال النقب والمرتفعات الغربية لجبال الخليل، ويمتد انتهاء إلى البحر الأبيض المتوسط ؛ فيما يبلغ طوله داخل القطاع حوالي (9 كم).
ويسعى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، الذي ينفّذ هذه الرحلات التوعوية، إلى تطوير الوادي، وتحويله لمحمية طبيعية، على مدار السنوات الـ10 القادمة.
**قيمة جغرافية وبيئية
كانت الرحلة التي قطعها فلسطينيون داخل وادي غزة، شيّقة، حيث تعرفوا على أنواع النباتات التي تنمو هناك، والحيوانات والطيور التي تزور المنطقة.
وبعد انتهاء الفعاليات المعرفية، انتقل هؤلاء إلى تنفيذ فقرات ترفيهية تراثية، كترديد الأغاني الشعبية، وطهو الطعام على أفران الطين.
وقالت دينا بدير، عضو فريق “مناصرة حملة وادي غزة”، إن هذه الفعالية تسعى إلى التعريف “بوادي غزة، وأهميته، وإظهار قيمته الجغرافية والبيئية، وطبيعة الحياة الحيوانية فيه”.
وأضافت، في حديثها لوكالة الأناضول، هذه الرحلة، تتطرق أيضا لتوضيح أسباب انقراض “الحياة الحيوانية في الوادي، عدا أنواع محددة جدا منهم”.
وأوضحت أن للشباب الفلسطيني دور في تغيير “الصورة النمطية عن الوادي، والسلوك في التعامل معه، وذلك عبر نشر مواد توعوية على منصات التواصل الاجتماعي”.
وانتقلت بدير فور انتهاء حديثها، للمشاركة في طهو الطعام، للشبان المشتركين في الرحلة.
**قيمة تاريخية
من جانبه، قال محمد أبو ارجيلة، منسق فريق المناصرة، وصانع محتوى، إن هذه الرحلة تساهم في إثراء المشاركين بثقافة حماية البيئة، والحفاظ على مقدراتها الحيوية، كي يكونوا مستقبلا، سفراء لها.
وأضاف، في حديثه لوكالة الأناضول، “نطمح لتحويل هذا المكان من مكرهة صحية، إلى منطقة سياحية يمكن زيارتها بحرية، والتمتع فيها”.
وذكر أن أهمية هذا الوادي، تنبع إلى جانب إعلانه محمية طبيعية، عن قربه من عدد من المواقع الأثرية، مثل “تل أم عامر، وتل السكن، وتل العجول”.
واستكمل قائلا: “هذه الآثار التاريخية التي تًثبت للعالم أصالة الشعب الفلسطيني المقيم على هذه الأرض منذ قدم التاريخ”.
وأشار إلى أن كل رحلة يتم تنظيمها في الوادي، تضم نحو 40-50 شابا وشابة، وذلك كي يساهموا في تحويل هذا التغيير الإيجابي في الوادي، إلى ثقافة لدى الناس.
**مشروع وادي غزة
وفي السياق، يقول محمد أبو شعبان، مدير مشروع “وادي غزة”، في UNDP، إن منظّمته نفّذت رحلتيْن توعويتيْن ضمن حملة التوعية المُبتكرة، والمناصرة لمشروع وادي غزة.
وأضاف في حديثه لوكالة الأناضول، إن منّظمته، أعدت خلال السنوات الماضية، مُخططا هيكليا للمنطقة، لاسترجاع قيمتها التي تدهورت عبر الزمن”.
وبيّن أن منظّمة UNDP اليوم “وصلت إلى منتصف حملة التوعية، التي تستهدف المواطنين، والمجتمع المحلي، والمؤسسات الحقوقية والمحلية، لاستقطاب اهتمامهم بقضايا الوادي”.
كما قال إن هذه الرحلات تأتي في المرحلة النهائية من التحضيرات، قبل إطلاق مشروع “وادي غزة على أرض الواقع”؛ الذي تنفذّه UNDP.
وتابع: “خلال العاميْن الماضييْن، أطلق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، هذا المشروع الكامل، لإعادة تطوير وادي غزة، واسترجاعه كمحمية طبيعية”.
وذكر أن هذا المشروع، الذي من المأمول تنفيذه خلال السنوات العشر القادمة، تبلغ تكلفته نحو 66 مليون دولار أمريكي.
واستكمل قائلا: “يساهم هذا المشروع في إدراج الوادي كمحمية طبيعية على القائمة الأساسية، لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، ونقله من الاحتياطية”.
**تمويل المشروع
قال أبو شعبان إن المشروع، الذي ساهمت في أنشطته وبرامجه، كلا من الحكومتين النرويجية والبلجيكية، يتكون من عدة أجزاء ومراحل.
وأردف قائلا: “التمويل الذي تلقّيناه من الحكومتين، هو جزء من التمويل اللازم، ما زال أمامنا العديد من التحديات بخصوص التمويل، ونسعى لإشراك المزيد من المُمولين لتنفيذ المشروع”.
وأوضح أن المنظّمة الأُممية، ستبدأ في مارس/ آذار المقبل، بتنظيف مجرى الوادي من النفايات الصلبة، وتشجيره.
وذكر أن المشروع، المُمتد على مدار 10 أعوام، سيتضمن أيضا إنشاء مناطق ترفيهية وسياحية على طول الوادي، فضلا عن خلق فرص عمل للشباب والمجتمع المحلي في المنطقة.
**التحديات والمشكلات
وعن التحديات والمشكلات التي تواجه وادي غزة، قال أبو شعبان إن أبرزها يتمثّل في “الزحف العمراني في محيط الوادي، وتغيير استخدامات الأراضي هناك”.
أما التحدي الثاني، بحسب أبو شعبان، فهو مرتبط بضخ “مياه الصرف الصحي، على مدار سنوات، في الوادي، ما تسبب بتدمير وتلوث المياه والتربة، والخزان الجوفي”.
كما يشكّل استخدام الوادي كمكب عشوائي للنفايات الصلبة ومخلّفات البناء والحيوانات الميّتة المُلقاة في مجرى المياه، فضلا عن النفايات المتراكمة حوله، تحدّ آخر، وفق قوله.
واستكمل قائلا: “ندرة مصادر المياه الواصلة إلى الوادي، تشكّل تحدٍّ، يُضاف إلى مجموعة المشكلات التي يواجهها الوادي”.
ويتجسّد آخر تحدٍّ، وفق أبو شعبان، في “فيضان الوادي بموسم الأمطار”.
وأشار إلى أن المخطط الهيكلي، الذي أعدّته المنظّمة، وضع برنامجا للتغلب على كافة التحديات.
ومن أبرز هذه الحلول التي وضعتها الخطة، إنشاء بعض الحمايات للمناطق السكنية، لمنع فيضان الوادي ، شتاء، حيث سيتم تنفيذها في المراحل اللاحقة”، بحسب أبو شعبان.
وأضاف إن المنظّمة تعتزم إجراء دراسة حول تأثير “مياه الصرف الصحي، والنفايات الصلبة على التربة”، فيما سيتم استبدال التربة التي يُثبت تلوثّها، بأُخرى صالحة.
ولفت إلى أن الجهود ستتواصل من أجل استرجاع القيمة والتنوّع النباتي والحيواني للوادي، في غضون السنوات الخمس القادمة.