جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
حصل الشاعر والكاتب ومقدم البرامج الشهير الدكتور “جمال الشاعر” على بكالوريوس “إدارة الأعمال” في جامعة “طنطا” سنة 1978 بعده نال درجتي الماجستير والدكتوراه في نفس التخصص من جامعة “ماستريخت” الهولندية، وهي واحدة من أهم وأعرق 50 جامعة متميزة في العالم، ورغم قيمة وأهمية تلك المؤهلات التي استفاد منها الشاعر على المستوى الإداري فيما بعد ، إلا أنها لم تصرفه عن حب وعشق الإعلام والسعي إليه والانشغال بالعمل فيه لذلك أصر على أن يخطو خطوات مهمة للدخول لهذا المجال، والبداية كانت من الإذاعة، عندما تقدم الشاعر ضمن 100 متسابق من أجل العمل بها مذيعا ونجح ضمن 22 متسابقا فقط في تحقيق حلمه.
كان شاعرنا وكاتبنا طيلة فترة تدريبه في الإذاعة متميزا بموهبته متفردا في إلقائه ومثار إعجاب أساتذته ومنهم كانت الراحلة العظيمة “جملات الزيادي” مقدمة برنامج “أخبار خفيفة” الذي كان ولا يزال علامة من علامات هذه الإذاعة ، وقد تمنت أن يعمل الشاعر معها في إذاعة البرنامج العام ، لكن شاءت الظروف أن تكون ولادته- إعلاميا- بإذاعة “صوت العرب” التي كانت – بالنسبة له – مدرسة نموذجية لاستيعاب كافة الخبرات الإذاعية من : “كتابة وتحرير وإلقاء وتعليق وترجمة وإذاعة خارجية” وكذا الاشتراك في عضوية اللجان التي استفتحها بعضوية لجنة النصوص بالإذاعة ليكون جنبا إلى جنب مع أساطين الشعر أمثال : محمد إبراهيم أبو سنة ، عمر بطيشة ، حلمي البُلُك ، طاهر ابو فاشا ، فاروق شوشة، وغيرهم ولم يكن قد جاوز الخامسة والعشرين من عمره.
لقد أبلى الشاعر في عمله بالإذاعة بلاء حسنا وتميزت برامجه بمذاق خاص أُعجِبَ به المستمعون والمسؤولون عن الإعلام ، ومنهم الأستاذة سامية صادق، رئيس التليفزيون في ذلك الوقت، والتي عرضت على جمال أن يكون مقدما للبرامج في التليفزيون، ووافق الرجل دون تردد.
كانت النقلة مهمة وكبيرة، تحتاج للمزيد من الجهد والعمل والمثابرة كي يثبت ذاته وفي الوقت نفسه يعبر عن مشكلات الناس ومعاناتهم، وكان أول ما قدم برنامج “نقط على الحروف” وهو أشبه بتحقيق تليفزيوني حول أزمات حاصرت المواطن المصري مثل : “أزمة رغيف العيش وأزمة أنبوبة البتوجاز وأزمة السكن” إلخ، ومن فرط جرأة وصراحة الشاعر في العرض وما تسبب فيه من صداع لبعض المسئولين، اتُخِذَ القرار بوقف البرنامج بعد إذاعة الحلقة الثالثة منه لكن هل يتوقف الموج الهادر لمجرد ارتطامه بصخرة؟ بالطبع لا، لقد أصر شاعرنا وكاتبنا على الاستمرار في مسيرته الإعلامية متجاوزا ما يحول بينه وبين ما يطمح في تقديمه، وقرر الاحتماء بالثقافة وقدم برنامج من العيار الثقيل سماه: “شعر وشعراء” وقد أراده جسرا بين الجمهور وعمالقة الشعر العربي أمثال: نزار قباني، أحمد عبد المعطي حجازي، أدونيس، الأبنودي، فاروق جويدة، أمل دنقل.
كانت فلسفة هذا البرنامج هي الانفتاح على العالم العربي واستعادة مكانة الشعر على خريطة الإعلام، بعد ذلك قدم الشاعر برنامجا ثقافيا آخر “الأوبرا” عَرَّفَ فيه الجمهور فنون الغناء الأوبرالي وقيادة الأوركسترا وفنون الرقص الحديث والفنون التشكيلية والباليهات العالمية.
بمرور الوقت أدرك شاعرنا وكاتبنا أن النغمة الواحدة ستصيب بالملل وتقتل الجاذبية وتُفسِد الانبهار، ومن هنا حرص على التنوع ، وبالإضافة للبرامج الثقافية راح يتفنن في تقديم البرامج الاجتماعية والدينية والسياسية، مثل : برنامج أماني وأغاني، الذي كان بمثابة نقلة نوعية في أشكال البرامج التليفزيونية من حيث الجرأة والجدة والحيوية والنزول بالكاميرات للشارع من إجل إفساح المجال أمام جمهور الأجيال الجديدة من طلاب المدارس والجامعات والعمال والفلاحين وكافة طوائف المصريين، كي يعبروا عن أنفسهم ويُظهروا مواهبهم، والحقيقة أن هذا البرنامج قد أحدث تغيرا جذريا في مفهوم ساعات الذروة على خريطة التليفزيون، لأنه كان يحقق أعلى نسبة مشاهدة في وقت الظهيرة وليس كالمعتاد في السهرة، نتيجة الإقبال الجماهيري المتزايد على مشاهدة البرنامج.
من برامج الشاعر الشهيرة أيضا والتي كانت ولا تزال محفورة في ذاكرة المصريين ، برنامج : “الجائزة الكبرى” وهو مسابقة في الثقافة الدينية وهو مختلف شكلا عن السائد المعروف من البرامج الدينية التقليدية ، وقد ساهم هذا البرنامج في تصحيح الكثير من المفاهيم المغلوطة وتشجيع التنافسية في الاطلاع والمعرفة من أجل الفوز بجائزة مالية او حج أو عمرة أو أو ، وقد كانت جماهيرية البرنامج عظيمة تفوق كل تصور، ومن برامج الشاعر الشهيرة أيضا : “بين الناس، كُتُب ممنوعة، كَلِّم مصر، الشوارع حواديت” وغيرها من البرامج الاجتماعية التاريخية الثقافية الدينية، التي جسدت التحولات المهمة في الشخصية المصرية ووصلت الماضي بالحاضر ووثقت للأعمال التراثية والحرف والصنائع التي كادت تتعرض للتلاشي والانقراض والفنون المعمارية وأسرار تميزها.
من الإسهامات الاجتماعية والثقافية أيضا للشاعر تأسيسه “بيت الشعر سنة 2008، وهو مؤسسة خيرية ليست هادفة للربح موجودة في شارع “المعز لدين الله الفاطمي” الشارع الأقدم في مصر ويرجع تاريخه لأكثر من 1000 عام، كان هدف المؤسسة ولا يزال نشر الثقافة وتشجيع الفنون والترويج للإبداع وتشجيع المبدعين ، ولهذه الأغراض أنشأ مسرحا لتقديم الحفلات الغنائية والموسيقية ومسرح العرائس والفرق الأجنبية التي تقدم عروضها في الشارع ، ومن إنجازاته المهمة أيضا، قيامه بتأسيس قناة النيل الثقافية، أول قناة متخصصة في العالم العربي في مجال الثقافة ، كانت غايته من هذه القناة إنعاش الذاكرة المصرية بنجوم الإبداع والمبدعين وابتعاث كنوز الثقافة وتغطية فعاليات المهرجانات والندوات والمعارض حماية للوجدان المصري من الهبوط والإسفاف.
استضاف الشاعر طوال مسيرته الإعلامية ، شخصيات عظيمة القامة والقيمة ، تنوعت في مستوياتها بين سياسية وعلمية وأدبية ، منها : الرئيس الأسبق لمصر محمد حسني مبارك والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات والرئيس الليبي معمر القذافي والرئيس العراقي صدام حسين والرئيس الألماني شرودر، ومن الفنانين والأدباء استضاف الشاعر لويس عوض، نجيب محفوظ ، شكري عياد ، إدوارد سعيد ، يوسف إدريس، أنيس منصور، ثروت أباظة، كما دفع تميزه الإعلامي إلى اعتلاء العديد من المناصب المهمة منها: رئيس لجنة الإعلام بالمجلس الأعلى للثقافة، وكيل الهيئة الوطنية للإعلام، رئيس قناة النيل الثقافية، رئيس للفضائية المصرية، نائب رئيس قنوات النيل المتخصصة، نائب رئيس التليفزيون، رئيس معهد الإذاعة والتليفزيون. كما أصبح الشاعر عضوا في العديد من المجالس منها: المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، المجلس القومي للشباب، المجلس القومية المتخصصة، اتحاد الكتاب، مؤسسة روزاليوسف، كما شارك الشاعر في العديد من المؤتمرات والندوات في مصر والعديد من دول العالم، وكذلك حصل على منحة زائر دولي من الولايات المتحدة الأمريكية.
امتلك جمال الشاعر رصيدا لا بأس به من الدواوين والكتب منها: “أصفق أو لا أصفق، ضحكت فأشعلت الحرائق، المماليك يأكلون البيتزا، أينشتين لا يعود، رئيس لمدة دقيقة، احجز مقعدك في الجنة، اعمل عبيط، ايه” وقد أشاد العديد من الدراسات النقدية بهذه الأعمال الفنية رفيعة القيمة مثل دراسة للدكتور محمد عناني والدكتور احمد درويش، أضف لما سبق أن الشاعر كان ضمن صفوف الكتاب المتميزين في جريدة الأهرام وكانت له مقالاته التي كثيرا ما تم التنويه عنها في الصفحة الأولى للجريدة.
إن الدكتور جمال الشاعر بما لديه من إنجازات وما يملكه من مؤهلات لا يكفيه مقال واحد بل يستحق أن تُكتَب عنه المؤلفات التي ينبغي أن تتناول سيرته الحياتية وأعماله الفنية الراقية ورحلة عطائه الإعلامي والاجتماعي التي لم تتوقف إلى هذه اللحظة، إنه حدوتة رائعة ممتعة تستحق أن تُروى وتُدَرس تفاصيلها ليتعلم منها الراغبون في التميز والحريصون على أن يشقوا لحياتهم طرق النجاح وكيفية إثراء مواهبهم وتنميتها. إن الشاعر يمتلك خبرات متنوعة يمكن استثمارها في إعادة عجلة الإعلام لمسارها الصحيح من أجل إنقاذه من السذاجة والسطحية التي أصابته، والانتقال به لكونه إعلاما جادا يعيد هيكلة الواقع وبناء الشخصية المصرية، بما يليق بعمق تاريخها وثبات جذورها.