أمس، الأحد الثاني عشر من أيلول، هو الذكرى السادسة عشرة لإعادة انتشار الجيش الإسرائيلي والبدء بتدمير تسع عشرة مستوطنة في قطاع غزة، كان أرئيل شارون قد قال قبل ذلك إن أمن مستوطنة «نتساريم»، كما أمن تل أبيب، بما يعني أن إسرائيل لن تسمح بإزالة تلك المستوطنات وأنها ستدافع عن وجودها، لكنه هو من اتخذ القرار بسحب جيشه من القطاع، وتدمير المستوطنات عن بكرة أبيها. الفصائل في قطاع غزة عقدت مؤتمراً للإشادة بدور المقاومة التي حسب زعمها، أرغمت شارون على اتخاذ قراره، بعد أن عجزت قواته عن حماية أمن المستوطنات والمستوطنين في القطاع.
تستدعي حالة الصراع مع الاحتلال التأكيد على دور المقاومة، ونشر هذه الثقافة على المستوى الفلسطيني وتعزيز الثقة بإمكانية تحقيق الانتصار، فضلاً عن الترويج لوسائل المقاومة المسلحة. جيد أن تقوم الفصائل وكل مقومات الشعب الفلسطيني في نشر هذه الثقافة، ولكن بواقعية، ودون ادعاءات يدركها المواطن الفلسطيني حتى لا يتحول الخطاب الصحيح إلى عدم ثقة بين المجتمع والفصائل التي تقود النضال الوطني وتتحمل المسؤولية عن خوض الصراع. ثمة من يستدرك هذا الخطاب، ويحمّل المقاومة عبئاً تاريخياً كبيراً وخطيراً، حين يعتقد بأن الفصائل المسلحة في القطاع، أو الضفة قادرة على إلحاق هزيمة تاريخية بإسرائيل وأن النصر النهائي قاب قوسين أو أدنى.
حين نراجع الأيام الخوالي، نصل إلى استنتاج واقعي، وهو أن المقاومة في الضفة الغربية والقدس والداخل الفلسطيني كانت إبان انتفاضة الأقصى التي اندلعت العام 2000، أقوى بكثير، وألحقت بالعدو المحتل، خسائر أكبر من تلك التي تكبدها في قطاع غزة.
الأمر منطقي، فقطاع غزة لا يحظى بتضاريس تمكنه من خوض صراع مسلح، فاعل ومكلف للاحتلال، كما هو الحال في الضفة حيث الجبال والوديان والكهوف، والقدرة على الحركة والمناورة.
قطاع غزة ليس فيتنام الشمالية، لكن فصائله وسكانه يتمتعون بإرادة فولاذية، ومستعدون للتضحية، ودفع ثمن الحرية من الاحتلال. الفلسطينيون في أنحاء العالم تسكنهم قناعة راسخة، بحتمية الانتصار على هذا الاحتلال. طال الزمان أم قصر وبأن الأرض كلها والحقوق كلها ستعود يوماً إلى أصحابها، وسيعود أصحابها إليها بالقوة. أقول بالقوة لأن إسرائيل ومشروعها الصهيوني العنصري التوسعي الإرهابي، ليست دولة يمكن أن تكون غير طبيعتها المعروفة، وهي لن تكون وغير قادرة على أن تكون دولة تسامح، أو سلام، أو اعتراف بحقوق سياسية للشعب الفلسطيني.
ومع إقرارنا بدور المقاومة في المواجهة مع الاحتلال ومستوطناته، ومستوطنيه في قطاع غزة، لكن أمر الانسحاب الإسرائيلي وتدمير المستوطنات في القطاع، لا يعود بالضبط لقوة المقاومة بصرف النظر عن الفصيل الذي قدم أكثر من غيره. علينا أن نعود للتذكير بما كان قاله إسحق رابين، الذي تمنى لو أن البحر يغرق غزة بمن فيها. لم ولن يغرق بحر فلسطين غزة، ولا أي مدينة فلسطينية لكن تصريح رابين يدل على مدى الضيق الذي ينتابه إزاء صلابة المواطن الفلسطيني، ولكنه أيضاً يدل على أن إسرائيل ليست لها مطامع استراتيجية فيما يتعلق بالقطاع الذي عرضته على أكثر من دولة، لكن لا أحد، يقبل بذلك.
شارون صاحب النظرة الاستراتيجية والجريء في اتخاذ القرارات الصعبة، والملتزم بعمق بالمشروع الصهيوني، كان يقصد من وراء قراره إزاء الوجود في غزة، أن يتخلص كدولة احتلال من أي مسؤولية قانونية أو سياسية أو إنسانية تجاه القطاع، وكان أيضاً يسعى لتحييد مليوني إنسان من دائرة الصراع الديمغرافي حتى تظل أغلبية يهودية على أرض فلسطين، الدوافع لا تقف عند هذه الحدود، فلقد كانت المؤشرات تقود إلى أن ذلك القرار يشكل توطئة لما جاء بعد ذلك، من تطورات، ستؤدي إلى التحريض نحو الانقسام والصراع بين فصائل العمل الوطني وهذا ما وقع في لاحق الأيام.
شارون صمم الخطوات اللاحقة لتغير وتطور العلاقات الفلسطينية الداخلية، وتوفير الذخيرة المطلوبة لتصعيد التنافس والصراع والانقسام في الوضع الفلسطيني، ما أسس لادعاءات إسرائيل اللاحقة بعدم وجود شريك فلسطيني في التسوية.
كلهم في إسرائيل يقرؤون على حاخامٍ واحد، من رابين إلى من جاؤوا بعده، فالاستراتيجية الصهيونية لا ترى للفلسطيني حقوقاً سياسية أو وجوده على أرض فلسطين التاريخية باستثناء غزة التي يمكن أن يقيموا عليها إمبراطورية أو ما يشاؤون.
بعد أن أحكمت حماس سيطرتها على السلطة في قطاع غزة، العام 2007، وفي أيلول من ذلك العام، اتخذت إسرائيل قراراً بالتعامل مع القطاع ككيان معادٍ، بصرف النظر عن صاحب السلطة في غزة. فكل من يسمى فلسطينيا هو إرهابي ومرفوض في الفكر الصهيوني.
في مقابل الإرهاب الإسرائيلي، وفقر التضاريس، أبدع الفلسطيني كما العادة، في خلق تضاريس المقاومة تحت الأرض، تعويضاً، وأبدع في تطوير قدراته العسكرية، رغم الاعتداءات الإرهابية الصهيونية التي لم تتوقف. في المحصّلة فشلت دولة الاحتلال في التنصل من التزاماتها حسب القرارات الدولية، تجاه قطاع غزة، ونجحت فصائل المقاومة في أن تعيد غزة، ومن عليها إلى دائرة الصراع بما في ذلك الصراع الديمغرافي، وهو أمر مهم، وبالرغم من استمرار الانقسام، فإن التجربة أكدت غير مرة وحدة الشعب الفلسطيني ووحدة أهدافه الوطنية.
ما رأيك؟
رائع0
لم يعجبني0
اعجبني0
غير راضي0
غير جيد0
لم افهم0
لا اهتم0