حرب الخسران الإسرائيلي المبين..حماد صبح

حرب السابع من أكتوبر التي ما فتئت إسرائيل تواصلها في قطاع غزة وفي لبنان ؛ خالفت حروب إسرائيل السابقة في كل شيء . وأول هذه المخالفات هو طولها ؛ إذ تتم هذه الأيام عامها الأول في خروج عن المنهج الذي وضعه اليهودي الأوكراني جابوتنسكي للحروب الإسرائيلية التي توقعها في المنطقة ، ومن خطوط هذا المنهج أن تكون الحرب قصيرة خاطفة اتباعا للمنهج الألماني ، أي بليتز كريج .
وطول هذه الحرب من أكبر علامات فشل إسرائيل فيها . أرادتها في قطاع غزة حرب تدمير وتهجير ، وصنعت التدمير ، ولم تحقق التهجير في مناقضة كلية لهدف التدمير الذي أوغلت فيه وتبشعت ، بل إن مستوطنيها هم الذين يهاجرون منها بأعداد كبيرة ، وقد تنجز هذه الهجرة المتواصلة توقعات كيسنجر و16 وكالة استخبارات أميركية في 2012 حين أجمع الطرفان على نهاية إسرائيل بالهجرة المعاكسة . وما من مشكلة في دقة الموعد زمنيا ، فجوهر المسألة هو حتمية هذه النهاية في زمن قريب .
وفي لبنان أعلنت إسرائيل أن هدفها هو القضاء على حزب الله ونزع سلاحه ، ذات الهدف الذي أعلنته في حرب 2006 ، وفشلت فيه فشلا مخزيا مذلا . ونقلت مؤخرا ثقل عدوانها من غزة إلى لبنان مسحورة بنجاحها في قتل أمينه العام سماحة الشيخ حسن نصر الله ، وقتل وإصابة عدد من من أعضاء الحزب .
 وتأتي الأخبار بكثرة عدد قتلاها وجرحاها في لبنان على يد مقاتلي حزب الله ، وهذه الكثرة تصدمها وتؤلمها بعد أن توهمت أن اغتيال بعض قادة الحزب العسكريين وأمينه العام سيضعف مقاتليه . وما فتئ الباب مفتوحا على توقع خسارتها المزيد من جنود قواتها البرية، ولكنها ماضية في هوسها الشاذ وضلالها الأعمى.

وثاني مخالفات هذه الحرب لحروبها  السابقة هو اعتمادها الكلي فيها على أميركا وحلف الأطلسي وعدد من الدول العربية الخاضعة لهيمنة أميركا والغرب إجمالا والواصلة  لمصيرها بمصير إسرائيل وصلا محكما موثقا . إنها تعتمد على أميركا في هذه الحرب سلاحا ومالا وسياسة ودبلوماسية ومعلومات استخبارية وتخطيطا لعملياتها في قطاع غزة ولبنان ، وفي القتال المباشر في المكانين ، وتعتمد على حلف الأطلسي ودول التبعية العربية اعتمادا شبيها باعتمادها على أميركا وإن بمستوى أدنى . وتعرى هذا الاعتماد بكل أطرافه في مواجهة مسيرات إيران ، وصواريخها التي أطلقت على إسرائيل ، الثلاثاء الأخير.
وضج الكونجرس والحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي صخبا عاليا وحماسة متقدة  للدفاع عن إسرائيل بعد الصواريخ المائة والثمانين الأخيرة التي تصدت لها بحريات أميركا وبريطانيا وفرنسا وبعض دول الجوار العربي المشحونة بالقواعد الأميركية . وساندت كل هذه الأطراف حق إسرائيل في رد انتقامي على إيران قد يطول مصافيها النفطية . تغير الكثير في العالم منذ أن وضع جابوتنسكي منهج حروب إسرائيل إلا أن هذه لم تتغير. مازالت تؤمن بأن القوة هي الوسيلة المثلى للبقاء  ، وتفرط في القتل والتدمير أملا في استسلام من يقاوم عدوانيتها وشرورها من شرفاء العرب والمسلمين ، وتغفل كليا عن  عواقب إفراطها عليها ذاتيا .
 وتصل أخطار الحرب إلى ما تسميه جبهتها الداخلية ، فتضاعف  إفراطها في القتل والتدمير، وتتضاعف حاجتها إلى مؤازرة قوى الشر التي تحتضنها ، وتعمى عن خطورة هذا التضاعف ودلالته ، وهما توكيد عجزها الذاتي عن حماية نفسها خلافا لما أشاعته ماضيا عن قدرتها على هذه الحماية، وآزرتها انتصاراتها السابقة السريعة في الاطمئنان إلى هذه القدرة الباطلة في لبابها . ومما له قيمته في هذا المقام ما ذكرته الوثائق البريطانية المفرج عنها منذ بعض الزمن أن الإسرائيليين لم ينتصروا على الفلسطينيين في أي من المعارك الصغيرة التي حدثت بين الطرفين قبل حرب 1948 رغم فارق السلاح بين الطرفين . وهي الآن في حربها في قطاع غزة وفي لبنان ، وفي سائر أحوالها تشبه راكب دراجة انحدر بها من رأس جبل عالٍ ، فلا يقدر  معها على الرجوع إلى رأس الجبل ، ولا على الوقوف في السفح ، ويتحتم عليه أن يخضع لاندفاعه الإجباري إلى سافل الجبل ليلقى فيه مصرعه الوكيد . الحرب الحالية في خروجها الكلي عن خصائص حروب إسرائيل السابقة هي حرب الخسران المبين لها الذي قد تكون فيه نهايتها.
                            ***
اندفع قطيعها غربا نابحا مزمجرا . ستة كلاب متباينات الأحجام والألوان وفق ما تأذن به طلائع الفجر من الرؤية . بيني وبينها  حاجز من أغصان شجر  الزيتون الذي افترسته جرافة المعتدين إلا أن طريقها إلي كان مفتوحا من الجهة الغربية لحاجز الأغصان . لم أخشَ هجومها . كنت أسوي التربة بعد تجريف الزيتون وتحويل أرضه إلى أخاديد وتلات صغيرة . إن دنت مني سأهوي بفأسي على رأس أول دانٍ ، وسيفر عاويا ، وتفر بقيتها معه . وخالفت هي توقعي السيء  المتشائم ، وتابعت عدوها نابحة مزمجرة . وصوبت نظري إلى مقصدها ، فبصرت بكلب أسود فتي فوق ساتر ترابي سميك عالٍ أنشأته القوة المعتدية لوقايتها من هجمات المقاومة ، ولتطلق هي نيرانها من خلفه آمنة مطمئنة . وبلغت الكلاب مقصدها الذي كان كلبا فتيا أسود أخذ يبصبص بذيله حانيا رأسه في ضعف واستخذاء ، فتوقفت عن النباح والزمجرة ، وطافت به ، وتشممه بعضها ، وما مسته بسوء ، وسارت وسار معها . عجبا من رحمة الكلاب لضعيفها ، وعجبا من قسوة الإنسان على الإنسان إن استضعفه .
كاتب فلسطيني مقيم في غزة