بخطى متثاقلة اقترب مجدي درابيه من تابوت خشبي يحمل جثمان نجله يوسف فور وصوله لمعبر رفح البري الحدودي مع مصر ليستلمه من أجل موارته الثرى في مسقط رأسه.
ولقى يوسف الذي التحق قبل أشهر للعمل بإحدى المستشفيات التركية بعد إنهائه دراسة الطب بواحدة من الجامعات التركية مصرعه إثر الزلزال المدمر الذي ضرب محافظات جنوب تركيا ومناطق من سوريا (الاثنين) الماضي.
وما أن وصل الرجل الذي كسى الشيب رأسه بدا يخاطب ابنه “لطالما انتظرت عودتك إلى غزة لتباشر عملك كطبيب في مستشفياتها ولكن بدلا من ذلك، أستقبلك بكفنك الأبيض لدفنك”.
وأضاف الرجل الستيني الذي دخل في حالة بكاء “لقد شعرت ببعض الفرحة في أوقات الحروب الإسرائيلية على غزة أنك لست معنا وأنك تنجو من موت محتم، لكن يبدو بأن الموت كان يتربص بك في تركيا ليأخذك معه”.
وبحسب العائلة فإن نجلها يوسف سافر قبل عدة أعوام ليلتحق بإحدى الجامعات التركية لدراسة الطب وبعد إنهاء دراسته التحق مؤخرا بالعمل في إحدى المستشفيات في مقاطعة هاتاي جنوب تركيا قبل ثلاثة أشهر فقط.
ويقول مجدي لـ ((شينخوا)) “كنا ننتظر أن نستقبل يوسف بعد أشهر قليلة، لكن يبدو بأن الموت كان أسرع من كل أمنياتنا وأحلامنا”، مشيرا إلى أن غصة حزن انتابت العائلة فور سماعها نبأ الزلزال وتركزه في المنطقة التي يتواجد بها يوسف.
ويستذكر الوالد المكلوم “انقطعت جميع أخباره عنا ولم نعرف ماذا نفعل ومع ذلك، كان لدينا أمل بأنه ما زال على قيد الحياة لكن للأسف تلقينا خبر وفاته وبأنه وجد جثة في شقته المدمرة”.
وعلى مقربة من والده يقف عبد الرحمن الشقيق الأصغر ليوسف يضع يديه على وجهه ويدخل بين فينة وأخرى في حالة بكاء من هول الحادثة التي وقعت عليهم بفقدان شقيقه.
ويقول عبد الرحمن لـ ((شينخوا)) “نحن نعاني منذ أعوام بسبب غياب شقيقي عن المنزل ولكننا كنا نعزي أنفسنا بأنه يعيش في مكان آمن بعيد عن الحروب والقتل ولم نعلم بأن تركيا ستكون سببا لمصرعه”.
وبحسب عبد الرحمن، فإنه سيتم دفن شقيقه يوسف في إحدى مقابر مدينة غزة ليتمكن والديه من زيارته بين حين وآخر لعل وجود جثته في المنطقة سيخفف من آلامهم.
على عكس حال عائلة درابيه، لن تتمكن أم رائد أبو جلهوم من مخيم “جباليا” للاجئين الفلسطينيين شمال قطاع غزة من استقبال جثة ابنها (عبد الكريم) وعائلته المكونة من ستة أفراد ودفنهم في القطاع بسبب صعوبة نقلهم من المنطقة التي لقوا مصرعهم فيها بتركيا.
وتقول أم رائد بينما كانت ترتدي ثوبا ووشاحا أسودا حدادا على نجلها وأحفادها لـ ((شينخوا)) “لقد هرب ابني من الفقر والحروب بحثا عن حياة أفضل لأطفاله وزوجته بدلا من الحياة القاسية والوحشية في غزة”.
وتضيف المرأة المسنة التي لم تنقطع عن البكاء والعويل “طوال 12 عاما لم أتمكن من لقاء ورؤية ابني وأطفاله ولا أستطيع تخيل مشهدهم تحت الأنقاض ولا أعرف ما إذا كانوا قد ماتوا مباشرة أم أنهم عانوا قبل رحيلهم”.
ودعت السيدة، الرئيس الفلسطيني محمود عباس ونظيره التركي رجب طيب أردوغان إلى العمل الجاد والسريع لإرسال جثامين نجلها وعائلته إلى قطاع غزة من أجل دفنهم بالقرب منها”.
يوسف درابيه وعبد الكريم أبو جلهوم هما من الفلسطينيين الذين غادروا القطاع المحاصر من قبل إسرائيل منذ عام 2007 لضمان حياة أفضل لهم ولأسرهم في الخارج، بحسب محمد أبو جلهوم، شقيق عبد الكريم.
ويقول أبو جلهوم لـ ((شينخوا)) إن “الأوضاع المعيشية الصعبة في غزة نتيجة الحصار الإسرائيلي والحروب المتكررة والانقسام السياسي الفلسطيني الداخلي ما أجبر الشبان في غزة على الهجرة”.
وقال وزير الخارجية والمغتربين الفلسطيني رياض المالكي إن عائلة درابيه وأبو جلهوم كانت من بين نحو 90 آخرين لقوا مصرعهم جراء الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا يوم (الاثنين) الماضي.