حل الدولتين.. خطاب بلا مضمون..

السفير أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية قال يوم الجمعة الماضي في العاصمة الإسبانية مدريد إن تطبيق حل الدولتين يحتاج إلى خطوات عملية وليس مجرد خطاب بلا مضمون.

كلام أبو الغيط كان خلال حضوره الاجتماع الوزاري حول القضية الفلسطينية في العاصمة الإسبانية، وضم ممثلي مجموعة الاتصال الوزارية المشتركة لجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ووزراء خارجية وممثلي كل من إيرلندا والنرويج وسلوفينيا وإسبانيا، وهي الدول الأوروبية التي اعترفت رسمياً بفلسطين كدولة مستقلة.

‎كلام أبو الغيط شديد الأهمية، وبالتالي فالمفترض إذا كان العرب وبقية المتعاطفين معهم جادين في مسألة الدولة الفلسطينية، فالمفترض أن تكون هناك أفكار مبدعة وخلاقة تسعى لتحقيق ذلك، بدلاً من أن نستمر ونكرر ألفاظاً وعبارات إنشائية يعرف معظمنا أنها لن تحقق شيئاً.

‎أدرك أن التشاؤم في السياسة كارثي، وأدرك أهمية أن نسعى وراء كل أهدافنا بكل السبل.

ولا أقلل إطلاقاً من الجهود الدبلوماسية ومنها بيان مدريد الأخير الذي دعا إلى «التنفيذ الموثوق وغير القابل للتراجع لحل الدولتين وفقاً للقانون الدولي».

‎البيان دعا أيضاً إلى تمكين السلطة الفلسطينية من السيطرة الكاملة على معبر رفح وبقية الحدود وانسحاب إسرائيل من كامل قطاع غزة.

‎كل ما سبق مهم. لكن علينا أن نسأل أنفسنا.. هل هو كافٍ؟ خصوصاً أن مدينة مدريد نفسها شهدت قبل ٣٣ عاماً مؤتمراً ضم الفلسطينيين والسوريين والإسرائيليين بجهود أميركية بعد تحرير الكويت لبدء عملية سلام، وقتها فإن قادة إسرائيل خصوصاً إسحاق شامير وأرئيل شارون قالا يومها: سوف نغرق الفلسطينيين في مفاوضات عبثية قد تستمر ١٥ عاماً!

‎يومها سخر الجميع من هذا الكلام باعتباره مستحيل التنفيذ، وأنه يصعب على دولة حتى لو كانت إسرائيل المحمية أميركياً أن تخدع الجميع وتتفاوض لمدة ١٥ عاماً. وكما نعلم جميعاً فإن إسرائيل ومعها أميركا وبعض الأوروبيين لا يزالون يغرقوننا في عمليات سلام عبثية، تتحول أحياناً إلى اعتداءات وحشية كما هو حادث الآن.

‎هل معنى كلامي أن نتوقف عن حشد التأييد الدولي للقضية الفلسطينية ونعلن الحرب على إسرائيل فوراً؟

‎ليس هذا ما أقصده، بل من المهم أن نستمر في التواصل مع كل دول العالم لإقناعها بتأييد المطالب العربية تأييداً حقيقياً وليس لفظياً.

‎لكن وبجانب ذلك علينا أن نفكر في خطوات عملية لأن الذي يحدث على أرض الواقع أننا نستمر في الكلام، في حين أن إسرائيل تستمر في القضاء على كل احتمالات قيام الدولة الفلسطينية.

‎هي دمرت قطاع غزة تقريباً وحولته إلى مكان غير قابل للحياة. والآن هي تستدير لتكرار نفس الأمر في الضفة الغربية، تمهيداً لإجبار الفلسطينيين على الرحيل عنها باتجاه الأردن أو أي مكان آخر.

‎الإسرائيليون صاروا أكثر وضوحاً فهم يقولون ليل نهار إن لا دولة فلسطينية، ونتنياهو ذهب إلى الكنيست أكثر من مرة منذ ٧ أكتوبر وجعل الكنيست يصوت على منع قيام هذه الدولة. ومن المهم أن نتذكر أن كل الأحزاب والقوى الإسرائيلية التي تصنف نفسها معتدلة صوتت معه خصوصاً حزبي بيني غانتس ويائير لابيد.

‎وقبل أيام هددت إسرائيل بتوجيه ضربة قاضية للسلطة الفلسطينية والتعجيل بانهيارها إذا استمرت في الدعوات للدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة.

‎قد تقول أي دولة عربية: «هذا الأمر لا يخصنا، وإن هذه قضية فلسطينية فقط، ونحن مهتمون بحدودنا وأمننا الوطني فقط”.

‎وهذا كلام خاطئ وخطير لأنه حتى لو تخلى كل العرب عن فلسطين، فإن إسرائيل لن تتخلى عن أطماعها في كل المنطقة، وبالتالي ومن وجهة نظر وطنية قطرية وبعيداً عن كل الشعارات فإن محاصرة ومواجهة أطماع إسرائيل أمر يهم كل العرب حتى لا يجدوا أنفسهم يقولون: «لقد أكلنا يوم أكل الثور الأبيض».

‎لا ألوم دولة أوروبية أو آسيوية أو إفريقية تكتفي بتقديم الدعم اللفظي والمعنوي للشعب الفلسطيني، لكن السياسات العربية الراهنة ستقود إسرائيل إلى الاقتراب من تحقيق حلمها التوراتي بإقامة دولة واحدة من نهر الأردن إلى البحر المتوسط.