حماد صبح: إسرائيل تتصدع وتتداعى.. بوادر وظواهر..

تطوران كانا محزنين ومضنيين لإسرائيل ، وتتلاحق توابعهما في التأثير البعيد الضرر لكيانها . الأول هو صدمتها وفجيعتها بما كشفه مونديال قطر عن كره الشعب العربي لها من مغربه إلى مشرقه بعد أن أوهمها التطبيع الرسمي مع عدد جديد من الدول العربية بأن الشعب العربي بدأ يتخلى عن كرهه لها ، وقوى وهمها ما سمعته من بعض المواطنين العرب من عبارات الإعجاب بها والرغبة في زيارتها .

مونديال قطر أيقظها فزعة من وهمها الجميل . وكانت صدمتها وخيبتها كبيرتين أن أعلى درجات الكره لها والنفور منها جاءت من الشعب المغربي ممثلا بفريقه أسود الأطلس ومشجعيه في تناقض صارخ جذري مع سياسة النظام المغربي المحتضن لها . وكبرت صدمتها وخيبتها بعد استطلاع رأي بين أن 88 % من الشعب المغربي لا يريدون  أي علاقة معها .
 والتطور الثاني هو نتيجة الانتخابات الأخيرة التي فاز فيها الليكود بقيادة نتنياهو ، واتجاهه للإتلاف مع الأحزاب الدينية المتطرفة : ” العظمة اليهودية ” بزعامة بن غفير ، و ” الصهيونية الدينية ” بزعامة سموتريتش ، و ” نوعم ” بزعامة آفي ماعوز . الائتلاف المتشكل  أرعب القوى العلمانية واليسارية التي يمثل جبهتها حزب ” يوجد مستقبل ” بزعامة لبيد ، و ” المركز الوطني ” بزعامة جانتس ، و ” إسرائيل بيتنا ” بزعامة ليبرمان ، وميرتس وحزب العمل ، وتخوفت تلك القوى على الجيش وعلى النظام القضائي من تلك الأحزاب الدينية المتطرفة ، وتوقعت ترديا في العلاقات مع الفلسطينيين ومع بعض دول التطبيع العربي . ودعا لبيد إلى العصيان المدني ردا على الائتلاف المتطرف ، ودعا جادي آيزنكوت رئيس الأركان السابق إلى خروج مليوني إلى الشوارع رفضا له . وفزع نتنياهو ، فتعهد إطفاءً للنار باتباع نهج متوازن بين مصالح الدينيين ومصالح العلمانيين ، وأكد ” لن تصبح هذه دولة ذات قانون ديني ” إلا أن الاضطراب الذي فجرته الانتخابات ما زال حيا نشطا ، ويحفز قوى عسكرية ومجتمعية على النظر إلى مستقبل إسرائيل بالشك واليأس .

الجنرال في الاحتياط يتسحاق بريك كتب مقالا في موقع ” ميدا ” قال فيه إن : ” الجنود والضباط لم يعودوا مستعدين للخدمة في الجيش لفترة طويلة ، بل قرروا العودة إلى بيوتهم . ” ، وتابعه في رأيه بني جانتس وزير الدفاع ، فأكد ” شهد الجيش في السنوات الأخيرة انخفاضا متصلا في نسب التجنيد . إنه جيش نصف الشعب . ” . وحدث محزن مضنٍ آخر ، وعلامة من علامات تصدع وتداعي إسرائيل هو ظهور حركة جديدة بعد سيئات الانتخابات الأخيرة ، هي حركة ” نغادر البلاد سوية . ” ، وأحد قادتها ينيف جورليك الكاره لنتنياهو والمعارض لفرض الدين . وتدعو الحركة مثلما يفصح اسمها إلى مغادرة فلسطين ، ويفيدنا أن نهتم بدلالة كلمة ” سوية ” المستهدفة للجميع .
وتخطط   الحركة في مستهل نشاطها لتهجير 10 آلاف مستوطن . عدد يستحق ” أن نشد علي يديها ” إعجابا بها ورضا عنها متمنين لها القدرة المتواصلة في تهجير المزيد والمزيد . والألف ميل تبدأ بخطوة مثلما يؤمن أهل المثابرة والمصابرة الذين نأمل أن تكون الحركة منهم . وتعهد نتنياهو بالحفاظ على علمانية الدولة أو ليبراليتها لن يصمد مع هذه التشكيلة من القوى الدينية المتطرفة في ائتلافه التي لن يقبل زعماؤها أن يكونوا مسئولين صوريين لا ينفذون شروط انضمامهم لهذا الائتلاف ، ونتنياهو متطرف كبير إلا أنه مراوغ مداهن يخشى أن تجلب مجاهرته بتطرفه إلى خلق مشكلات لإسرائيل في المنطقة وفي العالم .
وفي استجابة مبكرة منه للمؤتلفين المتطرفين معه وقع أمس مع 35 عضوا من الائتلاف على اقتراح بإلغاء فك الارتباط في الضفة ، وسيسمح هذا الإلغاء للمستوطنين بحرية التنقل فيها وتعزيز الاستيطان . وفي الجملة : إسرائيل تمضي سريعة الخطا  نحو كل ما هو خطأ وما هو مهدد لمستقبلها في المنطقة ، ولن ينقذها أحد من تدميرها الذاتي لنفسها . أنقذتها أميركا والغرب وبعض العرب من الخطر الخارجي أما الخطر المتفجر في داخلها فلا منقذ لها منه . ونتنياهو الذي أعلن أنه سيجتهد لتعيش إسرائيل مائة عام بزيادة عشرين عاما على دولة الحشمونائيم قد يكتب التاريخ أنه أسهم بدور أساسي في إلحاقها بدولة الحشمونائيم ، أي أنه باقٍ من عمرها ستة أعوام . وليس في قدرتنا إلا الدهشة من توقع هنري كيسنجر وست عشرة وكالة استخبارات أميركية لزوال  إسرائيل  بالهجرة المضادة لا بحرب خارجية . وليس مهما أن كيسنجر حدد في 2012 عشر سنوات لهذا الزوال دون أن تزول بنهايتها  . المهم جوهر الوسيلة ، وهو الهجرة المضادة يأسا من مستقبل هذا المشروع الذي تأسس على  كذبة الأرض الخالية .  الإسرائيليون يخربون ” بيوتهم ” التي اغتصبوها من الفلسطينيين بأيديهم .
كاتب فلسطيني