حماس وإسرائيل.. أيهما ربح حرب غزة في ميزان المراقبين؟

كتب – محمود الطوخي:

بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار في غزة حيّز التنفيذ، صباح أمس الأول الأحد، بدأ كثيرون في وضع طرفي الصراع من حركة حماس وإسرائيل في ميزان المكسب والخسارة، بعد نحو 15 شهرًا من الحرب العنيفة التي أسفرت عن عشرات آلاف الشهداء والمصابين.

تقييم الوضع في غزة بعد أكثر من عام من الحرب غير المسبوقة، على مستوى البنية التحتية وخسائر الأرواح، يبدو محسومًا لصالح إسرائيل على حساب القطاع المُدمر عن بكرة أبيه، إلا أن المراقبين ينظرون إلى حساب المكاسب والخسائر وفق عدة أبعاد أخرى أكثر تعقيدًا، من بينها السياسية والعسكرية، فضلًا عن مدى تأثر الرأي العام الدولي على المستويين الرسمي والشعبي من هذا الصراع.

خسائر حماس العسكرية

في مقارنة بين ما حققه الطرفان حماس وإسرائيل من مكاسب، وما تكبّداه من خسائر على مدار الحرب، يقول اللواء عادل العمدة، المستشار بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، إن إجمالي خسائر إسرائيل خلال الحرب قد لا يتخطى 1% من نسبة خسائر حماس العكسرية.

وعلى الرغم من ذلك، يقول جيش الاحتلال الإسرائيلي، إن ما تكبّده من خسائر خلال الحرب في غزة، تفوق خسائره خلال حرب أكتوبر عام 1973، في حين يؤكد الناطق العسكري باسم كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، أن خسائر جيش الاحتلال تفوق ما يعلنه بكثير.

ووفقا للعمدة، فإنه لا يمكن القول إن خسائر الحركة تتمثل غالبيتها في الأسلحة، إذ أنها ليست جيشا نظاميا بالمفهوم المتعارف عليه من حيث التسليح وتنوعه، مشيرا إلى أن فصائل المقاومة بما في ذلك حماس، اعتمدت على الأسلحة الخفيفة التي لا تمتلك سواها وكذلك الطائرات المسيّرة التي كانت عصب قوتها التسليحية، مردفا: “لا تمتلك فصائل المقاومة مدافع أو دبابات أو مقاتلات مثل ما تمتلكه الجيوش النظامية”.

يرى العمدة، أن الخسائر الكبرى بالنسبة لحماس تمثلت في استشهاد عدد كبير من قادتها وكذلك عشرات آلاف الفلسطينيين، يقول: “حماس جزء من الشعب.. والخسائر بالنسبة للقطاع كبيرة جدا”.

وبحسب تقديرات جيش الاحتلال الإسرائيلي، نجحت قواته في القضاء على ما يقرب من نصف مقاتلي حركة المقاومة الفلسطينية، البالغ عددهم 30 ألف مقاتل.

اقرأ أيضًا: بعد سبت “الطوفان”.. شمس الأحد تشرق على غزة بعد أكثر من عام

وعلى مستوى الشهداء من المدنيين، فقد بلغ عددهم 47 ألفا و35 فلسطينا، في حصيلة غير نهائية، إذ لا تزال أعمال انتشال الجثث من أسفل الركام جارية، وفق بيانات وزارة الصحة في قطاع غزة.

لكن على الرغم من ذلك، يؤكد العمدة أنه من غير الممكن حساب الخسائر الحقيقة لحركة المقاومة الفلسطينية؛ إذ إن قدراتها في فترة ما قبل الحرب كانت مجهولة، غير أنه يشير إلى أن التقارير الصادرة عن حركة حماس وجيش الاحتلال الإسرائيلي، تؤكد أن الخسائر في صفوف الحركة كبيرة جدا مقارنة بإسرائيل.

أهداف الحرب

ويشدد المستشار بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، على أن طرفي الحرب خسرا المعركة لكن الخسائر تتفاوت، مضيفا: “هل حققت إسرائيل أهدافها المعلنة من الحرب؟.. بالطبع لا، لكنها حققت أهدافها غير المعلنة”.

يوضح العمدة أن إسرائيل، حددت أهدافها من الحرب في بدايتها والتي كان من بينها وأبرزها (القضاء على حماس واستعادة الأسرى)، مؤكدا أن جيش الاحتلال الإسرائيلي فشل في تحقيق أي منهما؛ إذ لا تزال الحركة الفلسطينية بصفتها كيان مسلح متعدد الأذرع والأدوات متواجد بقوة.

في بداية الحرب، حددت إسرائيل قائمة أهدافها والتي كان على رأسها القضاء على حماس واستعادة الأسرى، وعودة المستوطنين الإسرائيليين إلى منازلهم بمناطق الشمال قرب الحدود مع لبنان.

وعن استعادة الأسرى، ينوّه العمدة إلى جيش الاحتلال الإسرائيلي لم يتمكن من استعادة الأسرى كما تعهد، بغض النظر عن الهدنة التي تبنتها مصر والوسطاء في أواخر نوفمبر 2023 لتبادل أسرى من الجانبين.

مكاسب سياسية لحماس

وفي إطار ذلك، يقول العمدة إن ما قامت به حماس يوم 7 أكتوبر 2023 خلال عملية طوفان الأقصى، أدى إلى حلحلة القضية الفلسطينية، لكنه يرى أنه كان قرارا خاطئا أسفر عنه استشهاد عشرات آلاف الفلسطينيين وإصابة عشرات الآلاف الآخرين.

وعن المكاسب السياسية التي حققتها حماس خلال الحرب، يشير الدكتور حسن مرهج، الخبير في الشؤون الشرق أوسطية، إلى أن حركة المقاومة استطاعت بهذه المواجهة أن تعيد القضية الفلسطينية إلى الطاولة السياسية العالمية والأممية ممثلة في مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة.

كذلك، يُبيّن مرهج أن الحرب الإسرائيلية على القطاع أعادت التعريف بالقضية الفلسطينية من جديد في الشارع الغربي والأمريكي خصوصا، الذي خرج لنصرة فلسطين في مشهد غير مسبوق، كما أدخلت حماس مفهوم القضية الفلسطينية في مفهوم الرأي العام العالمي.

ويؤكد مرهج على أهمية هذه المؤشرات، إذ بات من الواضح أن من يريد أن يجد أي تسوية في المنطقة يتحتم عليه أن يأخذ القضية الفلسطينية في الحسبان: “على من يريد السلام الإقليمي في المنطقة عليه أن يبدأ بحل القضية الفلسطينية حلا عادلا، ليكون للشعب الفلسطيني دولة ذات حدود وسيادة بمشاركة كافة الأطياف والفصائل الفلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل كما طُرح في اتفاقية أوسلو”.

يتفق العمدة، مع مرهج، في أن العملية رغم ما ترتب عليها من دمار للقطاع وخسائر بشرية ومادية، أدّت إلى اعتراف بعض الدول بالدولة الفلسطينية وكذلك إلى كثير من القرارات التي من شأنها حلحلة القضية الفلسطينية المتأزمة.

وأدى العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، إلى إحياء الدعوة إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية؛ إذ أعلنت دول عدة من بينها النرويج وآيرلندا وإسبانيا عزمها الاعتراف بها رسميا، لتنضم إلى ما يقرب من ثلاثة أرباع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة الذي يعترفون بدولة فلسطين.

المكاسب الإسرائيلية

وعن المقارنة بين المكاسب لحركة حماس وجيش الاحتلال الإسرائيلي، مع الأخذ في الاعتبار القدرات العسكرية، يقول العمدة إن المكاسب الإسرائيلية من الحرب كانت أكبر بكثير؛ إذ تخلصت من حزب الله اللبناني وحزب البعث في سوريا.

بالإضافة إلى ذلك، يرى العمدة أن إسرائيل تمكنت من إخراج إيران من المشهد في المنطقة: “الهجوم الإيراني على إسرائيل في أبريل الماضي ليس سوى (مسرحية)، لم تسبب إيران خسائر مذكورة في إسرائيل، وكذلك لم تسبب إسرائيل خسائر مذكورة في إيران، وفي النهاية حقق الاحتلال أهدافه على أكثر من جبهة خلال الحرب”.

اقرأ أيضًا: فيديو وصور| انتشار حماس بشوارع غزة.. مشاهد تحمل دلالات فشل إسرائيلي

وهو ما يتوافق مع رأي، الدكتور حسن مرهج، الخبير في الشؤون الشرق أوسطية، إذ يؤكد أن إسرائيل أثبتت قدرتها عسكريا على تدمير البنى التحتية دون تمييز بين المدنيين والعسكريين، مستهدفة قطاع غزة، لبنان، وسوريا، وحتى توجيه ضربات لإيران ردًا على هجماتها، كما وصل تأثيرها إلى اليمن، مستفيدة من الدعم الغربي المطلق، وعلى رأسهم الولايات المتحدة وبريطانيا.

واعتمادًا على الدعم الغربي غير المشروط، وفق مرهج، تمكنت إسرائيل من تنفيذ عمليات في أي مكان، وتجاوزت قرارات الأمم المتحدة دون أن تواجه عقوبات حقيقية، بفضل الحماية الأمريكية الواضحة.

ورغم الدعوات الدولية لإدخال المساعدات إلى غزة، فإن إسرائيل منعت ذلك، حتى في الحالات الإنسانية الحرجة، مثل إدخال الماء أو الأدوية.

جندي من قوات الاحتلال يستند على فوهة دبابة (وكالات)

خسائر إسرائيل السياسية

ويقول الخبير في الشؤون الشرق أوسطية، إن إسرائيل اعتمدت على مدار السنوات الماضية على استعطاف المجتمع الدولي باستغلال مظلوميتها التاريخية المتعلقة بالهولوكوست، لكنها الآن تواجه اتهامات بارتكاب جرائم حرب، وهو ما يلقى بظلاله على مكانتها في المحافل الدولية.

وانعكس ذلك، على تراجع بعض الدول الغربية ودول أخرى مثل كوبا وكولومبيا عن دعم إسرائيل، بعدما ظهرت معايير جديدة تحكم العلاقات الدولية معها.

لكن على الجانب السياسي، يؤكد مرهج، أن إسرائيل تواجه خسائر ملموسة على الساحة الدولية؛ فهناك استياء دولي متزايد ظهر في ملاحقة الضباط الإسرائيليين، وانتقادات من جمعيات أكاديمية ومنظمات حقوقية، مشيرا إلى أن هذه الانتقادات تهدد مستقبل العسكريين الإسرائيليين الذين يخشون مواجهة المخاطر عند السفر خارج حدود دولتهم، سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة.

يضيف مرهج: “نرى الآن ملاحقات دولية لضباط وجنود إسرائيليين.. كما نرى مواقف بعض الجمعيات والأكاديميات من الجانب الإسرائيلي”.

ويشدد الخبير في الشؤون الشرق أوسطية، على أن دعم الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، كان أساسيا في تمكين إسرائيل من تنفيذ عملياتها: “الطائرات المحملة بالصواريخ والأسلحة النوعية التي استُخدمت في استهداف قادة المقاومة، مثل أمين عام حزب الله اللبناني الأسبق حسن نصر الله، ما كانت لتصل لولا الدعم العسكري المستمر من الولايات المتحدة وأوروبا”.

لكن مرهج يرى أن هذا الدعم الغربي ساهم بالوقت ذاته في تأجيج الانتقادات الدولية ضد إسرائيل.

وفيما يخص المحكمة الجنائية الدولية، يشير مرهج إلى أن إسرائيل لم تعتقد يومًا أنها قد تُحاسب أمامها، وذلك لعدم اعترافها بهذه المحكمة، بدعم من الولايات المتحدة، غير أن المحكمة مدعومة من عشرات الدول حول العالم، وقراراتها ملزمة وفق القانون الدولي.

في 21 نوفمبر الماضي، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية، مذكرات اعتقال بحق رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف جالانت، إلى جانب قادة من حركة حماس.

“الولايات المتحدة هددت باستخدام قوانين لحماية إسرائيل من أي تبعات قانونية، مما يعكس مدى النفوذ الأمريكي في عرقلة المساءلة الدولية”؛ يقول مرهج. ولذا، فإنه يرى أن إسرائيل نجحت عسكريا في بسط نفوذها، لكنها تواجه تحديات سياسية دولية تهدد صورتها ومكانتها المستقبلية.

التأييد الشعبي للحركة

ورغم ذلك، يؤكد الخبير العسكري عادل العمدة، أنه لا يمكن الجزم بأن حماس خسرت علاقتها مع الشعب الفلسطيني على وجه الخصوص والشعب العربي بوجه عام، موضحا أن هناك قياسات مختلفة لكل شخص، وأن الأمر يتوقف على النتائج النهائية لحصيلة الشهداء والمصابين إلى جانب المعاناة التي واجهها المرضى الفلسطينيون خلال شهور الحرب، وهو ما يعتبره من الآثار السلبية المترتبة على استخدام إسرائيل القوة الغاشمة بصورة واضحة ضد الفلسطينيين، “وذلك كله يُعد في النهاية من نتائج السابع من أكتوبر”؛ كما يقول.

بعد دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، صباح الأحد الماضي، أثارت مشاهد انتشار مقاتلي حركة حماس في غزة، جدلا كبيرا في الداخل الإسرائيلي.

“ظهور مركبات عسكرية تابعة لحركة حماس بعد نحو 15 شهرا من الحرب إنما هو دليل فشل عسكري إسرائيلي واضح”؛ يقول المحلل العسكري الإسرائيلي نوعيم أمير. وقد أكد هذا أيضًا المراسل العسكري لموقع “آي 24” العبري عميحاي ستاين، حين وصف مشاهد احتواء المدنيين الفلسطينيين لمقاتلي حماس في غزة، بأنها تُظهر فشلًا إسرائيليًا في فرض بديل حكومي للحركة في القطاع.

عناصر القسام أثناء تسليم الأسيرات الإسرائيليات الثلاث (وكالات)

حساب الخسائر الاقتصادية

غزة:

خلّفت الحرب الهوجاء التي شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على غزة، خسائر اقتصادية تتمثل في تدمير البنى التحتية وكذلك انهيار الاقتصاد الفلسطيني.

“في جميع الأحوال كانت إسرائيل تنفذ اعتداءات على قطاع غزة، لكنها لم تكن بنفس الحجم أو القوة”؛ يقول العمدة، مشيرًا إلى أن العدوان لم يكن يتعدى مفهوم “العملية النوعية”، لكن الحرب الأخيرة خلفت دمارًا غير مسبوق، بنحو 42 مليون طن من الركام يحتاج إلى سنوات عديدة لإزالته، وهو ما يُسجل بامتياز ضمن النتائج السلبية لعملية السابع من أكتوبر”.

وفقا لتقارير أممية، تبلغ تكلفة إزالة الركام الناتج عن الحرب في غزة، والتي تحتاج عملية نقلها سنوات عدة مقبلة، نحو 700 مليون دولار. بينما تشير تقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إلى أن انخفاض يصل إلى 35% بالناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد الفلسطيني خلال العام الماضي فقط.

وبحسب دراسة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي حول الآثار الاجتماعية والاقتصادية للحرب، والتي نُشرت في أكتوبر الماضي، فإن مستوى الفقر في غزة بلغ آنذاك نحو 100%، فيما وصل معدل البطالة إلى نسبة 20%، وفقًا للمسؤولة في البرنامج تشيتوسي نوجوتشي.

وتقدّر تقارير الأمم المتحدة، الفترة التي يحتاجها الاقتصاد الفلسطيني ليعود إلى وضع ما قبل الحرب، بنحو 350 عامًا، في حين تشير التقديرات إلى أن تكلفة إعادة إعمار القطاع قد تتجاوز 80 مليار دولار.

إسرائيل:

في الأسبوع الماضي، أعلنت حكومة الاحتلال الإسرائيلي أن العجز المالي بلغ نسبة 6.9% من النتاج الإجمالي المحلي لعام 2024، أي ما يبلغ قيمته 36.1 مليار دولار.

لكن تقارير إعلامية عبرية، شككت في صحة هذه الأرقام الرسمية، فقالت صحيفة “كالكاليست”، إن التحليلات تشير إلى أن العجز الحقيقي بلغ 7.2% من الناتج المحلي الإجمالي، ما تعادل قيمته 37.7 مليار دولار. وأشارت الصحيفة العبرية الاقتصادية إلى أن تكلفة الحرب على غزة بلغت نحو 67.57 مليار دولار حتى نهاية ديسمبر الماضي.