يسير ولي العهد بالمملكة مستنيرا بتوجيهات خادم الحرمين الشريفين، نحو تحقيق قفزات نوعية في المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية والتكنولوجية والصحية والتعليمية، رغم الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة، التي تموج بالحروب، وتعاني من الصراعات والخلافات، أدخلت دولاً وشعوباً دوائر المجاعة والانهيار والفقر، بينما وقفت المملكة صامدة في وجه التحديات، بل ولم تنس مد يد العون لهذه الدول التي ما زالت تصارع من أجل معالجة أوضاعها وتجاوز أزماتها.
مبادرات خضراء
يبقى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عضيد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز القائد الملهم بحكمته وحنكته، بعد أن نجح في خلق هيبة ومكانة للمملكة خارجياً، بتوازنات وعلاقات نموذجية متكافئة، واتفاقيات متنوعة، ولاعبا رئيسيا في خلق المعادلات الدولية، إضافة إلى ترسيخ الأمن والاستقرار للمواطن والمقيم في الداخل، مسنودا بمشاريع الخير، التي تسير بخطى حثيثة، تبعث الاطمئنان في النفوس، وتضمن مستقبلاً زاهراً لدولة حديثة، أخذت على عاتقها صون وضمان حقوق الإنسان، ليعيش بكرامة.
وكان ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أعلن أن «مبادرة السعودية الخضراء»، و«مبادرة الشرق الأوسط الأخضر»، سترسمان توجه المملكة والمنطقة في حماية الأرض والطبيعة ووضعها في خارطة طريق ذات معالم واضحة وطموحة وستسهمان بشكل قوي في تحقيق المستهدفات العالمية.
وقال ولي العهد: «إنه بصفتنا منتجاً عالمياً رائداً للنفط ندرك تماماً نصيبنا من المسؤولية في دفع عجلة مكافحة أزمة المناخ، وأنه مثل ما تمثل دورنا الريادي في استقرار أسواق الطاقة خلال عصر النفط والغاز، فإننا سنعمل لقيادة الحقبة الخضراء القادمة».
وأضاف ولي العهد أن المملكة والمنطقة تواجهان الكثير من التحديات البيئية، مثل التصحر، الأمر الذي يشكل تهديدا اقتصاديا للمنطقة (حيث يقدر أن 13 مليار دولار تستنزف من العواصف الرملية في المنطقة كل سنة)، كما أن تلوث الهواء من غازات الاحتباس الحراري يقدر أنها قلصت متوسط عمر المواطنين بمعدل سنة ونصف السنة، وسنعمل من خلال مبادرة السعودية الخضراء على رفع الغطاء النباتي، وتقليل انبعاثات الكربون، ومكافحة التلوث وتدهور الأراضي، والحفاظ على الحياة البحرية.
وبين ولي العهد أنها ستتضمن عددا من المبادرات الطموحة، من أبرزها زراعة 10 مليارات شجرة داخل المملكة العربية السعودية خلال العقود القادمة، ما يعادل إعادة تأهيل نحو 40 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة، ما يعني زيادة في المساحة المغطاة بالأشجار الحالية إلى 12 ضعفا، تمثل مساهمة المملكة بأكثر من 4% في تحقيق مستهدفات المبادرة العالمية للحد من تدهور الأراضي والموائل الفطرية، و1% من المستهدف العالمي لزراعة تريليون شجرة.
كما ستعمل على رفع نسبة المناطق المحمية إلى أكثر من 30% من مساحة أراضيها التي تقدر بـ600 ألف كيلومتر مربع، لتتجاوز المستهدف العالمي الحالي بحماية 17% من أراضي كل دولة، إضافة إلى عدد من المبادرات لحماية البيئة البحرية والساحلية.
وأضاف ولي العهد: «إن مبادرة السعودية الخضراء ستعمل كذلك على تقليل الانبعاثات الكربونية بأكثر من 4% من المساهمات العالمية، وذلك من خلال مشاريع الطاقة المتجددة التي ستوفر 50% من إنتاج الكهرباء داخل المملكة بحلول عام 2030، ومشاريع في مجال التقنيات الهيدروكربونية النظيفة التي ستمحي أكثر من 130 مليون طن من الانبعاثات الكربونية، إضافة إلى رفع نسبة تحويل النفايات عن المرادم إلى 94%».
وأوضح ولي العهد أن المملكة مصممة على إحداث تأثير عالمي دائم. وانطلاقاً من دورها الريادي ستبدأ العمل على مبادرة الشرق الأوسط الأخضر مع الدول الشقيقة في مجلس التعاون لدول الخليج العربية والشرق الأوسط، وتسعى بالشراكة مع الأشقاء في دول الشرق الأوسط لزراعة 40 مليار شجرة إضافية في الشرق الأوسط، مبينا أن البرنامج يهدف لزراعة 50 مليار شجرة، وهو أكبر برنامج إعادة تشجير في العالم، وهو ضعف حجم السور الأخضر العظيم في منطقة الساحل (ثاني أكبر مبادرة إقليمية من هذا النوع).
ولفت ولي العهد إلى أنه سيعمل هذا المشروع على استعادة مساحة تعادل 200 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة، ما يمثل (5%) من الهدف العالمي لزراعة تريليون شجرة ويحقق تخفيضا بنسبة (2.5%) من معدلات الكربون العالمية.
وأضاف ولي العهد أن حصة إنتاج الطاقة النظيفة في الشرق الأوسط لا تتجاوز اليوم 7%، وأن التقنيات التي تستخدم في إنتاج النفط في المنطقة ليست ذات كفاءة، وستعمل المملكة العربية السعودية مع هذه الدول على نقل المعرفة ومشاركة الخبرات، ما سيسهم في تخفيض انبعاثات الكربون الناتجة عن إنتاج النفط في المنطقة بأكثر من 60%، مضيفا أن هذه الجهود المشتركة ستحقق تخفيضاً في الانبعاثات الكربونية بما نسبته أكثر من 10% من المساهمات العالمية.
وأوضح ولي العهد أن هاتين المبادرتين تأتيان تعزيزاً للجهود البيئية القائمة في المملكة العربية السعودية خلال السنوات السابقة وفق رؤية 2030، نظير رغبة المملكة الجادّة بمواجهة ما عانته من تحديات بيئية تمثلت في ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض نسبة الأمطار وارتفاع موجات الغبار والتصحر، وجزءاً من جهودها لتعزيز الصحة العامة ورفع مستوى جودة الحياة للمواطنين والمقيمين فيها، حيث قامت بإعادة هيكلة شاملة لقطاع البيئة، وتأسيس القوات الخاصة للأمن البيئي في عام 2019، ورفع نسبة تغطية المحميات الطبيعية من 4% إلى ما يزيد على 14%، وزيادة الغطاء النباتي في المملكة بنسبة 40% خلال السنوات الأربع الماضية، كما تمكنت المملكة من الوصول لأفضل مستوى في الانبعاثات الكربونية للدول المنتجة للنفط، وغيرها من المبادرات التي بدأت على أرض الواقع وحققت نتائج إيجابية ملموسة في الوضع البيئي العام.
كما نوه ولي العهد إلى أن هاتين المبادرتين تأتيان كذلك انطلاقاً من دور المملكة الريادي تجاه القضايا الدولية المشتركة، واستكمالاً لجهودها لحماية كوكب الأرض خلال فترة ترؤسها مجموعة العشرين العام الماضي، الذي نتج عنه إصدار إعلان خاص حول البيئة وتبني مفهوم الاقتصاد الدائري للكربون، وتأسيس أول مجموعة عمل خاصة للبيئة فيها، وإطلاق مبادرتين دوليتين للحد من تدهور الأراضي وحماية الشعب المرجانية.
واختتم ولي العهد حديثه: «أنا فخور بالإعلان عن مبادرة السعودية الخضراء ومبادرة الشرق الأوسط الأخضر، وهذه مجرد البداية. تحتاج المملكة والمنطقة والعالم أجمع إلى المضي قدماً وبخطى متسارعة في مكافحة التغير المناخي. وبالنظر إلى الوضع الراهن لم يكن بدء هذه الرحلة نحو مستقبل أكثر خضرة أمراً سهلاً، ولكن تماشياً مع رؤيتنا التطويرية الشاملة، فإننا لا نتجنب الخيارات الصعبة. نرفض الاختيار المضلل بين الحفاظ على الاقتصاد أو حماية البيئة. نؤمن أن العمل لمكافحة التغير المناخي يعزز القدرة التنافسية، ويطلق شرارة الابتكار، ويخلق الملايين من الوظائف».
ويطالب اليوم الجيل الصاعد في المملكة وفي العالم بمستقبل أنظف وأكثر استدامة، ونحن مدينون لهم بتقديم ذلك. وبهذا الصدد ستعمل المملكة مع كافة شركائها الدوليين من منظمات ودول على تطوير هاتين المبادرتين وما يندرج ضمنها من مبادرات والجداول الزمنية لتحقيقها. وأضاف ولي العهد أنه سيتم الإعلان عن تفاصيل مبادرة السعودية الخضراء خلال الأشهر القليلة القادمة، والعمل على إطلاق تجمع إقليمي بحضور الشركاء الدوليين لمبادرة الشرق الأوسط الأخضر في الربع الثاني من العام القادم.