نعود الى الوراء 32 عاماً. إنه العام 1991. لا بدّ أن نعود، لعلّ وعسى.
للشاعر الرثاء والفخر في آن واحد؛ فهذا من أقدار الشعر العربي، ديوان العرب، والشعر من الحياة، وهو يعكس مشاعر الناس ومنهم الشعراء؛ لكن لا جديد منذ السابع من أكتوبر- تشرين الأول؛ فقد مر شهران، والخبر واحد، قوات الاحتلال من كل الفضاءات، تقتل شعبنا، والمقاومة المسلحة تدافع وتوقع خسائر. لا جديد، فللمتابع شعوران، حزن وغضب على الدم المسفوك غدراً، وفخر بقهر الجيش الذي وصف نفسه يوماً، بأنه الجيش الذي لا يقهر.
تكرار المآسي والخيبات، ولكن أليس هناك من رشد ورشاد وحكمة وبعض إنسانية لوقف الحرب على أهل غزة؟ غريب أمر هذه الدول الكبرى، لكن لعله ليس غريباً، و3 دول منها دائمة العضوية في مجلس الأمن، وأخرى من غرب أوربا، تهب الغازي ما يشاء من عدة ومال ودعم سياسيّ ودبلوماسي، لا جديد غير أن بريطانيا العظمى، لا تستحي من الانضمام الفعلي للحرب، فمن يطير فوق بلادنا لمنح الاحتلال معلومات، لا يختلف عمن يقصف.
الأميركيون منقسمون.. الإسرائيليون كذلك.. الأميركيون مختلفون مع الإسرائيليين.. لكن جميعا، ومعهم دول عظمى متفقون علينا، بل وصلت الوقاحة بهم أن يقرروا مصيرنا!
لا جديد، فدول روسيا والصين والدول الإقليمية، لا تبادر فعليا لوقف الحرب، ولا تعلن اصطفافها بانتظار نتيجة المعركة، لكن أليست هناك مسؤولية دولية على الجميع؟ ليست إسرائيل فقط التي تضرب بعرض الحائط القوانين الإنسانية وقت الحرب، بل كل من يصمت الآن، ولا يعلن موقفه يعدّ فعلا كمن لا يهتم لأمر القانون الإنساني.
– إذا؟
– لا إنسانية هنا، ولا مواقف مسؤولة.
الولايات المتحدة بشكل خاص متفقة مع إسرائيل، لكن الاختلاف هو حول عدد الأرواح التي يتم حصدها، وعدد الأيام الممنوحة للغزاة لتحقيق هدف الإبادة، وليس فقط كما يعلن إنهاء المقاومة المسلحة.
ونتذكر في هذه الأيام من تمنى لو نام واستيقظ ليجد غزة قد ابتلعها البحر، فنجد أن الجدل مستمر حول إغراق الأنفاق بماء البحر الأبيض المتوسط، لكن لم يدر الغازي أن من خطط وحفر قد حسب حساباً للماء.
مسكين هذا البحر حين يزج في حرب على الأبرياء، الذين كل همهم واهتمامهم قضاء وقت ممتع في تأمل الأمواج واللون السماوي، وصيد آمن للسمك، بعد أن أقفلت البلاد.
من بقي هناك لم يحارب غزة؟ من بقي هناك من لم يتجاوز الصمت؟ ربما بقي من يستنكر قتل المدنيين، فما يفيد الاستنكار!
لا تريد الولايات المتحدة ولا الغرب المتحالف إعلان هزيمة إسرائيل، لأن ذلك لا يعني إلا انتصار المقاومة، لأن ذلك سيعني صفحة جديدة في العلاقات الدولية، ستطرح السؤال السياسي والوجودي: ماذا بعد إسرائيل؟ لكن لربما بدأت الولايات المتحدة تبحث عن حليف جديد، فلا غرابة أن تجري من دهور علاقات لا ترى مع هذا الدولة أو تلك.
يذكرنا عام 2023، بعام 1991، حين كانت نتيجة حرب الخليج الأولى أن أصبحت الولايات المتحدة الدولة الأولى في العالم. ومنذ 32 عاما والعالم أحادي القطب، فهل خوف الحلفاء اليوم هو تكرار مضمون 1991، لكن من منظور عكسي؟ وهل سيعني ذلك إثارة سؤال استراتيجي: ماذا بعد الولايات المتحدة؟
ليس هناك منتصر دائم، وبالطبع لا تستمر نجاحات الغزاة، ما دامت هناك شعوب ترفض الاستسلام. والآن، وبعد كل هذا السلاح الحديث جدا، تكون النتيجة قتل المدنيين، وتأخر الحسم العسكري الذي قد يطول كثيرا، ولعل ذلك إغراء للعالم بعدم الخوف من تلك الدول، وتشجيع لأبناء العروبة وبناتها بعدم الارتهان للخوف الذي لا يحقق أمنا.
نعم نحن قادرون، كما كانت فيتنام يوما، وكما كانت شعوب صغيرة وكبيرة حققت الانتصار على الاستعمار وطردته، فإسرائيل ليست فرنسا المطرودة من الجزائر، ولا بريطانيا المطرودة من بلاد كثيرة، ولا غيرها من دول الاستعمار.
لقد فشل الاستعمار العسكري المباشر، ولجأ الاستعمار لتغيير الأسلوب، وانطلى ذلك على الدول للأسف في قارات عدة، والآن حتى تضمن الشعوب تحررها الفعلي، وامتلاك أمر أمانها، لا بد من خطوات لإنهاء الاستعمار المتعدد والمتنوع، والطريق واضحة، تبدأ من الثقافة والاستهلاك؛ فقد باتت المقاطعة الاقتصادية أمراً ملحاً، وفعلاً يرتقي لرد فعل عربي يرتقي لدماء شهداء فلسطين ولبنان والأمة العربية.
لقد صارت المقاطعة الاستراتيجية لمنتجات العدو وحلفائه أمرا واجبا، وهي مقاطعة دائمة لا موسمية، وقد أثبت التاريخ جدواها، ونحن قادرون.
إعادة الاعتبار الى استقلالية الثقافة وعدم تبعيتها، هو أمر استراتيجي، وستعلمنا الأيام القادمة أن هناك طرقا فلسطينية وعربية لدحر الغزاة، وإجبارهم على الاعتراف بحق شعبنا في تقرير المصير.
ليس هناك من متفوق هنا غير الحق، لذلك يمكن للشعوب المختلفة التعايش معا، والظن أن خلاص الآخر الآن، هو نبذ الصهيونية الكولينيالية العنصرية، وترك المجال للبشر للعيش وإعمار البلاد، فإن كانت إسرائيل فعلا ترفض حل الدولتين، فقد صار الحل اليوم وهو الحل الطبيعي الذي اقترح أمس، إنها الدولة الفلسطينية، في فلسطين التاريخية، لكل ساكنيها، وهو الحل والخلاص الفعلي. لا يمكن أن تستمر المستعمرة بهذا الشكل، أداة بيد الاستعمار، فهل سيكتشف اليهود في فلسطين ماذا أريد لهم من توظيف بشع؟
ليس هذا أمرا رومانسيا:
«كانت تسمى فلسطين
صارت تسمى فلسطين»
رحم الله محمود درويش ونبوءته، ستصير البلاد كما هي، فكل الخرائط تسمي البلاد بفلسطين. وفلسطين التعددية الجميلة من أزمان بعيدة، هي الأمان فعلا.
ليتحرر اليهود في فلسطين من الاستعمار، والذي هو من سبب لهم النكبات سنوات طويلة، وليتحرر اليهود من عقد الخوف منا:
«أنا لا أكره الناس ولا أسطو على أحد
ولكن إذا جعت آكل لحم مغتصبي
حذار من جوعي ومن غضبي»
لسان حالنا لسان شعر محمود درويش.
لقد بدأنا المقال بأسئلة سياسية، لكنها أعادتنا الى الأسئلة الوجودية، فلم لا تصحو إسرائيل شعباً ونخباً من غفلتها، وتبدأ السير الحقيقي نحو السلام؟
[email protected]
ما رأيك؟
رائع0
لم يعجبني0
اعجبني0
غير راضي0
غير جيد0
لم افهم0
لا اهتم0