خرافة الرصيف البحري.. قطرة مساعدات في بحر احتياجات غزة

قالت القيادة المركزية الأميركية، الثلاثاء، إنه جرى تسليم أكثر من 569 طناً مترياً من المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة عبر الرصيف البحري الذي أنشأه الجيش الأميركي في وقت سابق، لكنها أوضحت أن المساعدات لم تصل كلها إلى مستودعات الأمم المتحدة.

وبدأت شحنات المساعدات في الوصول إلى الرصيف الذي أقامته الولايات المتحدة في منطقة البيدر، جنوب غرب مدينة غزة، اعتباراً من يوم الجمعة الماضي، في الوقت الذي تتعرض فيه إسرائيل لضغوط عالمية متزايدة للسماح بدخول المزيد من المساعدات إلى القطاع الساحلي المحاصر.

يرى مصدر من وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، أن “الرصيف البحري قد يمثل عقبة أمام الإسراع بإدخال المساعدات الإنسانية، وأنه لن يؤدي إلى تحسين الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة”، مشيراً إلى أنه “لا يوجد تنسيق كامل مع إدارة أونروا، وهناك محاولة تغييب متعمد للوكالة”.

ويوضح المصدر لـ”العربي الجديد”، أن “الممرات البرية أفضل كثيراً من الممرات البحرية، فالممر البري تدخل عبره كميات أكبر، ويستغرق نقلها وقتاً أقل، إلى جانب سهولة التنسيق مع الجهات الدولية لوضعها في المخازن وفرزها قبل التوزيع، وعملية دخول المساعدات كانت شبه منتظمة قبل احتلال معبر رفح وخروجه عن السيطرة الفلسطينية”.

ووافقت الأمم المتحدة على المساعدة في تنسيق عمليات تسليم المساعدات وتوزيعها عند الرصيف العائم، لكنها ما زالت تؤكد أن تسليم المساعدات عن طريق البر هو الطريقة “الأكثر جدوى وفعالية وكفاءة” للتصدي للأزمة الإنسانية في القطاع. كما تؤكد حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، أن الرصيف البحري الأميركي “ليس بديلاً عن فتح المعابر البرية كافة، وتحت إشراف فلسطيني”.

الأمم المتحدة: إيصال المساعدات برياً أكثر جدوى وفعالية وكفاءة
وقال مسؤول أممي في وقت سابق، إن طرفاً ثالثاً آخر تتعاقد معه المنظمة الدولية سيحمّل المساعدات على الشاحنات وينقلها إلى نقاط التوزيع في أنحاء قطاع غزة. وقالت الأمم المتحدة إن 10 شاحنات محملة بالمساعدات الغذائية تم نقلها من موقع الرصيف، يوم الجمعة، إلى مستودع تابع لبرنامج الأغذية العالمي في مدينة دير البلح. لكن لم تصل سوى خمس شاحنات محملة بالمساعدات إلى المستودع يوم السبت، بعدما أخذ فلسطينيون حمولة الشاحنات الأخرى خلال الرحلة التي مرت بمنطقة أشار مسؤول أممي إلى أنها “شهدت نقصاً في المساعدات”، بحسب “رويترز”.

وبدأت عمليات إنشاء الرصيف البحري في فبراير/ شباط الماضي، واختيرَت منطقة البيدر كونها تقع في نطاق يسيطر عليه جيش الاحتلال، وبالقرب من الحواجز الإسرائيلية المطلة على الشارع 749 الذي أنشأه الاحتلال خلال العدوان على غزة، والذي يفصل القطاع إلى شق جنوبي وآخر شمالي.

ويمنع الاحتلال الغزيين من الاقتراب من المنطقة، كما أنشأ تلالاً رملية مطلة على شارع الرشيد حتى تصعب رؤية ما يحدث. لكن شهادات سكان يقيمون غرب مخيم النصيرات، وهي أقرب نقطة من الرصيف البحري، أفادت بأنه تم تجريف الشاطئ بالكامل ليكون على الارتفاع نفسه بعد أن كانت فيه تلال رملية سابقاً.

وقالت القيادة المركزية إن الجيش الأميركي جمع الرصيف البحري العائم سلفاً في ميناء أسدود الإسرائيلي ونقله إلى شاطئ قطاع غزة الذي يفتقر إلى بنية تحتية للموانئ، لكن لم تطأ أقدام جنود أميركيين شاطئ القطاع. وأضافت أن المساعدات التي تصل إلى الرصيف جزء من “جهود مستمرة ومتعددة الجنسيات”. وتشمل المساعدات مواد إغاثية تبرعت بها عدة دول ومنظمات إنسانية.

ولم تتلق الأمم المتحدة أي مساعدات من الرصيف يومي الأحد والاثنين، وحذر مسؤولون أمميون، الاثنين، من أن “الأغذية والأدوية تتراكم على الحدود في مصر في ظل استمرار إغلاق معبر رفح”.

وقالت المسؤولة البارزة في جهود الإغاثة بالأمم المتحدة إيديم وسورنو إنه “لا يوجد ما يكفي من الإمدادات والوقود لتوفير أي مستوى معقول من الدعم لشعب غزة الذي يتحمل الهجوم العسكري الإسرائيلي. لم تعد لدينا كلمات لوصف ما يحدث في غزة. وصفنا ذلك بأنه كارثة، وكابوس، وجحيم على الأرض. إنه كل هذا، بل وأسوأ”، بحسب “رويترز”.

الرصيف البحري في غزة.. المسار والكلفة
وتأتي المساعدات التي يتم تفريغها على الرصيف عبر ممر بحري من قبرص، حيث يتم تفتيشها أولاً من قبل إسرائيل. وتقدر كلفة تشغيل الرصيف بنحو 320 مليون دولار بمشاركة ألف جندي أميركي. وقال مسؤولون أميركيون إن الرصيف سيتعامل في البداية مع 90 شاحنة يومياً، لكن هذا العدد قد يصل إلى 150 لاحقاً. 
وليس هناك اتصال بين العدد القليل من موظفي الأمم المتحدة في موقع الرصيف البحري وبين الجيش الإسرائيلي الذي يوفر الدعم الأمني واللوجستي للحفاظ على حياد الأمم المتحدة في ظل مخاوف بشأن القدرة على ضمان الحياد. واضطر فريق أممي خلال زيارة للمكان في أواخر الشهر الماضي إلى الاحتماء بعدما تعرضت المنطقة لإطلاق نار.

وحذرت الأمم المتحدة من نقص حاد في الوقود في غزة، وقالت إيديم وسورنو إنه جرى تسليم 654 ألف لتر من الوقود إلى غزة منذ السادس من مايو/ أيار الجاري، أي ربع مخصصات الوقود التي كانت تتلقاها، وأكدت لمجلس الأمن الدولي أن “إغلاق معبر رفح أوقف تسليم ما لا يقل عن 82 ألف طن متري من الإمدادات، في حين كان الوصول إلى معبر كرم أبو سالم محدوداً بسبب الأعمال العدائية والظروف اللوجستية الصعبة وإجراءات التنسيق المعقدة”.

بدوره، قال نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة فرحان حق: “لدرء أهوال المجاعة، يتعين علينا استخدام الطريق الأسرع والأوضح للوصول إلى سكان غزة، ولذا نحتاج إلى إمكانية الوصول عن طريق البر الآن”.

وتعطل وصول المساعدات إلى جنوب غزة منذ كثفت إسرائيل عملياتها العسكرية في رفح، في خطوة تقول الأمم المتحدة إنها أجبرت 900 ألف شخص على الفرار، وأيضاً إلى شمال غزة، حيث تحذر الأمم المتحدة من “مجاعة وشيكة”.

وتطالب الأمم المتحدة ومنظمات إغاثية إسرائيل ببذل جهود أكبر لإيصال المساعدات إلى قطاع غزة الذي دمرته حملتها العسكرية. وأدت العمليات العسكرية الجديدة على رفح وشمالي غزة إلى زيادة الاحتياجات مع إجلاء مئات الآلاف من النازحين.

وهاجم عشرات المتطرفين الإسرائيليين خلال الأسابيع الأخيرة شاحنات محملة بمساعدات إنسانية في طريقها إلى قطاع غزة، وأغلقوا الطرق المؤدية إلى المعابر، ووثقوا في مقاطع فيديو إيقافهم الشاحنات وإتلاف المساعدات الإنسانية من دون أن تتدخل السلطات لوقف الاعتداءات، ما سبب انتقادات أممية ودولية، بما في ذلك من الولايات المتحدة.