خطيب الحرم المكي: محتوى بعض مشاهير التواصل «غثاء».. أبناؤنا وفتياتنا يدركون الحاجة لحسن التربية

أكد إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس، أن الله تعالى امتن على بلاد الحرمين الشريفين بنعمة الأمن والأمان، مشددا بقوله: ترون الناس من حولكم وما يعيشونه من خوف واضطراب في مختلف البقاع والأصقاع، ونحن في بلاد الحرمين الشريفين ننعم بالأمن والأمان والإيمان، نعتز بديننا ونفخر بقيمنا، فلله الحمد والمنة.

وقال في خطبة الجمعة اليوم: هذا يؤكد أن الانتماء إلى الوطن ليس مجرد عاطفة غامرة أو مشاعر جياشة فحسب، بل هو مع ذلك إحساس بالمسؤولية وقيام بالواجبات، فالمواطنة الحقة شراكة بين أبناء الوطن في الحياة والمصير والتحديات، وفي المقدرات والمكتسبات والمنجزات، وفي الحقوق والواجبات، وذلك من خلال الرؤى المستقبلية، والخطط الإستراتيجية، والاستثمارات الحضارية، والمنشآت الرقمية التقنية، إلى غير ذلك من الفاعلية الإيجابية، والإسهامات الإنتاجية التي تحفز على التنمية القائمة على استثمار التقنية، والتحول الرقمي، والذكاء الاصطناعي، لمواكبة عصر الثورة التقنية من خلال التنمية المستدامة، والمواكبة العلمية للتطور الحضاري العالمي.

وبين الدكتور السديس أن من أهم ثمار حب الأوطان؛ الوحدة واللحمة ولزوم الجماعة، وحسن السمع للإمام والطاعة، في وسطية واعتدال، فلا غلو ولا تطرف، ولا جفاء ولا انحلال، في وحدة متألقة تتسامى عن الفرقة والانقسامات، ووبيل التهم والتصنيفات، مستشهدا بقوله تعالى: «وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون».

وتابع قائلا: ولئن كان هذا العصر، هو العصر الذي بلغت فيه البشرية ذرى الرقي الفكري، والحضاري، والثقافي، والمادي، والتقاني، فإنه أيضا، هو أشد العصور حاجة وعوزا للعلم والمعرفة المقرونة بحسن الوعي والتربية، ولعل أبناءنا وفتياتنا الذين يستقبلون عامهم الدراسي الجديد يدركون ذلك من خلال التكامل بين الأسرة والمدرسة لتطوير المنظومة التعليمية والتربوية أمام سيل التحديات القيمية، لاسيما المخالفات في المحتوى الإعلامي ووسائل التواصل الاجتماعي، وغثائية بعض من يوسمون بالمشاهير وحوكمتها، وفي مواكبة لكل المتغيرات، يدعو الإسلام إلى الإتقان والجودة، والتميز والابتكار والإبداع، فأي فخر وأي شرف بعد هذا الشرف، وإن المتأمل لمبادئ الجودة والأنسنة الشاملة، يدرك سبق الشريعة لتلك المبادئ التي هي أصلا من أسس الدين ومعالم الإسـلام، كما يجد أن الإسلام حث عليها وعمل على ترسيخها؛ فحب العمل وإتقانه والمهارة في أدائه، والإخلاص فيه ومراقبة الله تعالى كلها مبادئ رغب فيها الإسلام، ووعد فاعلها بالثواب والأجر العظيم.

وأكد خطيب المسجد الحرام أن مفهوم الجودة والأنسنة حاضر في كل تعاليم الدين بكل مضامينه وهو يمثل قيمة إسلامية عظيمة لا تنفك عن كل الأعمال الدينية والدنيوية، قال تعالى: «الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا»، وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه»، أخرجه البيهقي في شعب الإيمان، وبذلك تتحقق المجتمعات الحيوية، والتنمية المزدهرة، والأوطان الطموحة، ويسهم في تجسيد وتحسين الصورة المشرقة عن الإسلام والمسلمين، وما ذلك على الله بعزيز.

ومضى الشيخ السديس يقول: إن ما يميز المجتمع الإسلامي عن غيره أنه آخذ بعضه بيد بعض، يوصي بعضهم بعضا بالحق والصبر عليه، ويتعاونون على البر والتقوى، قال صلى الله عليه وسلم:«كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته» (متفق عليه)، فشريعتنا الغراء لا تعرف الانعزالية والانغلاق، والتقوقع والجمود، لكنها تعرف الانفتاح والتجدد والمرونة وفق المتغيرات والمستجدات، مع المحافظة على الثوابت والمسلمات.

وأضاف: واجبنا الديني والقيمي والوطني يحتم على كل فرد منا، وخصوصا القادة والعلماء وذوي الفكر والرأي والإعلام والرموز والقدوات والشباب والفتيات والمرأة أن ينهض كل بواجباته لنكون يدا واحدة في وجه المنتهكين لحرمات الدين والأوطان؛ من خلال التصدي للشائعات المغرضة، والأخبار الكاذبة، والدعوات المشبوهة، والجماعات المنحرفة، والأحزاب الضالة، والتنظيماتِ المارقة، التي تسعى جاهدة إلى إثارة البلبلة والفتن، والقلاقل والإحن، والخيانات الدينية والوطنية، لننعم جميعا بالأمن والاستقرار، ونحافظ على الوحدة الدينية، واللُّحمة الوطنية، وتعزيز قيم النزاهة والشفافية، ومكافحة الفساد بشتى صوره، والحفاظ على المال العام، وعدم الاعتداء عليه وعلى المرافق والممتلكات العامة، والإبلاغ عن جرائم الفساد ومرتكبيها، والجرائم العابرة للحدود والقارات، ومن يقف وراءها من أيديولوجيات ممنهجة لتطهير المجتمعات من آثارها الوخيمة، وكذا مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، وتثمين دور رجال مكافحة المخدرات على تجنيب بلادنا وشبابنا ويلات هذه السموم والجرام المدمرة، وتجنيب البلاد والعباد ويلات الحروب والكوارث، والخطوب والحوادث، من خلال التربية الصحيحة للنشء على هذه المرتكزات والعواصم من الفتن القواصم، وليكن لنا في التاريخ عِبرة، قبل أن تُسكَب العَبرة.