في فلسطين وخارجها انقلب المشهد من حالة النشوة بالانتصار لذواتهم وكرامتهم، وما حققوه من انتصار معنوي ووجداني وأخلاقي بوحدتهم بعد معركة هبة القدس والعدوان على قطاع غزة، إلى مشهد محبط ومخزي وحالة من الهوس واستقطاب خطيرة.
وهي امتداد لحالة الاستقطاب منذ الانتخابات التشريعية في العام 2006، وانقسام النظام الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس، وقد تكون امتداد لتأسيس السلطة الفلسطينية وتوقيع اتفاق أوسلو.
وتعمقت الحالة على إثر اغتيال الناشط السياسي نزار بنات وما تلا ذلك من قمع المحتجين ضد اغتياله، وما يرافق ذلك من خطاب الانتقام والتخوين والكراهية والعنف والتحريض والتهديد والاستدعاءات والاعتقتالات التي تنفذها الاجهزة الامنية، ويبدو ذلك كعملية تصفية الحساب مع المعارضين والمحتجين.
في فلسطين تتوقف الحرية عند توجيه النقد والبحث في سلوك وشرعية الحكومتين في رام الله، وغزة، الحركتان الكبريان حركتا “فتح” و”حماس”، اللتان تسيطران على الضفة الغربية وقطاع غزة.
وعند التعبير عن الرأي والكتابة بتوجيه النقد لما يجري في الأراضي الفلسطينية من استمرار حال الانقسام وتحميل طرفي الصراع المسؤولية على استمراره وعدم إتمام المصالحة الوطنية.
أو فضح سلوك الحكومتين من ارتكابهما الانتهاكات الخطيرة لحقوق الانسان الفلسطيني والاعتداء على الحريات العامة، تتوقف حريتنا في التفكير والتعبير عن الرأي عند نقطة المس بالشرعية والمقاومة وبالثوابت الوطنية وهي تداس يومياً.
الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة محكومون بنظام فصل عنصري واحتلال عسكري يحمي النظام وينفذ سياسته، واستخدام ادوات السيطرة لاستكمال مشروعه في فلسطين وارتكاب جرائم.
ومصيبة الفلسطييين أيضاُ أنهم محكومين بنظامين سلطويين، وتعمل كل سلطة على التمسك ببرنامجها ورؤيتها، لهما قواعد حزبية وجماهيرية تقوم باستدعاء نفسها ويتم استدعائها ايضا في مواجهة بعضهما والدفاع عن النظام، ويشنوا هجوم على الاخرين اللذين يعبروا عن مواقف ورؤية مختلفة.
وعلى مدار سنوات الانقسام المستمرة اندلعت حروب ومعارك، ولا تزال تندلع واستدعاء معارك الدفاع والهجوم والمقاربات والمقارنات غير الأخلاقية وادانة انتهاكات حقوق الانسان إذا كانت الضحية من الحركة التي ينتمون اليها، أو إذا كان النظام مرتكب الانتهاك الطرف الآخر.
والمحزن أن كثير من هؤلاء المدافعين، هم ضحايا حركتهم وينسوا أنهم ضحايا على أمل ان يتم النظر اليهم بانصافهم، وهم يدركون أنهم لن ينصفوا فهم ضحايا الوهم والجهل، ويتخذوا مواقف غير مبدئية في التخلي عن انفسهم كونهم ضحايا وينتصروا لمن ينتهك حقوقهم وكرامتهم.
وعند الكتابة عن الانتهاكات الخطيرة لحقوق الانسان في الضفة الغربية، الاعتداء على الحريات العامة والخاصة من الاعتداء على الجمعيات الاهلية، وقطع رواتب موظفي السلطة من أبناء غزة، وعدم منحهم جوازات السفر، والاعتقالات السياسية المستمرة في الضفة الغربية ضد قيادات وأعضاء حماس، نصبح ضد الأمن والأمان والمس بسيادة القانون.
وعندما يطالب الناس حركة حماس باحترام حقوق الانسان والحريات العامة، ووقف التعذيب في مراكز التحقيق ضد الموقوفين يشعرون بالوجع، تقف حريتنا في التعبير عن الرأي عند المعاملة العين بالعين والسن بالسن، ودفع الثمن.
يريدون من الناس أن يكونوا على صورهم لا على صور الناس أنفسهم وتفكيرهم واعتقادهم وحريتهم في التعبير، ويريدون منا ان نعبر عنهم وليس عنا، وهذا ينطبق على رام الله.
في فلسطين تحولت حركة التحرر الوطني لسلطة ونظام لا يحترم القانون ويمارس انتهاكات خطيرة ضد حقوق الانسان، وتم صناعة أجهزة أمنية للحفاظ على النظام وليس حماية الفلسطييين، وتحول المناضلين من مقاومين إلى محققين وسجانين يمارس بعضهم التعذيب بقسوة وشدة،
الوحدة الوطنية هي السبيل الوحيد للفلسطينيين في الدفاع عن مشروعهم الوطني والنظام الفلسطيني مستمر في ارتكاب الأخطاء والخطايا بحق الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وان الحريات العامة لا تمنح من احد، وان تصويب البنادق يجب أن يكون إلى صدور الاحتلال وليس للمعارضين.
لا سبيل أمام الفلسطينيين إلا إعادة الاعتبار لمشروعهم وحركتهم حركة التحرر الوطني، والعودة للحوار، والتخلي عن حالة الانكار، والتسامي على الجراح والبدء من جديد من دون تحريض أو استغلال الأوضاع المأسوية للفلسطينيين في قطاع غزة.
جريمة قتل نزار بنات لا يجب ان تمر من دون محاسبة، ومع عدم القناعة بعدم جدية لجان التحقيق، التي شكلت في السابق وكانت بالعشرات فلم يخرج عنها شيئ، ولم يحاسب أحد ممن اساؤوا للشعب الفلسطيني في قضايا مصيرية.
ان ما حدث إساءة للشعب الفلسطيني ونضاله، ولا يعبر عن حقيقته والذي ما زال تحت الاحتلال ويناضل من اجل الحرية، فهو اعتداء على حقوق عموم الفلسطينيين ومسهم بشكل مباشر ولا يكفي الاستنكار بل يجب مقاومته والتصدي له.
جريمة مقتل بنات خطيرة جاءت في توقيت اشتعال روح عموم الفلسطينيين الوقّادة في جميع اماكن وجودهم للتصدي لدولة الاحتلال، وما اعتبروه انجاز وانتصار لكرامتهم بصمودهم وتصديهم للاحتلال وحرائمه.
الجريمة هي جزء من عملية منظمة لحرف مقاومة الفلسطينيين ومشاغلتهم داخليا، والحد من قدرتهم على التصدي لمشاريع دولة الاحتلال التي تستبيح كل فلسطبن، ووهم وجود سلطة فلسطينية تحت الاحتلال، واصبحت اداة من ادواته ولا تستطيع مجابهته والدفاع عن الفلسطينيين بذريعة الاتفاقيات معه، والسلطة تدرك او لا تدرك خطورة تمسكها بالاتفاقيات مع الاحتلال وتسهيل مهمته في في استباحة الضفة الغربية وموقفها العاجز او المتواطئ.
هذا ما تريده دولة الاحتلال، وعملية كي الوعي بارتكاب جرائم حرب وتفتيت الهوية الفلسطينية واشغالهم لمشكلاتهم اليومية، حصار غزة وتشديده بفرض عقوبات جماعية وفردية لردع الفلسطينيين، وفصل مدن الضفة الغربية وممارسة الفصل العنصري والسيطرة على الارض وبناء المستوطنات.