دور التطبيع مع اسرائيل في سقوط الاسلاميين بالمغرب ..

كتب د. يوسف شرباطي :

د. يوسف شرباطي
عرفت الانتخابات المغربية مؤخرا انتكاسة كبرى لحزب العدالة و التنمية المحسوب على التيار الاسلامي في المغرب. فبعد ان كان الحزب ذي المرجعية الاسلامية يعتبر بولدوزر الساحة السياسية و فاعلا مهيمنا على اكثرية المجالس المنتخبة في المغرب سقط سقوطا مدويا الى المرتبة الثامنة خلف الاحزاب الصغرى  مكتفيا ب 13 مقعد بعد ان كان حاصلا على125 مقعدا برلمانيا خلال الانتخابات الماضية. في هذا  المقال سنشرح الدور الذي لعبه التطبيع مع اسرائيل في هذا السقوط الصادم.
ليس من الصعب معرفة ان حزب العدالة و التنمية تحول الى حزب صغير بعد ان كان اكبر الاحزاب المغربية بسبب توقيعه قرار التطبيع مع اسرائيل حتى لو كان ذلك بحجة خدمة قضية الصحراء المغربية.و مع ان اغلب المحليين يرجعون انتكاسته بسبب تطبيقه برنامجا لييراليا متوحشا عوض برنامج فيه لمسة اسلامية تجلى في  رفع دعم الدولة عن اغلب المواد الاساسية و بالتالي غلاء الاسعار و الاضرار بالطبقة المتوسطة و خاصة فئة الموظفين من خلال اقتطاعات صندوق التقاعد والتمديد في سنوات العمل و حل مشكل افلاس المكتب الوطني للماء و الكهرباء برفع الاسعار و وازالة تسقيف اثمنة المحروقات مما جعل محطات البنزين ترفع اسعار المحروقات فوق اثمنة السوق الدولي مما جعل الشعب يرى ماقامت به الحكومة برنامجا فيه ليبرالية متوحشة و ليس برنامجا يهتدي بهدي الاسلام.
دور التطبيع في انتكاسة الإسلاميين
غير ان هؤلاء المحللين يتجاهلون حقيقة في غاية الأهمية و وهو ان هاته القرارات اللاشعبية كانت في عهد الولاية الاولي للحكومة الإسلامية و التي انتهت سنة 2016 و التي تلاها انتخابات حصل بموجبها الاسلاميون على مقاعد اكثر من الولاية الاولي التي عرفت هاته الاجراءات المجحفة. بمعنى انه بالرغم من القرارات اللاشعبية التي خرجت بها حكومة العدالة و التنمية الاولى فقد جدد الشعب الثقة فيها و رفع مقاعدها البرلمانية من 107 الى 125 فما الذي حدث في الولاية الثانية حتى يسقط الشعب حكومة الاسلاميين سقوطا مدويا؟ لا توجد قرارات لا شعبية يمكن ان يرجع اليها المتتبع قامت بها حكومة العدالة و التنمية الثانية باستثناء حدث العلاقة مع اسرائيل و ما تلاه من امضاء رئيس الحكومة العثماني على اتفاقية التطبيع معها و الذي جعل المغاربة يحسون ان الإسلاميين لا حدود لانبطاحهم و بالتالي لا يمكن ان يؤمن جانبهم لانهم بعد ان ذاقوا حلاوة الكرسي نسوا شعاراتهم و مبادئهم. وعليه يمكن اعتبار ان قرار التطبيع بجانب قرارات اخرى هي في حقيقة الامر توقيعا على نهايتهم فقد فشلو كعادتهم في فهم عقلية المغاربة فشلا جعلهم لا يتوقعون تخلي المغاربة عنهم بل الاكثر من ذلك تخلي قاعدتهم الانتخابية عنهم و التي تقدر باكثر من مليون  ناخب كانت قادرة لو صوتت لهم على تمكينهم من الصفوف الاولى حتى لو لم يصوت باقي المغاربة عليهم. فقد ظهر للمغاربة ان حزب العدالة و التنمية حزب حربائي لا يمكن الوثوق به و لا حدود لانحداره فقرروا ان ينزلوه من المرتبة الاولى التي تبوأها  خلال عشر سنوات الى المرتبة الثامنة بجانب اصغر الاحزاب.
و الدليل الثاني على ان التطبيع  عامل اساسي في انتكاسة  الحزب “الاسلامي”  هو ان الحزب الشريك للعدالة و التنمية في ولايتها المنتهية و الذي استفاد رئيسه من قرار حكومة الاسلاميين التخلي عن تسقيف المحروقات وعرفت محطات البنزين التابعة له مقاطعة شعبية واسعة  نتيجة  جنيه اموالا طائلة جراء هذا التخلي لم يتراجع حزبه في الانتخابات الاخيرة بل فاز بالمرتبة الاولى مستفيدا من تقهقر حزب الاسلاميين و من تقربه من الطبقات الهشة عن طريق الاعمال الخيرية.
وبالتالي لا يمكن فهم ما وقع بمعزل عن قرار توقيع الاسلاميين في شخص رئيسهم على اتفاق التطبيع و هو قرار  اعتبره المغاربة دليلا علي نفاقهم وان كانو مكرهين فعلى انبطاحهم.فاسلاميو المغرب اتخذوا من قضية فلسطين مصدر تعبئتهم لعقود و محور  اديولوجيتهم بل وبوصلة ولاءاتهم.ولم يتوقع المغاربة ان يغيروا بوصلتهم بعد ان وصلوا الى المناصب.