فصلت شبكة “دويتشه فيله” الإعلامية الألمانية، موظّفين عربا من العمل، بينهم صحافيتان فلسطينيتان أعلنتا اليوم، أنهما تلقيتا القرار، بزعم أنهما عبّرتا عن آراء معادية للسامية، وللاحتلال الإسرائيلي عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ.
وأكدت الصحافيتان؛ الفلسطينية، مرام سالم، والفلسطينية – الأردنية فرح مرقة، اليوم الإثنين، أنهما تلقيتا قرارا بفصلهما من “دويتشيه فيله”. كما تأكد فصل الصحافي اللبناني باسل العريضي، وفق ما أوردت وسائل إعلام محلية.
وذكرت الصحافية مرقة في تغريدة نشرتها عبر “تويتر” أنها تلقّت إخطارًا دون توضيحات بأنه سيتم إخطارها بإنهاء عملها في “دويتشه فيله” فورًا، في حين قالت سالم عبر منشور بصفحتها في “فيسبوك”، إنه تمّ إعلامها بقرار فصلها “عقب نشر صحافي ألماني تقريرا يتهمها مع زملاء آخرين بمعاداة السامية وإسرائيل، وذلك بسبب بوستات منشورة عبر فيسبوك”.
وفي الثلاثين من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، نشرت صحيفة “زود دويتشه تسايتونغ” تقريرا، قالت فيه إن عددا من العاملين في القسم العربي في “دويتشه فيله”، وكذلك أحد المدربين الذي يعمل بشكل مستقل مع المؤسسة، قد نشروا في السنوات الماضية تعليقات “معادية للسامية” عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام أخرى. ونُشرت تلك التصريحات عبر حسابات خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي، وحُذف بعضها في وقت لاحق.
والعريضي هو أحد الذين استهدفهم تقرير “زود دويتشه تسايتونغ”، علما بأنه عُيّن مديرا لمكتب “دويتشه فيله” في بيروت عام 2019.
ونبشت الصحيفة الألمانية تغريدة للعريضي تعود لحزيران/ يونيو عام 2014 وهي محذوفة حاليا، زعمت أنه قال فيها إن كل من يتعامل مع الإسرائيليين خائن ويجب إعدامه.
“تعيين إسرائيلي في لجنة التحقيق الخارجيّة”
وقالت الصحافية سالم وهي من الخليل، عبر منشورها اليوم: “لقد تم إعلامي الآن بقرار فصلي من الدويتشه فيله، وذلك عقب نشر صحافي ألماني تقريرا يتهمني مع زملاء آخرين بمعاداة السامية وإسرائيل، وذلك بسبب ’بوستات’ (منشورات) منشورة عبر فيسبوك. وفي حالتي فإن (المنشور) خاصتي لم يكن يحتوي على أي تعبير معاد للسامية، ولم يذكر إسرائيل، بل تحدثت عن حرية التعبير في أوروبا فقط”.
وأوردت سالم نصَّ المنشور المذكور، والذي جاء فيه أنّ “حرية التعبير وإبداء الرأي في أوروبا وهم. خطوط حمر كثيرة إن قررنا الحديث عن القض.ية (القضية؛ ’الفصل بين حروف الكلمة مقصود من قِبل الصحافية’). التشفير الذي نقوم فيه بالعادة لا يهدف لإخفاء البوستات (المنشورات) من الفيسبوك. بل لمنع الترجمة التلقائية من كشف معاني كلماتنا للمراقبين (والمنا.ديب) هنا، ممن على أهبة الاستعداد لإرسال طلب بفص.لنا، أو تر.حيلنا…”.
وأضافت سالم: “لهذا فأنا أؤكد بأن الخطوة التعسفية التي جاءت ضدي كانت نتيجة لصراعات داخلية وكيدية، ومجموعة من الإشاعات غير الصحيحة، وجدت نفسي لسبب لا أعلمه في وسطها، وتم استخدامي كبش فداء من دويتشه فيله للخروج من أزمتها الحالية، فهل يُعقل أن تقوم وسيلة إعلام تنادي بالحريات أن تفصل موظفة لديها لأنها انتقدت حرية التعبير في أوروبا؟، مع التأكيد على أن إجراءات التحقيق لم تكن حيادية، إذ تم تعيين إسرائيلي في لجنة التحقيق الخارجية، غير أن الأسئلة كانت بمجملها عنصرية، فوجدت نفسي في مرمى الاتهام لمجرد كوني فلسطينية”.
“أسئلة مخابراتيّة… الهوية الفلسطينيّة كافية للاتهام بمعاداة الساميّة”
وذكرت سالم أن “كل هذا جاء دون مراعاة الخصوصية التاريخية، وطبيعة الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، واعتبرت دويتشه فيله نفسها بأنها فقط من يحدد معايير ’حقيقة الصراع’ ومن هو الطرف المحق، رغم فشل الجسم الدولي والعربي في حل الأزمة بين الطرفين لأكثر من سبعين عاما”.
وأضافت سالم: “أما في التحقيق الداخلي فقد طُرح عليّ سؤال فوجئت به حقا، إذ لا يتم طرحه عادة إلا من جسم أمني يعمل لدولة قمعية: ’كيف تكتبين أنه لا يوجد حريات وأنت تعملين لدى دويتشه فيله؟’، والذي يشبه سؤال رجال المخابرات: ’كيف تجرؤ أن تتحدث عن انعدام الحريات في البلاد؟’”.
وذكرت أن “نتائج التحقيق لدى دويتشه فيله، أثبتت أن هويتك كفلسطيني كافية لأن تكون سببا في اتهامك بمعاداة السامية، ومن هنا فأنا أحمل دويتشه فيله مسؤولية صحتي العقلية والنفسية والجسدية خلال فترة التحقيق والفترة القادمة، وأي تبعات تتعلق بمستقبلي المهني”.
وفي المنشور ذاته، قالت سالم: “لقد أتيت إلى ألمانيا من أجل الحفاظ على حريتي التي لطالما كانت سلاحي الأقوى، لقد واجهت محاولات قمع وتهديد في بلادي، وكنت أظن أن العمل لدى وسيلة إعلام دولية لطالما تغنت بالحريات سيكون مختلفا، ولكنها أثبتت أن الإعلام ليس حرا حقا، وستتم محاكمة الصحافي علنيا لمجرد قوله: ’لا يوجد حرية تعبير’”، مؤكدة: “دويتشه فيله قمعت حريتي في التعبير عن رأيي!”.
ووفقا لوثيقة داخليّة مكونة من صفحتين سُرّبت في أيار/ مايو، إبان العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة المحاصَر، منعت هيئة تحرير “دويتشه فيله” مراسليها ومحرريها من تغطية جرائم الاحتلال الإسرائيلي المتمثلة في الفصل العنصري واضطهاد الفلسطينيين. وشدّدت الوثيقة حينها على أن إرث المحرقة ومسؤولية ألمانيا الخاصة تجاه إسرائيل لا يزالان حجر الزاوية في دستور البلاد وسياستها الخارجية.
وقالت رئيسة التحرير، مانويلا كاسبر-كلاريدج للموظفين في الوثيقة: “نحن في (دويتشه فيله)، لا نشكك إطلاقا في حق إسرائيل في الوجود كدولة، ولا نسمح للأشخاص الموجودين في تغطيتنا بالقيام بذلك”، مضيفة: “نحن لا نشير إطلاقا إلى نظام الفصل العنصري في إسرائيل. نتجنب أيضا الإشارة إلى الاستعمار أو المستعمرين”.
وذكرت كاسبر-كلاريدج حينها: “نحن نحترم حرية الرأي والتعبير، وحق الناس في انتقاد أي من الأطراف المعنية. ومع ذلك، فإن انتقاد إسرائيل يصبح معاداة للسامية عندما تحاول تلطيخ وتشويه السمعة ونزع الشرعية عن دولة إسرائيل أو الشعب اليهودي والثقافة اليهودية بذاتها… نحن نحترم حرية الرأي والتعبير، وحق الناس في انتقاد أي من الأطراف المعنية. ومع ذلك، فإن انتقاد إسرائيل يصبح معاداة للسامية عندما تحاول تلطيخ وتشويه السمعة ونزع الشرعية عن دولة إسرائيل أو الشعب اليهودي والثقافة اليهودية بذاتها”.
وشمل قرار الفصل على خلفيّة الاتّهامات بـ”معاداة السامية” ثلاثة صحافيين آخرين هما داوود إبراهيم، ومرهف محمود، بحسب ما أوردت وسائل إعلام. ولم يتأكد فصلهما النهائي بعد.
وكانت “دويتشه فيله” قد أعلنت في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، إيقاف أربعة موظفين ومتعاون من الخارج، خلال تحقيق في مزاعم بأنهم عبروا عن آراء معادية للاحتلال الإسرائيلي وللسامية. وذكرت المؤسسة في بيان أصدرته حينها، أنها أطلقت تحقيقا مستقلا في اتهامات تضمنها مقال صحيفة ألمانية بحق موظفات وموظفين في القسم العربي، بالإضافة إلى موظفين أحرار تابعين لها خارج ألمانيا.
وأُوقف الأشخاص المذكورون في التقرير عن العمل حينها، إلى حين الانتهاء من التحقيق. ولم يصدر بيان آخر من المؤسسة بشأن الصحافيتين سالم ومرقة.
وشدّدت “دويتشه فيله” التي تمولها الحكومة الألمانية في بيانها، على أن جميع موظفيها “ملتزمون بالإخلاص لقيم وإستراتيجيات المؤسسة الألمانية، سواء داخليا وخارجيا. من بين هذه القيم الاعتراف الواضح بحق إسرائيل في الوجود، إضافة إلى الموقف الواضح ضد معاداة السامية”.
وفي أيلول/ سبتمبر الماضي، أعلنت الصحافية الفلسطينية، تالا حلاوة عبر صفحتها في “فيسبوك”، أن قناة هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) فصلتها من عملها بعد 4 سنوات من العمل في القناة وذلك على خلفية تغريدة نشرتها على “تويتر” عام 2014، أي قبل انضمامها للقناة بثلاث سنوات.
وأوضحت الصحافية حينها أنها “خضعت للتحقيق والفصل على إثر تغريدة واحدة مسيئة نشرتها قبل 7 سنوات، خلال قصف الجيش الإسرائيلي لغزة في 2014، تحديدا أثناء الهجوم على حي الشجاعية والذي أسفر عن سقوط 55 مدنيا فلسطينيا منهم 19 طفلا و14 امرأة خلال 48 ساعة فقط. وبعد أيام معدودة على اختطاف المستوطنين للطفل محمد أبو خضير وإحراقه حيًّا”.