ما حدث أول أمس في القدس المحتلة بعد وقوع انفجارين متزامنين استهدفا مصالح الاحتلال الاسرائيلي في محطة حافلات بالقدس واخر في حي راموت الاستيطاني ليس أمرا مفاجئا, ومن يدعي ذلك اما انه يغالط نفسه أو أنه جاهل بالوقائع على الارض أو أنه لا يعرف الشعب الفلسطيني, والحقيقة أن ما حدث كان أمرا متوقعا حتى بالنسبة لسلطات الاحتلال وهي أكثر من يدرك أنه لا يمكن للشعب الفلسطيني أن يستمر في القبول بما يتعرض له ابناء الشعب الفلسطيني يوميا من قهر وظلم واهانة و من تدنيس للمقدسات واغتيالات دون أي رد فعل وقتل للاطفال واخرهم الطفل الشهيد أحمد أمجد شحادة ابن الستة عشرة ربيعا الذي ارتقى اول امس برصاص الاحتلال الحي في القلب. وبه يرتفع عدد الشهداء في فلسطين منذ بداية العام إلى 200 شهيد، بينهم 52 شهيدا من قطاع غزة و هي بالتاكيد حصيلة تابى النسيان وتابى ايضا ان تمضي دون مسالة او محاسبة الى ما لا نهاية …
لقد أكدت مختلف التجارب عبر مختلف الاحداث التاريخية أن الشعوب المقهورة لن تطلب اذنا و لن تسأل المستبد تصريحا لتثور على من ظلمها …ونفس هذه التجارب ما انفكت تؤكد ان هذه الشعوب قد يصيبها الاحباط و اليأس و قد تركن للهدوء وقد تتوقف لبعض الوقت طلبا للاستراحة من عناء المسار و ما يستوجبه من تضحيات و قد يحدث أيضا أن تتخلى عن المقاومة لبعض الوقت و لكن ليس كل الوقت و ستعود في لحظة لن ينتبه لها العدو لتوجه له ضربة موجعة تذكره أن الحق المشروع لا يقبل التنازل و الانهيار و هذا في الحقيقة ما حاول ابطال عمليتي القدس أمس تذكير العالم به حتى ينتبه الى حجم المظلمة المنسية التي يتعرضون لها …على الفلسطينيين أن يتوقعوا عملية انتقامية جنونية جارفة ردا على ما حدث صباح أمس من قبل الاحتلال في محاولة لتبييض صورة الاستخبارات الاسرائيلية ومنح حكومة ناتنياهو التي لم تتشكل بعد كل الاسباب لضم اكثر الوجوه تطرفا للمضي قدما في سياساتها الاستيطانية الاحتلالية …
ما حدث مس يحمل أكثر من رسالة لاكثر من طرف و أولها لى سلطة الاحتلال أن استمرار الوضع على حاله ليس بالامر الممكن و أن الفوز بالسلام و الارض معا وهم سيتعين التخلي عنه . أما الرسالة الثانية فهي موجهة بالتأكيد لانصار و حلفاء سلطة الاحتلال و مفادها ان حياة الفلسطينيين الذين يتعرضون للتصفية العرقية و القتل البطيء مسألة مهمة يضا وأن الانحياز الامحدود للاحتلال لا يمن أن يستمر الى ما لا نهاية ..
واما الرسالة الثالثة فهي موجهة بالتأكيد الى مؤسسات الامم المتحدة التي يتعين عليها أن تدرك أن سياسة العدالة العرجاء ليست بديلا للحق الفلسطيني وأن كل القرارات الاممية والقونين العالقة لا تغني الفلسطينيين في شيء .. أما الرسالة التالية ولا نخالها الاخيرة فهي موجهة للشعب الفلسطيني من الضفة الى القطاع ومفادها أن المقاومة مستمرة وعائدة وانه لا يمكن لا لسلطة عباس ولا لسلطة الاحتلال منعها او الوقوف دونها …والمتتبع لمختلف الاعمال الفدائية الاخيرة في الاشهر القليلة الماضية يدرك ان ابطالها اشبال بعضهم لم يتجاوز عقده الثاني و لم يعرف الانتفاضة الاولى لا الثانية و لكنه في المقابل ينتمي لجيل لم يغادر سجن المخيمات و المدن المحاصرة والاحياء المعزولة خلف الاسلاك الشائكة ولكنه الجيل الذي لم تتنبأ به غولدا مائير عندما توقعت ان يموت الكبار وينسى الصغار ولكن ما حدث ان الكبار يرحلون و الصغار يزدادون تمسكا بالارض وبمفتاح البيت الذي يرفضون التخلي عنه وهو جيل قرأ جيدا سطور حرب ال48 و ما تلاها في ال67 وما جاء به اوسلو و مدريد وهو الجيل الذي تابع ملحمة الاسرى وجيوش الشهداء و المهجرين …بالتاكيد ستتجه سلطات الاحتلال خلال الساعات القادمة الى كل اشكال الانتقام من البشر والشجر والحجر وستلاحق منفذي عمليتي القدس ولكن كل اسلحة الاحتلال لا يمكن ان تمنع او تصادر او تلغي الانتفاضة الثالثة التي بدأت بالامس على ارض فلسطين …صمت العالم تواطؤ و صمت العرب جريمة واستمرار صمت العالة الدولية سيغذي روح الانتفاضة و يكون وقودها في كل الحالات …
كاتبة تونسية